طهران- بعد نحو شهر من وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وقبل 80 يوما من “يوم النهاية” في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، التقى علي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، أمس الأحد، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وناقش معه “تقييم طهران للتصعيد الخطير في الشرق الأوسط” وعددا آخر من الملفات الملتهبة وعلى رأسها النووي الإيراني.

وبينما أوضح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي أن الرئيس مسعود بزشكيان أوفد لاريجاني ممثلا خاصا له لنقل رسالة إلى الرئيس الروسي عن رؤية الجمهورية الإسلامية حيال التطورات الإقليمية والدولية، رأت الأوساط السياسية في طهران في الزيارة حلقة مفصلية في صراع داخلي وإقليمي متشابك الأوراق.

وبينما يدفع التيار المحافظ نحو تعزيز التحالف بين طهران وموسكو لمواجهة الأحادية الأميركية، تتحدث الأوساط الإصلاحية عن استياء وطني حيال غياب الدعم الروسي لبلادهم إبان الحرب الإسرائيلية التي استمرت 12 يوما.

ويرى طيف آخر أن شراكة الجانبين على الصعيدين الإقليمي والدولي أكبر من أن تحصر في إطار ضيق كالضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران على مدى 12 يوما فقط.

شريحة من الإيرانيين تعتقد أن زيارة لاريجاني لموسكو تمثل نقلة نوعية في المشهد الجيوسياسي (وكالات)

توقيت الزيارة

تأتي زيارة لاريجاني لروسيا بعد 4 أسابيع فقط من زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي لموسكو، مما يؤكد أن طهران تستخدم “قنوات متعددة” للتشاور والتنسيق مع حليفها الإستراتيجي، كما تزامنت وعشية انطلاق مناورات بحرية إيرانية روسية مشتركة في بحر قزوين تحت شعار “معا من أجل بحر آمن” كرسالة ضمنية للغرب.

في السياق، يعتقد صادق إمامي رئيس الهيئة التحريرية بصحيفة “فرهيختكان” المحافظة أن زيارة لاريجاني لموسكو قبيل جولة مفاوضات بين العواصم الأوروبية وطهران في إسطنبول تدل على توجه إيران لتثبيت المكاسب الميدانية في مرحلة ما بعد الحرب.

وأضاف أن طهران ترغب بتحقيق ذلك عبر القنوات الدبلوماسية وإدارة الضغوط الغربية، بالتنسيق مع حلفائها، لإحباط المساعي الرامية إلى إيجاد إجماع دولي ضد الجمهورية الإسلامية.

وفي افتتاحية الصحيفة تحت عنوان “لقاء خاص في موسكو”، يشير إمامي إلى أنه نظرا إلى الزيارات المكوكية الأخيرة لوزير الخارجية عباس عراقجي إلى كل من روسيا والصين ومباحثاته مع الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا)، فإن زيارة لاريجاني -بالنظر إلى مكانة الموفد الإيراني الخاص- تعبر عن مكانة موسكو في السياسة الخارجية لطهران، وأن روسيا تقدر أهمية هذه العلاقات.

أحداث السويداء

مهمة لاريجاني المتمثلة في نقل رسالة من القيادة الإيرانية إلى الحليف الروسي لم تكن الأولى من نوعها، إذ سبق أن حمّله المرشد الأعلى علي خامنئي رسالة مماثلة إلى الحليف السوري السابق بشار الأسد قبيل سقوط نظامه، وأخرى إلى القيادة اللبنانية إبان العدوان الإسرائيلي الأخير على حزب الله، مما أثار تساؤلات عن فحوى الرسالة التي حملها لاريجاني في جعبته إلی روسيا.

وبعد تعاون إيراني روسي استمر أكثر من عقد على الأراضي السورية، يعتقد الكاتب السياسي مهدي بازركان أن التطورات الأخيرة في السويداء السورية، والهجمات الإسرائيلية اللاحقة على بلاد الشام، وضعت الشرق الأوسط في حالة هشة.

وفي تحليل نشره في صحيفة شرق الإصلاحية، كتب بازركان أنه من المحتمل أن لاريجاني وبوتين ناقشا في هذا اللقاء تصاعد التوترات الإقليمية، ومنها الهجمات الإسرائيلية على سوريا واستخدام حجة دعم الطائفة الدرزية وهو ما أثار مخاوف بشأن أهدافها الجيوسياسية.

