القدس المحتلة- طالب أعضاء في الكنيست من حزب الليكود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب ل بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة بالتصديق على قرار حكومي يقضي بضم الضفة الغربية المحتلة، وذلك قبل انتهاء الدورة الصيفية للكنيست خلال 3 أسابيع.

هذه الدعوة -التي جاءت في رسالة رسمية موقعة باسم جميع وزراء الليكود– تعد الأولى من نوعها بهذا الوضوح والصراحة من قبل الحزب الحاكم، ودعت إلى “فرض السيادة والقانون الإسرائيليين على يهودا والسامرة” (المصطلح التوراتي الذي يستخدمه الاحتلال للإشارة إلى الضفة).

وبررت العريضة هذا المطلب بالهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، معتبرة أن فكرة إقامة دولة فلسطينية تشكل “تهديدا وجوديا” لإسرائيل، ودعت إلى “استكمال المهمة” ومنع “تكرار المذابح” في قلب البلاد.

تحول سياسي

ويعكس هذا الطلب تحولا سياسيا نحو حسم مسألة الضفة الغربية، مستفيدا من الدعم التقليدي للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لطالما شجع خطوات ضم جزئي أو اعترافا بالسيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة، ويثير التوقيت تساؤلات بشأن قدرة نتنياهو على تمرير مثل هذا القرار في ظل انقسام داخلي وصعوبات أمنية واقتصادية، فضلا عن الضغط الدولي.

ويرى بعض المحللين أن المطالبة قد تكون موجهة نحو ضم جزئي يركز على الكتل الاستيطانية الكبرى ومناطق (ج)، في محاولة لإيجاد حل وسط يحفظ الأغلبية اليهودية ويحافظ على السيطرة الأمنية.

في المقابل، يشكك آخرون في قدرة الحكومة على إقرار مثل هذه الخطوة في المدى القريب دون إثارة ردود فعل دولية حادة، خاصة في ظل جهود التطبيع مع دول عربية عبر توسيع اتفاقات أبراهام.

أما بشأن موقف ترامب فإن التقديرات الإسرائيلية منقسمة بين من يرى أنه قد يدعم خطوة الضم لتعزيز مكانته لدى القاعدة الإنجيلية واليمين الأميركي الداعم لإسرائيل، خاصة في موسم انتخابي، وبين من يحذر من أنه قد يفضل تجميد أو ترحيل هذا الملف مؤقتا خشية إرباك مسار التطبيع الذي يحاول دفعه مع الدول العربية.

وفي كل الأحوال تعكس هذه الدعوة الرسمية محاولة لفرض جدول أعمال جديد يحول النقاش من وقف إطلاق النار في غزة أو التهدئة إلى مسألة حسم السيادة الإسرائيلية في الضفة، بما يضع تحديا إستراتيجيا أمام نتنياهو وشركائه في الائتلاف الحاكم.

وتقول حركة “السلام الآن” الإسرائيلية “منذ سنوات، ظل الضم -سواء الكامل أو الجزئي- مطلبا مطروحا في اليمين، لكنه بقي موضع تجاذب بين أجنحة الليكود وتحالفات اليمين المختلفة، الجديد هنا هو مطالبة رسمية جماعية من وزراء الحزب نفسه، مما يعكس تزايد الضغوط من القاعدة اليمينية على نتنياهو”.

وأوضحت الحركة في بيان لها أن الطلب يأتي في مرحلة حساسة من زوايا عدة، إذ يواجه نتنياهو تحديات ائتلافية وصراعات داخل الليكود، ويعتمد على الجناح الأكثر تطرفا في الحزب لضمان استقرار حكومته، مشيرة إلى أن الدفع بالضم قد يكون وسيلة لاحتواء التمردات الداخلية وإعادة توحيد صفوف اليمين حوله.

دعم أميركي

وبخصوص توقيت هذا الطلب قبل نهاية الدورة الصيفية للكنيست، ترى الحركة أن الهدف هو انتزاع التزام فوري لتفادي المماطلة أو تضييع الفرصة السياسية مع الإدارة الأميركية الحالية، وذلك إدراكا أن الموقف الأميركي هو مفتاح الشرعية الدولية لمثل هذه الخطوة، وأن إدارة ترامب بدت أكثر ميلا للتساهل مع خطوات إسرائيلية أحادية الجانب.

ورغم الطابع العلني للطلب فإن إيتمار آيخنر مراسل الشؤون السياسية في صحيفة يديعوت أحرونوت يعتقد أنه من المرجح أن المقصود العملي هو “ضم جزئي” بالحد الأدنى، خصوصا للكتل الاستيطانية الكبرى، ومناطق (ج) حسب اتفاق أوسلو التي تقع تحت السيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية أصلا.

وأوضح آيخنر أن هذا السيناريو قُدّم سابقا ضمن خطة ترامب التي تُعرف بـ”صفقة القرن”، مما يجعل من السهل تبريره سياسيا أمام الإدارة الأميركية.

لكن، على الرغم من الحماسة التي يبديها وزراء الليكود فإن آيخنر يرى أن هذه الخطوة تواجه تحديات عدة قد تحول دون تطبيقها على أرض الواقع.

ولفت إلى إدارة ترامب كانت قد ألمحت إلى دعم الضم في إطار “صفقة القرن” لكن بشرط التنسيق الكامل، ومع توقع ضمانات لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح لاحقا.

ويوضح آيخنر أن واشنطن كانت قلقة ولا زالت من أن الضم الفوري قد يعرقل جهودها لتوسيع اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية جديدة.

وإجابة على سؤال عما إذا كانت هناك فرص لتنفيذ طلب وزراء الليكود؟ يقول آيخنر “عمليا، من الصعب رؤية حكومة إسرائيلية تمرر ضما كاملا للضفة خلال أسابيع قليلة في ظل الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية، ومع ذلك ضم جزئي -خصوصا للكتل الاستيطانية- قد يُطرح كحل وسط، خاصة إذا قُدّم باعتباره تنفيذا محدودا لا ينسف كليا فرص التفاوض”.

خيار حاسم

من جهته، ربط أبراهام بلوخ مراسل الشؤون القانونية والحزبية في صحيفة معاريف بين مطالب وزراء الليكود وصفقة تبادل الأسرى التي تقترب، معتبرا أن ضم المنطقة (ج) في الضفة الغربية يُطرح كبديل إستراتيجي لوقف الحرب في غزة حتى دون تحقيق “هزيمة كاملة” لحماس.

وأوضح أن وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش -اللذين يملكان 13 مقعدا في الائتلاف الحاكم- يطالبان بنصر عسكري كامل، لكن في المقابل يُعرض عليهما خيار سياسي مغر هو فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة بدعم أميركي.

وبرأيه، فإن إدارة ترامب قد تدعم مثل هذا الضم الجزئي، خاصة لمواجهة التحركات الفلسطينية في الأمم المتحدة والمحاكم الدولية، وأن بن غفير وسموتريتش قد يعتبران الضم إنجازا تاريخيا، خاصة إذا شمل مناطق رمزية مثل قبر يوسف والحرم الإبراهيمي.

لكن بلوخ حذر من أن ربط الضم بخطة لإقامة دولة فلسطينية سيثير رفضا واسعا داخل الحكومة، بما في ذلك في صفوف الليكود، وخلص إلى أن إسرائيل قد تواجه قريبا خيارا حاسما، وهو وقف الحرب مقابل ضم الضفة، أو استمرار القتال دون أفق سياسي واضح.

شاركها.