في شمال شرق أوكرانيا، وعلى بعد أقل من 50 كيلومتراً من الحدود الروسية، تقع مدينة شوستكا التي تم حصارها، في الأشهر الأولى من الحرب، ومنذ ذلك الحين تواجه المدينة قصفاً متواصلاً وغارات بطائرات مسيّرة من الجيش الروسي.

وفي حال توقفت الهجمات، يكون هناك خطر خفي سيبقى طويلاً، يتمثل في الألغام والعبوات الناسفة غير المنفجرة، حيث تعد أوكرانيا حالياً واحدة من أكثر الدول التي توجد بها ألغام في العالم، إذ تتناثر المتفجرات في ربع أراضيها، وهي مساحة أكبر من إنجلترا.

مجتمعات غير آمنة

حتى قبل أن تبدأ روسيا بزيادة نطاق قصفها، الصيف الجاري، كانت شوستكا وسومي منطقتين تتراكم فيهما أعداد كبيرة من الألغام غير المنفجرة وغيرها من الذخائر، وفي سومي فإن هذا يعني أن الطرق التي كان يستخدمها القرويون لم تعد آمنة، وأن الحدائق والغابات أصبحت محفوفة بالمخاطر، وأن الحقول الزراعية التي كانت تغذي المجتمعات المحلية في السابق، يجب هجرها.

تقول يليزافيتا كيسيليوفا (21 عاماً)، وهي خبيرة متفجرات من سكان شوستكا: «قبل بضعة أيام، كانت هناك 40 طائرة مسيرة تحلق فوقنا»، وتضيف: «بإمكان تلك المسيّرات إسقاط الألغام، لذلك، فإنه حتى لو لم ينفجر شيء على الفور، فهناك دائماً احتمال لانفجار شيء ما لاحقاً».

وتتابع كيسيليوفا: «عادة ما يتصل الناس بالجيش الأوكراني عندما يرون شيئاً مريباً، لكن الألغام منتشرة في كل مكان الآن، تُسقطها الطائرات المسيرة، وتنتشر بفعل انفجار الصواريخ».

قبل أسبوعين، قُتلت عائلة على طريق اعتادوا سلكه لسنوات، إذ لم يكن مساراً خفياً، إلا أن اللغم الأرضي وُضع في الطريق، ربما بوساطة طائرة مسيرة.

بدورهم، يقول ناشطون محليون إن حوادث الألغام تحدث بشكل متكرر، لدرجة أن بعض السكان لا يكلفون أنفسهم عناء الإبلاغ عنها.

مأساة عائلة

في جنوب أوكرانيا، وفي خيرسون تحديداً، وهي مدينة أخرى على خط المواجهة تعرضت لقصف كثيف، تعيش الأوكرانية، ليودميلا كريفوروتكو، على فقدان اثنين من أطفالها بسبب ذخائر غير منفجرة.

في شتاء عام 2022، غادرت كريفوروتكو وأطفالها الأربعة بلدتهم التي تحررت أخيراً، ولكنها لاتزال هدفاً للنيران الروسية، بحثاً عن ملجأ لدى أقاربهم، وما لم يعرفوه هو أن الجيش الروسي المنسحب استخدم الألغام والمتفجرات أثناء مغادرته، لتحويل الطرق المدنية إلى «مصائد موت»، إذ انفجر أحد هذه الألغام تحت سيارة كريفوروتكو.

تقول: «توفي اثنان من أطفالي، ابني البالغ من العمر 19 عاماً، وابنتي (22 عاماً)، على الفور، كما أصيبت ابنتي الصغرى بجروح بالغة، وأصيب ابني ميخايلو (14 عاماً) بارتجاج في المخ، وتم سحبنا من السيارة بعد أن فقدت الوعي»، وتمكنوا من الوصل إلى أقرب قرية قبل أن ينقذهم جنود أوكرانيون.

أصيبت الأم كريفوروتكو بثقب في الرئة وكسور في الأضلاع، وكانت ابنتها الصغرى محظوظة بالنجاة، حيث أصيبت بجروح في وجهها وصدرها، وتقول إنه بعد عامين لاتزال أجسادهم مغطاة بالندوب، وتضيف: «ليس لدينا مكان آمن نذهب إليه، فقد خربت الحرب كل مكان».

