|

كتب المؤرخ الأميركي جوليان إي. زيليزر أن الكونغرس أقر أحد أشد التخفيضات قسوة على برامج شبكات الأمان الاجتماعي في التاريخ الأميركي الحديث، وتساءل: هل سيواجه الحزب الجمهوري عواقب سياسية وخيمة لما فعله بالشعب الأميركي؟

وأوضح أستاذ التاريخ -في عموده بمجلة فورين بوليسي- أن الرئيس دونالد ترامب وقع بفخر على مشروع القانون ليصبح قانونا نافذا يجمع المعارضون على أنه مدمر للغاية، فبموجبه سيفقد أكثر من 11 مليون أميركي تغطية الرعاية الصحية، وستضطر العديد من المستشفيات الريفية إلى إغلاق أبوابها، ويفقد الملايين إمكانية الحصول على قسائم الطعام، وستتقلص الخدمات التعليمية للأطفال ذوي الدخل المحدود وذوي الإعاقة.

ولأن المنطق السياسي يملي على الجمهوريين دفع ثمن باهظ لهذا القانون، يتساءل الكاتب هل ستحدث تداعيات له بحلول عام 2026؟ وهل سيواجه الحزب الجمهوري عواقب انتخابية أم سينجو منها مرة أخرى؟ مذكرا بأن الغضب، في عصر الاستقطاب المفرط وتشرذم وسائل الإعلام، تكون مدة صلاحيته أقصر وتتشتت فترات التركيز، ويصعب تحقيق المساءلة.

ترامب يتحدث في حفل توقيع قانون جديد في البيت الأبيض (أسوشيتد برس)

وذكر الكاتب أن آخر مرة دفع فيها حزب سياسي ثمن تشريع كانت في عام 1989، عندما اضطر الكونغرس الديمقراطي إلى إلغاء ميزة رعاية صحية جديدة رئيسية، إضافة إلى الضرائب التي أدرجت لتغطية تكلفتها، وتساءل كيف حدث هذا؟ ولماذا لا يحدث هذا التراجع الآن؟

قصة فشل تشريع مفيد

واستعرض الكاتب قصة التشريع الذي أوحاه قلق خبراء الرعاية الصحية بشأن التكاليف التي كان يواجهها كبار السن الأميركيون نتيجة للحالات الطبية الكارثية، مثل السكتات الدماغية وإصابات النخاع الشوكي والنوبات القلبية، التي لم يكن برنامج الرعاية الصحية “ميديكير”، الذي أنشئ عام 1965، يغطي معظمها.

وقد قرر الكونغرس الديمقراطي عام 1988، بالتعاون مع الرئيس الجمهوري رونالد ريغان، اتخاذ إجراء حيال هذه المشكلة، وحشد الديمقراطيون جهودهم لإقرار قانون التغطية الكارثية لبرنامج الرعاية الطبية، وأقر الكونغرس مشروع القانون التاريخي بأغلبية كبيرة ودعم كبير من الحزبين.

وصرح ريغان عند توقيعه على مشروع القانون بأن “هذا التشريع سيساعد في إزالة خطر داهم يهدد حياة كبار السن وذوي الإعاقة الأميركيين، وهو خطر الإصابة بمرض يتطلب رعاية طبية عاجلة، ومرض مدمر لدرجة أنه قد يستنزف مدخرات حياة كاملة”، وأوضح الرئيس أن “تكاليفه ستدفع من قبل المشمولين بخدماته”، وبدا هذا الإجراء تاريخيا ومفيدا سياسيا.

نشأ بعض الإحباط من تصميم مشروع القانون، ولكن البند الذي أثار أكبر قدر من الجدل كان زيادة الضرائب، إذ نشر المعارضون معلومات كاذبة -حسب الكاتب- مفادها أن كل مواطن مسن سيضطر لدفع ضريبة إضافية قدرها 800 دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة للأميركيين من الطبقة العاملة والمتوسطة.

ومع بدء تداول أخبار استطلاعات الرأي، لم يبد قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس أي رد فعل يذكر، وافترضوا أن المشاعر ستهدأ، كما يحدث غالبا، وأن كبار السن سيدركون بعقلانية الفوائد الهائلة التي سيحصلون عليها وسيكتسبون فهما واقعيا للالتزامات الضريبية.

ولكن عندما أفاد مكتب الميزانية بالكونغرس أن التكاليف ستكون أعلى بكثير مما توقعه المشرعون في الأصل، تزايد القلق العام بشأن التكاليف، وقدم النائب الجمهوري آل ماكاندلز في السادس من فبراير/شباط 1989، مشروع قانون لإلغاء الإجراء بأكمله، وواجه الديمقراطيون في الكونغرس معظم ردود الفعل السلبية، رغم أن ريغان هو من وقع على مشروع القانون.

الديمقراطيون يواجهون تحديا

وفي الرابع من أكتوبر/تشرين الأول، صوت مجلس النواب على إلغاء قانون التغطية الكارثية للرعاية الطبية بأغلبية 360 صوتا مقابل 66 صوتا، وصوت مجلس الشيوخ على إلغاء الضريبة الإضافية والعديد من المزايا مع الحفاظ على تغطية المستشفيات غير المحدودة، وكانت نتيجة التصويت 99 صوتا مقابل 0، ووقع الرئيس جورج بوش الأب على إلغاء القانون ليصبح قانونا نافذا في ديسمبر/كانون الأول.

ولكن أستاذ التاريخ نبه إلى أن الجمهوريين، بالنظر إلى وضع السياسة المعاصر، قد لا يواجهون مصير الديمقراطيين نفسه عام 1989، رغم أن التشريع سيكون له تأثير أكبر بكثير على رفاهية الناخبين دون تقديم أي فائدة في المقابل.

الديمقراطيون سيشاهدون عاجزين الحزب الجمهوري وهو يفكك البرامج التي بنوها، منتظرا أن يدفع خصومه الثمن ما لم يجدوا إستراتيجية لاختراق البيئة السياسية الحالية

وأوضح الكاتب أن الديمقراطيين يواجهون تحديا إعلاميا كبيرا، لأن الوتيرة السريعة للأخبار تجعل الظروف في عام 2025 مختلفة تماما عما كانت عليه في أواخر الثمانينيات، حيث تضاءلت قدرة أي قضية، مهما كانت دراماتيكية، على الاحتفاظ بمساحة إخبارية وطنية لفترة طويلة.

وقد أرجأ الكونغرس معظم تخفيضات برنامج الرعاية الطبية إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، وبافتراض الانضباط الحزبي ونسيان وسائل الإعلام، قد يتجاوز حزب ترامب هذه العاصفة لهذا السبب وغيره.

وإلى أن يجد الديمقراطيون إستراتيجية لاختراق هذه البيئة السياسية من خلال التعبئة الفعالة للناخبين والتواصل العام، سيشاهدون عاجزين، الحزب الجمهوري وهو يفكك البرامج التي بنوها، منتظرا أن يدفع خصومه الثمن.

شاركها.
Exit mobile version