يُستأنف سباق الفضاء مرة أخرى، وهذه المرة هناك عدد أكبر بكثير من اللاعبين مقارنة بسباق الفضاء السابق، والمخاطر أكبر مما كانت عليه خلال الحرب الباردة. وقد انخرطت دول عديدة في هذا السباق الفضائي الجديد. ومن بين هذه الدول أستراليا، التي تسعى جاهدة للحاق بركب المنافسين الآخرين في هذا السباق الحيوي.
وتُعد شركة «جيلمور» لتقنيات الفضاء رائدة في صناعة الفضاء المحلية بأستراليا. وقد انبهر العالم بإطلاق «جيلمور» لصاروخ «إيريس» في 30 يوليو. وكان من المقرر أن ينطلق أول صاروخ أسترالي محلي الصنع، «إيريس»، من ميناء «بوين» المداري الفضائي في ولاية «كوينزلاند»، مُسجلاً بذلك إنجازاً مهماً، ولكن لسوء الحظ، تحطم الصاروخ بعد 14 ثانية فقط من الانطلاق.
وتأسست شركة «جيلمور» لتقنيات الفضاء عام 2013 على يد الأخوين آدم وجيمس جيلمور في «جولد كوست» بولاية «كوينزلاند»، وأصبحت رائدة في صناعة الفضاء الأسترالية. وبأكثر من 200 موظف واستثمارات من شركات مثل «بلاكبيرد فينتشرز»، تتخصص الشركة في الصواريخ الهجينة الحاملة للأقمار الاصطناعية الصغيرة. وشعارها هو «كل المدارات، كل الكواكب».
وأُجهضت محاولات سابقة لإطلاق الصاروخ. وفي مايو، أُلغي الإطلاق بسبب مشكلات في الهيكل الخارجي، وفي وقت سابق من هذا الشهر، أرجأت أستراليا، الإطلاق بسبب الإعصار المداري «ألفريد». ووصف الرئيس التنفيذي للشركة، آدم جيلمور، هذه النتيجة بأنها «مثمرة»، مُركزاً على البيانات لتحسين الأداء، مع التخطيط لإطلاق رحلة الاختبار الثانية خلال ستة إلى ثمانية أشهر أخرى.
أهمية المشروع
أعادت وكالة الفضاء الأسترالية تنشيط جهود أستراليا الفضائية عام 2018، واعتمدت على عمليات الإطلاق الأجنبية. ويُلبي إطلاق صاروخ «إيريس» احتياجات السيادة في ظل مناخ جيوسياسي متوتر، مما يُتيح وصولاً مستقلاً لأقمار الدفاع والاتصالات ورصد الأرض.
ومن الناحية الاقتصادية، يُحفز هذا المشروع خلق فرص عمل ونمو الصناعة الذي تشتد الحاجة إليه.
وعلى سبيل المثال أسهمت منحة فيدرالية بقيمة 52 مليون دولار مُقدمة عام 2022 لشبكة التصنيع الفضائي الأسترالية في تعزيز سلاسل التوريد المحلية. ونتيجة لذلك، تبرز «كوينزلاند» كمركز فضائي تجذب الاستثمارات. ومن الناحية التجارية يُقدم مشروع إيريس خدمة مشاركة الرحلات والخدمات المتوافرة على منصة «إيلاراسات».
من الناحية التكنولوجية يُطور المشروع الدفع الهجين والطباعة ثلاثية الأبعاد والابتكار التكنولوجي العالي بشكل عام محلياً، وتماشياً مع هدف وكالة الفضاء الأسترالية البالغ 12 مليار دولار بحلول عام 2030، يضع مشروع «جيلمور سبيس إيريس» أستراليا في مصاف بلدان رائدة مثل الصين والولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك سيتمكن الأستراليون بمجرد أن يحلوا مشكلات صاروخهم من تعزيز الدفاع الوطني الشامل لأميركا في المجال الاستراتيجي للفضاء من خلال تقاسم الأعباء مع واشنطن في المجالات الرئيسة التي تتداخل فيها مصالح الفضاء الأسترالية مع المصالح الأميركية.
ويُجسد صاروخ «إيريس» من شركة «جيلمور سبيس» للتكنولوجيا نهضة الفضاء الأسترالية، وحادث تحطم الصاروخ بعد الإقلاع في 30 يوليو ليس سوى تعقيد مؤقت. وسيتم استخلاص الدروس الضرورية منه، ما يسمح لأستراليا بمواصلة مسيرتها لتصبح قوة فضائية كبرى. ومع استمرار التحسينات الحتمية لبرنامج «إيريس» سيرمز الصاروخ إلى النجاح، ما يضمن لأستراليا مكانة رائدة في مجال الفضاء.
تقدم كبير
وقال آدم جيلمور، إنه «يأمل أن يدخل الصاروخ التالي إلى المدار، وأن يحمل الصاروخ الذي يليه قمراً اصطناعياً تجارياً». وتابع: «نريد إطلاق أربعة صواريخ سنوياً، ثم في نهاية المطاف أكثر من 12 صاروخاً سنوياً». وقال خبراء صناعة الفضاء إن الإطلاق الذي حدث الأربعاء الماضي يُعد تقدماً كبيراً رغم فشله.
وتحظى شركة «جيلمور» لتقنيات الفضاء بدعم من رأسمال استثماري خاص، وقد حصلت على دعم من الحكومة الأسترالية لتمويل مشروع «إيريس»، الذي يوصف بأنه أول صاروخ مداري تجاري في البلاد.