الألغام «الفراشة»

تتكون الألغام تقليدياً من شحنة تُفجرها الضحية، وهي مُعدة للانفجار بمجرد الضغط عليها أو سحب سلك تفجير، أو حتى بمجرد لمسها أو تحريكها، وتأتي بأشكال وأحجام متنوعة حسب الهدف المراد استهدافه، وقد استخدمت القوات السوفييتية متفجرات صغيرة على شكل فراشة في أفغانستان، ولاتزال تشوه الأطفال الذين يلتقطونها بدافع الفضول، كما عُثر على مثل هذه المتفجرات في أوكرانيا في أراضٍ كانت محتلة سابقاً.

منذ بدء الحرب الروسية، أُصيب ما لا يقل عن 1000 شخص، وقتل 359 آخرون، بسبب الألغام ومخلفات الحرب المتفجرة، من بينهم 18 طفلاً على الأقل، وفقاً لبيانات نشرتها هيئة الطوارئ الحكومية في أوكرانيا.

ويقول خبير الألغام التابع للأمم المتحدة، بول هيسلوب: «هناك بالفعل أكثر من مليون لغم منتشرة في جميع أنحاء أوكرانيا، والقوات الروسية (فخخت) أجزاء من البلاد على نطاق واسع أثناء انسحابها، ويشمل ذلك الألغام الأرضية ذات الصفائح المضغوطة الأكبر حجماً (التي غالباً ما تسمى الألغام المضادة للدبابات أو المركبات)، والتي تحتوي على متفجرات أكثر بكثير (بين خمسة و10 كيلوغرامات)، وتُفجر بواسطة مركبات أثقل كالسيارات والدبابات والشاحنات العسكرية».

يتابع هيسلوب: «هناك أيضاً كمية هائلة من القذائف والصواريخ والقنابل اليدوية وقذائف هاون غير المنفجرة، لاسيما في المنطقة العازلة، حيث يبلغ مدى المدفعية نحو 20 ميلاً».

وأضاف: «نواجه أثناء تطهير المناطق مستوى من التعقيد والنطاق، لم نشهده من قبل».

وبالعودة إلى منطقة سومي، تعمل يليزافيتا كيسيليوفا مع الصليب الأحمر الأوكراني لتهدئة مخاوف السكان المحليين في شوستكا ومحيطها الذين يحاولون إعادة بناء حياتهم.

وتقول خبيرة الألغام: «نجري العديد من الأنشطة التثقيفية، ونرشد الناس إلى ما يجب فعله وما لا يجب فعله في حال عثورهم على ألغام، ونسعى جاهدين لإرشادهم إلى كيفية الحفاظ على سلامتهم».

عن «الغارديان»


اتفاقية «أوتاوا»

انضمت أوكرانيا، أخيراً، إلى بولندا وفنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا في إعلان انسحابها من اتفاقية «أوتاوا»، التي تنظّم وتقيّد استخدام معظم أنواع الألغام الأرضية، وتستشهد هذه الدول بتهديدات من روسيا، التي تشترك معها في حدود، كسبب لقرارها.

لكن في حالة أوكرانيا فإن المخاوف متعددة، حيث تستمر عمليات إزالة الألغام التي تقوم بها الحكومة، في حين تفكر الحكومة في استخدام الألغام لردع التقدم الروسي.

ويقول المسؤول عن جهود إزالة الألغام في أوكرانيا، أندري دانيك: «في ظل التهديد غير المتكافئ، تضطر أوكرانيا إلى ضمان مستوى كافٍ من القدرة الدفاعية»، ويضيف: «لاتزال إزالة الألغام لأغراض إنسانية إحدى أولويات سياسة الدولة».

. أُصيب ما لا يقل عن 1000 شخص وقُتل 359 آخرون بسبب الألغام ومخلفات الحرب المتفجرة، من بينهم 18 طفلاً على الأقل، وفقاً لبيانات هيئة الطوارئ الحكومية في أوكرانيا.

شاركها.
Exit mobile version