موسكو- تتجه أنظار العالم غدا الجمعة إلى حدث دبلوماسي يوصف في الأوساط السياسية الروسية بأنه الأكثر أهمية منذ سنوات على خط الأزمة المشتعلة بين موسكو وكييف، إذ يستعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب لعقد محادثات ثنائية مباشرة في ولاية ألاسكا الأميركية يوم الجمعة المقبل.

هذا التطور جاء بعد أن أكد يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي ما كان ترامب قد أعلنه قبل أيام عن القمة المرتقبة، مشيرا إلى أن أجندة المباحثات ستركز بشكل أساسي على بحث جميع الخيارات المطروحة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة وطويلة الأمد للحرب الروسية الأوكرانية تنهي حالة النزاع المسلح وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة، وربما إعادة صياغة التوازنات في أوروبا الشرقية.

وبخلاف التقارير الإعلامية السابقة التي رجحت انعقاد اللقاء في إحدى العواصم الأوروبية المحايدة تم الاتفاق على أن يكون في ولاية ألاسكا، الإقليم الذي كان خاضعا للسيادة الروسية حتى بيعه للولايات المتحدة عام 1867.

وتاريخيا، لم تشهد ألاسكا سوى حدث دبلوماسي رفيع واحد خلال العقود الماضية، وهو اللقاء الأميركي الصيني الرفيع في مارس/آذار 2021 في عهد الرئيس السابق جو بايدن، مما يمنح القمة المرتقبة رمزية خاصة من الناحيتين السياسية والتاريخية.

زيارة استثنائية

وإذا تم اللقاء كما هو مخطط له فستكون هذه أول زيارة للرئيس بوتين إلى الأراضي الأميركية منذ عام 2007، باستثناء زياراته للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

ويأتي هذا التطور بعد زيارة ستيف ويتكوف المبعوث الخاص لترامب إلى موسكو في الأيام الماضية، حيث حمل رسالة مباشرة من ترامب للرئيس الروسي.

واللافت أن خطاب ترامب تجاه الكرملين شهد تحولا ملحوظا في الآونة الأخيرة، إذ وصف عمليات القصف الروسي للمدن الأوكرانية بأنها “مقززة وغير مبررة”، مما فهم على أنه ضغط علني على موسكو للقبول بخطوط تسوية جديدة.

وكان ويتكوف قد ألمح إلى إمكانية عقد اجتماع ثلاثي يضم بوتين وترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لكن الرد الروسي جاء متحفظا، مما يعكس تفضيل الكرملين التركيز على قمة ثنائية مع واشنطن أولا قبل إشراك الأطراف الأخرى.

معرض بالهواء الطلق في كييف للمسيّرات الروسية التي دمرها الجيش الأوكراني (الأوروبية)

ملامح اتفاق غير معلن

بدوره، يرى الخبير في النزاعات الدولية فيودور كوزمين في حديث للجزيرة نت أن مجرد الإعلان عن القمة مؤشر على أن الطرفين توصلا مبدئيا إلى تفاهمات أساسية، أو على الأقل وضع خطوط عريضة لاتفاق محتمل.

ويضيف كوزمين أن عدم فرض عقوبات جديدة على موسكو عقب زيارة ويتكوف والاكتفاء بالإعلان عن لقاء القمة يعكسان رغبة واشنطن في اختبار إمكانية التوصل إلى صفقة سياسية، ربما تتضمن تجميد خطوط القتال الحالية، وقبول أوكرانيا بالتنازل عن بعض أراضيها، مع التراجع عن مطلب الانضمام إلى حلف الناتو، مقابل رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على روسيا.

ويتوقع كوزمين أن تسيطر موسكو بشكل كامل على مناطق خيرسون وزاباروجيا وجمهورية دونيتسك الشعبية، في حين تحتفظ كييف بمناطق سومي وخاركيف ودنيبروبيتروفسك، مع ضرورة حسم مسألة الاعتراف بشرعية زيلينسكي كقائد قادر على ضمان تنفيذ أي اتفاقات يتم التوصل إليها.

كما يلفت إلى أن اختيار ألاسكا مكانا للقمة يحمل بعدا رمزيا عميقا، فهي أرض كانت روسية حتى النصف الثاني من القرن الـ19، وشكلت خلال الحرب العالمية الثانية جسرا جويا بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، حيث تم تزويد موسكو بالطائرات الحربية عبرها.

قضايا تمتد لما وراء أوكرانيا

من جانبه، يرى مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كوركودينوف أن القمة المرتقبة لن تكون محصورة في بحث الملف الأوكراني فحسب، بل ستتطرق إلى ملفات إستراتيجية أخرى، مثل الوضع في الشرق الأوسط، ومستقبل الأزمة السورية، والتوترات مع إيران، وقضية منع انتشار الأسلحة النووية، إلى جانب التعاون في مجال الفضاء.

ويشير كوركودينوف في حديث للجزيرة نت إلى أن أي وقف لإطلاق النار سيكون مجرد خطوة أولى نحو سلام شامل، لكنه لن يكون كافيا لحل جذور النزاع ما لم ترافقه معالجة مسائل أوسع، مثل توسع الناتو شرقا والسياسات العدائية الأوروبية تجاه روسيا.

كما يعتقد أن استبعاد زيلينسكي من القمة قد يثير قلقا واسعا في كييف وعواصم أوروبية خشية إبرام صفقة على حساب المصالح الأوكرانية.

ويضيف أن اختيار ألاسكا أيضا له مزايا لوجستية واضحة، إذ لن تحتاج روسيا لعبور أجواء دول أوروبية فرضت قيودا صارمة على رحلاتها منذ فبراير/شباط 2022، فضلا عن أن المكان يرسل رسالة ضمنية بعدم إشراك الحلفاء الأوروبيين مباشرة في المفاوضات الكبرى بين موسكو وواشنطن.

شاركها.