مراسلو الجزيرة نت
12/8/2025–|آخر تحديث: 18:20 (توقيت مكة)
درعا- في غرفة صغيرة داخل صف مدرسي بمحافظة درعا السورية، تستقر مريم الحسن مع زوجها وزوجاته الثلاث وأطفالهم العشرة، حيث لا خصوصية، ولا تهوية، ولا مكان مناسب للنوم.
“نعيش في ظروف صعبة، كل عائلة تقيم في صف واحد، طُلب منا فقط أن ننتظر حتى بداية المدارس، لكن بعد ذلك لا أحد يعرف إلى أين سنذهب أو ما هو مصيرنا”، بهذه الكلمات الحزينة تروي مريم حالهم في مأوى مؤقت داخل إحدى مدارس بلدة الكرك الشرقي بريف درعا.
مصير مجهول
مريم وأفراد عائلتها ليسوا وحدهم؛ فهم من بين آلاف النازحين الذين فروا من محافظة السويداء إلى درعا بعد اشتباكات عنيفة بين فصائل محلية وقوات الحكومة السورية، خلفت قتلى وأسرى، وأجبرت العشرات من العشائر البدوية على ترك منازلهم هربا من موجة الانتهاكات التي استهدفت النساء والأطفال، حسب شهادات وتقارير محلية.
عندما وصلوا إلى درعا، استقبلتهم المحافظة بأذرع مفتوحة، لكن الواقع كان قاسيا، حيث جُهزت عشرات المدارس كمراكز إيواء مؤقتة لنحو 6 آلاف عائلة نازحة، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، وجرى توزيعهم على عدة بلدات.
لكن مع اقتراب العام الدراسي يزداد القلق إذ ستُعاد هذه المدارس لاستقبال الطلاب، وستُترك العائلات المشردة بلا مأوى بديل.
جاء ذلك عقب انسحاب الجيش السوري من المنطقة بعد التصعيد الإسرائيلي واستهداف طائراته وسط العاصمة دمشق.
“قافلة العودة”.. عشرات النازحين السوريين يعودون من مخيمات الشمال السوري إلى محافظة حماة بعد سنوات من النزوح القسري pic.twitter.com/ZXvLwx1FVT
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) April 17, 2025
مخاوف منتظرة
لكن مع بقاء أقل من شهر على انطلاق العام الدراسي الجديد، تتصاعد المخاوف، إذ ستُعاد هذه المدارس لاستقبال الطلاب، ما يعني أن مئات العائلات ستجد نفسها بلا مأوى بديل.
من جانبه، أكد مدير مديرية التربية في محافظة درعا محمد الكفري بأن نحو 70 مدرسة في المحافظة تُستخدم حاليا كمراكز إيواء، محذرا في حديثه للجزيرة نت من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى إرباك العملية التعليمية، خاصة في ظل توقف ما يقارب 100 مدرسة عن الخدمة سابقا بسبب القصف.
لافتا إلى أن مديرية التربية تنسق مباشرة مع محافظة درعا والمنظمات المحلية والدولية لوضع خطة لإخلاء هذه المدارس خلال الأيام المقبلة تزامنا مع اقتراب العام الدراسي.
واقع مرير
علاء الهويدي، في الأربعين من عمره، هو مثال آخر على هذا الواقع المرير، إذ يعيش مع زوجته وأطفاله الثلاثة، في حديقة إحدى المدارس في بلدة “ناحتة” بعدما لم يجد مكانا له في المراكز المخصصة، وعن ذلك يقول “لا يوجد سقف يحمينا من حرارة الشمس أو مخاطر الليل، نعيش على مساعدة الأهالي، لكن الخوف من الثعابين والعقارب يرافقنا كل مساء”.
وأضاف أن الوضع الإنساني يتدهور بسرعة، فالمساعدات الإنسانية رغم وصولها بشكل محدود إلا أنها لا تغطي سوى أبسط الاحتياجات مثل الخبز وبعض المواد الغذائية، وسط غياب الغاز والوقود، ما يدفع البعض لاستخدام الحطب للطبخ.
ولفت الهويدي إلى الخطر الذي يهدد الصحة وسط انتشار الحشرات والأمراض الجلدية والتنفسية، خصوصا بين الأطفال.
أما محمود مسالمة، المسؤول في مؤسسة “عيون درعا” التطوعية، فيؤكد أن مراكز الإيواء بحاجة ماسة إلى مواد التنظيف والمبيدات، محذرا من أن الوضع الحالي مهيأ لانتشار أوبئة قد تفتك بأكثر الفئات ضعفا.
ومع اقتراب موعد بدء المدارس، يظل مصير آلاف النازحين مجهولا، إذ لا توجد خطط واضحة لإعادة توطينهم أو توفير البدائل رغم التنسيق بين مديرية التربية والمنظمات المحلية والدولية، فيما يثمن النازحون حسن استقبال أهالي درعا، لكن القلق يملأ قلوبهم من غد لا يعرفون فيه أين سيجدون مأواهم.
لتعكس قصة مريم وعلاء وغيرهما من قصص النازحين في درعا وجعا إنسانيا عميقا في ظل غياب الحلول الجذرية، حيث ينتظرون بصبر مؤلم أن يحمل الغد لهم بصيص أمل جديدا، وأمانا مفقودا حتى الآن، ليبقى القلق من المستقبل سيد الموقف في ظل غياب أي حلول جذرية أو استجابة فعالة من الجهات المعنية.