وقال عميد كلية الهندسة في جامعة «إديث كوان»، باولو دي سوزا، والذي عمل سابقاً مع «ناسا»، إن «محاولة الإطلاق كانت إنجازاً كبيراً». وأضاف: «يكاد يكون من المستحيل تحقيق النجاح من المرة الأولى. أنا متأكد من أن الفريق جمع الكثير من البيانات لمساعدته على فهم ما يمكن تحسينه».
وأضاف دي سوزا، أن «المستثمرين في (جيلمور) يدركون جيداً مدى صعوبة هذه العملية، إنهم يدركون أنه مسعى محفوف بالمخاطر، والفشل جزء من العمل حتى تُتقنه».
وقال عالم الفيزياء الفلكية بجامعة «جنوب كوينزلاند»، جونتي هورنر، إنها «كانت أفضل محاولة إطلاق أولى رآها، وكل جهة أطلقت صواريخ إلى الفضاء بنت نجاحها على فشل انفجاري».
وأضاف هورنر أن أكثر من شركة تتطلع إلى بناء قدرات لرحلات الفضاء في شمال أستراليا. وقال: «إذا كنت أقرب إلى خط الاستواء، فستحصل على مساعدة كبيرة من دوران الأرض، فهذا يُسهل الوصول إلى المدار».
وأشار هورنر إلى أنه من الممكن توقع إطلاق قمر اصطناعي من أستراليا في غضون فترة معقولة.
دعم قوي
وتؤكد البيانات الأولية أن الأنظمة الرئيسة للصاروخ عملت بشكل جيد حتى حدوث الخلل، بما في ذلك الإشعال، والإقلاع، ودفع المرحلة الأولى، وتتبع المدى، والقياس عن بُعد. ويراجع الفريق الآن بيانات الرحلة لفهم سبب الخلل الذي أدى إلى الإنهاء المبكر، مع تطبيق الدروس المستفادة بالفعل على المركبة التالية، التي لاتزال قيد الإنتاج.
وتمثل مهمة 30 يوليو تتويجاً لسنوات من الجهد الذي بذله فريق يضم أكثر من 200 شخص، وأكثر من 500 مورد أسترالي، ودعماً قوياً من الحكومة والقطاع الصناعي، وتنسيقاً وثيقاً مع وكالة الفضاء الأسترالية، وهيئة الخدمات الفضائية الأسترالية، والسلطات البحرية، وغيرها. إنها الخطوة التالية في مهمة «جيلمور» لتوفير خدمات إطلاق منخفضة الكلفة وسريعة الاستجابة للأقمار الاصطناعية الصغيرة، وهي قدرة يتزايد الطلب عليها عالمياً.
وفريق المشروع بصدد دراسة بيانات الرحلة للاستفادة من الدروس وتفادي الأخطاء عند إطلاق صاروخ «إيريس» التالي، مع خطط لإطلاقه مرة أخرى في غضون أشهر. وقال آدم جيلمور: «كل اختبار، وخاصة الأول، هو فرصة للتعلم. تهانينا لفريقنا الموهوب على وصولنا إلى هذه المرحلة. إلى الأمام نحو الإطلاق التالي». عن «ناشيونال إنترست»
اختبار حقيقي
قال الرئيس التنفيذي لشركة «جيلمور»، آدم جيلمور: «ست دول فقط تطلق حالياً أقماراً إلى المدار بانتظام، وعدد قليل منها فقط يُطوّر قدرات محلية للانضمام إليها». وتابع: «لقد خطونا خطوة كبيرة نحو الانضمام إلى هذه المجموعة».
وعقب الإطلاق الأخير، اعترف جيلمور قائلاً: «الفضاء صعب».
وتابع: «احتاجت (سبيس إكس وروكيت لاب) في الولايات المتحدة وآخرون إلى رحلات تجريبية متعددة للوصول إلى المدار. لقد تعلمنا الكثير مما سيُستخدم مباشرة في تحسين مركبتنا التالية التي بدأنا في إنتاجها بالفعل».
وأضاف جيلمور: «يُعدّ الإطلاق من المنصة خطوة هائلة إلى الأمام لأي برنامج صاروخي جديد. وكان هذا أول اختبار حقيقي لأنظمة صواريخنا، وتكنولوجيا الدفع لدينا، ومحطة الإطلاق الفضائية الخاصة بنا، وقد أثبتنا أن الكثير مما بنيناه ناجح».
وأوضح جيلمور أن «صاروخ (إيريس)، الذي صممته شركتنا، يستخدم تقنية دفع هجينة خاصة، وهي أكثر أماناً وأقل كلفة من الصواريخ التقليدية التي تعمل بالوقود السائل والصلب. ومن هذا المنطلق يُعد هذا أفضل للبيئة من طرق الدفع البديلة». وفي حال نجاحه قد يكون «إيريس» أول صاروخ هجين في العالم يصل إلى المدار، وسيمنح ذلك أستراليا قدرة على الانطلاق.
وحاولت شركة «جيلمور» الناشئة تنفيذ عمليات إطلاق عدة هذا العام، منذ حصولها أخيراً على الموافقة التنظيمية لرحلة تجريبية في أواخر عام 2024، لكن سوء الأحوال الجوية والمشكلات الفنية تسببا في تأخيرات.
. فريق المشروع بصدد دراسة بيانات الرحلة للاستفادة من الدروس وتفادي الأخطاء عند إطلاق صاروخ «إيريس» التالي، مع خطط لإطلاقه مرة أخرى في غضون أشهر.