تونس – منذ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد التدابير الاستثنائية في يوليو/تموز 2021، تزايد عدد سجناء الرأي والسياسة تزايدا ملحوظا وسط تصاعد معاناة أسرهم التي تواجه تحديات إنسانية كبيرة في سبيل لقاء أحبائهم خلف القضبان.

ويقبع في سجون تونس عشرات الموقوفين من سياسيين وصحفيين وحقوقيين، في وقت تعاني فيه عائلاتهم مشقة الزيارات التي تستغرق ساعات انتظار مقابل دقائق معدودة للقاء.

يعد الصحفي مراد الزغيدي، المعتقل منذ أكثر من عام، واحدا من أبرز هؤلاء. فقد وجهت له تهم تبييض الأموال، وهي التهمة نفسها التي يواجهها الإعلامي برهان بسيس. وكان إيقافهما قد بدأ بسبب تدوينات وتصريحات إعلامية، قبل أن تضاف إليها تهم تبييض أموال التي نفاها محاموهما.

أما الصحفية الشابة شذى الحاج مبارك التي تقبع في السجن منذ يوليو/تموز 2023، فهي واحدة من سجينات الرأي اللاتي لاقين تعاطفا واسعا بسبب وضعها الصحي والاجتماعي.

شقيق شذى مبارك يتحدث عن مشقة زيارة أخته في السجن بشكل أسبوعي (الجزيرة)

قضية أنستالينغو

في هذا السياق، قال شقيق شذى أمن الحاج مبارك للجزيرة نت إن أخته تحاكم بالسجن خمس سنوات فيما تعرف بقضية “أنستالينغو”، التي تصنفها السلطات قضية تآمر على أمن الدولة.

وأضاف أن وضعها الصحي تدهور مؤخرا نتيجة الظروف السجنية، مما استدعى نقلها للمستشفى بعد مضاعفات صحية حادة، مؤكدا أن حالتها أثرت على والدتها التي لم تعد قادرة على زيارتها باستمرار كما هو الحال مع والدها.

وطالب أمن الحاج بتمكين العائلة من زيارات مباشرة، متحدثا عن مشقة رحلته الأسبوعية كل خميس من مسقط رأس الأسرة في قليبية شمالي شرقي تونس إلى سجن “بلي” بمحافظة نابل شمالي شرقي البلاد.

واستذكر في الوقت ذاته الصعوبات التي واجهتها العائلة خلال فترة احتجاز شذى في سجن “المسعدين” بالساحل التونسي قبل نقلها مؤخرا إلى السجن الحالي.

وأكد شقيق شذى تأزم حالتها النفسية بعد تأجيل جلسة محاكمتها، مشيرا إلى أنها تعرضت لنوبة بكاء خلال آخر زيارة، وهددت بالدخول في إضراب عن الطعام بعد حرمانها من وثائق وكراسة كانت تكتب فيها رواية جديدة.

ونقلت شذى عبر شقيقها رغبتها في إيصال صوتها، مطالبة بأن تعامل كبقية المساجين، رغم أنها لم تنف في الوقت نفسه أن معاملة إدارة السجن الحالي كانت “جيدة نسبيا”.

صائب صواب
صائب صواب: زيارة والدي تقوم على الابتزاز والمضايقة وعدم احترام خصوصية اللقاءات (الجزيرة)

انتظار لساعات

في سياق متصل، يعد المحامي المعارض والقاضي السابق أحمد صواب من أبرز سجناء الرأي في تونس، إذ اعتقل قبل 4 أشهر ووجهت له تهم “الإرهاب”.

وقال نجله صائب صواب للجزيرة نت إن سياسة التعامل مع سجناء الرأي، وخاصة والده، تقوم على الابتزاز والمضايقة وعدم احترام خصوصية اللقاءات خلال الزيارات التي لا تتجاوز مدتها ربع ساعة رغم الانتظار لساعات.

وأشار إلى صعوبة إدخال الملابس لدرجة أنه ينتظر منذ شهر الموافقة على إدخال حذاء رياضي ونظارات طبية خاصة بوالده، وعلق على مشقة الزيارة وطول الانتظار وتكرار التفتيش عبر أكثر من حاجز بأن تلك الإجراءات مرهقة جدا، كما لفت إلى ارتفاع تكلفة الزيارة على العائلة.

وأضاف صائب أن معاملة والده داخل السجن “لائقة نسبيا”، لكنه أشار إلى أن محاكمته عقاب سياسي غير عادل، معتبرا أن والده يدفع ثمن مواقفه المعارضة لتدابير 25 يوليو/تموز 2021.

وعلق منجي صواب، شقيق أحمد وتوأمه، قبل يوم من موعد الزيارة الأسبوعية على مشقة الزيارة، مؤكدا أن العائلة لم تعتد الشكوى رغم الظروف الصعبة، واعتبر أن مواقف شقيقه من مجريات “قضية التآمر” هي السبب المباشر لاحتجازه.

وأوضح منجي أن “كلمة الحق” التي قالها أحمد بشأن المشاكل القضائية والملفات المغلوطة كانت سبب محاكمته.

مختار الجماعي المحامي صورة خاصة
المحامي مختار الجماعي: عائلات الموقوفين تواجه صعوبات كبيرة (الجزيرة)

نقل سجناء وتأثيره

من جانبه، أكد المحامي مختار الجماعي، الذي يدافع عن عدد من المساجين السياسيين وسجناء الرأي، للجزيرة نت أن عائلات الموقوفين تواجه صعوبات كبيرة بسبب تصنيف ذويهم وما يترتب على ذلك من قيود مشددة على الزيارات.

وأضاف أن العديد من المساجين يعانون ماديا بسبب إيقاف رواتب بعضهم وحصار مصادر رزق البعض الآخر، معتبرا أن الأهالي يعيشون معاناة ذويهم نفسها خلف القضبان.

وأشار إلى أن السبب المباشر للنقل المفاجئ الأخير للسجناء السياسيين وسجناء الرأي كان بهدف التفريق والتأثير على العائلات، واختتم حديثه بالقول إن السلطة السياسية تتعمد التعامل الخاص مع هؤلاء المساجين على عكس تعاملها مع سجناء الحق العام.

وتتعرض السلطات التونسية لانتقادات مستمرة من منظمات حقوقية محلية ودولية تتهمها بسياسة قمع وتكميم للأفواه، وتلفيق التهم جزافا لمجرد التعبير عن الرأي في قضايا عامة. في المقابل، تؤيد فئات أخرى قرارات الرئيس سعيد، وتعدّها خطوات سياسية حاسمة لمحاسبة من أخطأ بحق تونس.

شاركها.