وتابع الكاتب أن هذه الهجمات تظهر تعقيدات إقليمية جديدة قد تدل على تحول إستراتيجية إسرائيل نحو صراعات عدوانية هادفة، قد تؤدي إلى صدام جديد مع طهران، مضيفا أن هذا التقدير يجعل المفاوضات الإيرانية مع القوى الإقليمية والدولية أكثر ضرورة.

لاريجاني تولى سابقا منصب رئيس البرلمان الإيراني بين عامي 2008 و2020 (الجزيرة)

نقلة شطرنج

تعتقد شريحة من الإيرانيين أن زيارة لاريجاني لموسكو تمثل نقلة نوعية في المشهد الجيوسياسي، فلا يمكن تناولها كونها مجرد لقاء روتيني، بل حركة مدروسة في “رقعة الشطرنج الدولية”.

ويرون أن ملفات متشابكة تتقاطع فيها، من ملف طهران النووي ثم العدوان الإسرائيلي الأميركي على إيران، إلى جانب العدوان المتواصل على غزة، مما يجعل الزيارة “محاولة إيرانية لتحويل الأزمات إلى أوراق ضغط إستراتيجية”.

وتحت عنوان “خطوة لاريجاني في شطرنج الإستراتيجيات الحربية”، كتب غلام رضا صادقيان -رئيس تحرير صحيفة “جوان” المقربة من الحرس الثوري– أن مضمون لقاء لاريجاني وبوتين “سياسي في الغالب”، ولا ينبغي اختزاله إلى طلبات عسكرية إيرانية.

ودلل على ذلك أنه “من غير المرجح أن يكون لدى إيران طلب عسكري محدد من الروس يختلف عن إجراءات السنوات السابقة، كما أن مثل هذه التبادلات لا تحتاج إلى رجل سياسي ويتولاها القادة العسكريون”، حسب قوله.

وتابع أن لدى طهران مواقف إستراتيجية واضحة وغير قابلة للتغيير بشأن قضايا العالم وأميركا وفلسطين واستقلالها، لكن بعض التنسيقات ربما دفعت لاريجاني إلى هذه الزيارة الضرورية، مؤكدا أن بلاده تمثل قطعة شطرنج حاسمة في كسر الهيمنة الأميركية، وأنها تستثمر هذه الزيارة لتعزيز تحالفها مع موسكو في مواجهة الهيمنة الغربية.

وختم الكاتب أنه يعتقد أن “الصينيين والروس يجب أن يدفعوا ثمن كسر هيمنة أميركا في العالم وبالسعر الحقيقي لإيران، وإذا لم يكن هذا أحد أسباب زيارة لاريجاني لموسكو فيجب تذكير الروس به في موقف مستعجل آخر”، مؤكدا أن “سقوط هيمنة أميركا لا يأتي بسهولة للصين وروسيا، ولذلك يجب أن يكون ثمنه واضحا وقابلا للقياس”.

عودة للسياسة

من ناحية أخرى، أعادت زيارة لاريجاني لموسكو تسليط الضوء من جديد على قدرة السياسي المخضرم الذي رفض مجلس صيانة الدستور أهليته للترشح للرئاسيات الإيرانية عدة مرات، لكنه تمكن من تحويل حرب الـ12 يومًا إلى منصة لإعادة تعريف موقعه في السلطة الإيرانية.

في غضون ذلك، اعتبرت الصحفية وحيدة كريمي أن زيارة لاريجاني المفاجئة للكرملين كشفت عن وزنه السياسي بعد أن برهن عن مقدرته إبان الحرب الأخيرة على أن يكون “رجل اللحظات المصيرية” فكان في الصفوف الأمامية.

وتابعت في مقالها بصحيفة شرق الإصلاحية أن استضافة بوتين تبدو إشارة واضحة بأن “لاريجاني ما زال جزءًا من الخريطة السياسية الإيرانية”، مضيفة أن “الزيارة تؤكد أن عودة لاريجاني إلى دهاليز السلطة ليست محصورة بالحسابات الداخلية، بل تُحْكَمُ بموازين القوى الإقليمية والدولية، وأنه لاعبٌ ما زال قادرا على الحركة فوق رقعة تغلي بالأزمات”.

شاركها.
Exit mobile version