|

بينما تحترق غزة تحت نيران القصف وتتصاعد صرخات الاستغاثة من مخيمات النزوح والمستشفيات المدمرة، قررت الحكومة الإسرائيلية فتح فصل جديد من الحرب الأكثر دموية في تاريخ القطاع الفلسطيني.

ولم يعد اجتياح مدينة غزة وسط القطاع مجرد تهديد، بل أصبح أمرا واقعا بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يرى في العملية مفتاحا لحسم الصراع مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

ومن جهة أخرى، يرى مراقبون أن الخطة قد تغلق نهائيا باب الدولة الفلسطينية وتفتح أبواب حرب لا تنتهي.

وقد رسمت صحيفتا إندبندنت وتايمز البريطانيتان -كلا من زاويتها- صورة متكاملة لميدان المعركة، ودوافع إسرائيل السياسية والعسكرية، وردود الفعل الإقليمية والدولية.

انطلاق العملية

تشير إندبندنت إلى أن الجيش الإسرائيلي بدأ فعليا عمليات تطويق مدينة غزة، مع التركيز على أحياء مثل الزيتون وجباليا، ظنا منه أن حماس ما تزال تحتفظ بقدراتها التنظيمية ومخابئها تحت الأرض.

وقد أُجبر مئات المدنيين على النزوح داخل المدينة -وفق الصحيفة- بينما تحدث شهود عن قصف متواصل هز منازلهم طوال الليل.

وفي الوقت نفسه، استهدفت غارات إسرائيلية مستشفى الأهلي العربي وقتلت 7 أشخاص، مما دفع آلاف العائلات إلى الفرار من أحياء الزيتون والصبرة والرمال والتفاح.

هذا بينما واصلت كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- شن عمليات نوعية، منها كمائن من أنفاق في خان يونس انتهت بمواجهات قريبة، وتفجير أحد المقاتلين نفسه وسط وحدة إسرائيلية.

ويُعد حصار مدينة غزة المرحلة الأولى من خطة أقرها المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي للسيطرة العسكرية الكاملة على غزة، وإجبار سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون على النزوح جنوبا.

ونقلت إندبندنت صورة من داخل إسرائيل، حيث خرج مئات الآلاف في تل أبيب نهاية الأسبوع الماضي مطالبين بإنهاء الحرب والإفراج عن الأسرى. ومن المتوقع تنظيم احتجاجات جديدة خلال الأيام المقبلة.

ومن جانبها، أفادت تايمز أن نتنياهو أمر بتسريع خطة السيطرة التي كان يُعتقد أنها ستستغرق عدة أشهر، وبدأ الجيش الإسرائيلي باستدعاء 60 ألف جندي احتياط للمشاركة في العملية، مع تمديد الخدمة العسكرية لنحو 20 ألفا آخرين.

ورغم أن الجيش الإسرائيلي دمّر معظم مناطق غزة وقصفها بشدة، لكن الصحيفة تشير إلى أنه لم يفرض في السابق احتلالا كاملا على مدينة غزة التي يُعتقد أنها ما زالت تضم 20 أسيرا إسرائيليا.

مظاهرة إسرائيلية تطالب بصفقة تبادل وإطلاق سراح الأسرى (الفرنسية)

أهداف إسرائيل

ووفق تايمز، فإن إسرائيل لم تُخفِ أهدافها المعلنة، وهي القضاء على حركة حماس سياسيا وعسكريا، وتحرير الأسرى المتبقين، و”تشجيع” سكان غزة على مغادرة القطاع في ما يشير إطار خطة أوسع ترمي إلى دفع الفلسطينيين جنوبا وربما خارج القطاع.

أما إندبندنت فتضع الخطوة في إطار أشمل ضمن مشروع الاستيطان الإسرائيلي المتسارع في الضفة الغربية. فبالتوازي مع الحرب، أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش المضي في تنفيذ مشروع “إي 1”.

ويقضي مشروع الوزير الإسرائيلي ببناء أكثر من 3 آلاف وحدة استيطانية بين القدس والمستوطنات، وهو ما سيؤدي إلى فصل القدس الشرقية عن الضفة ويقضي على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية.

حصيلة الكارثة الإنسانية

تسجل إندبندنت أن أكثر من 62 ألف فلسطيني قُتلوا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينهم نسبة كبيرة من النساء والأطفال، بينما يواجه نحو 20% من أطفال غزة سوء التغذية الحاد وفق الأمم المتحدة.

وحسب التقرير، تعتمد عشرات الآلاف من العائلات على مطابخ خيرية لا تقدم سوى وجبة واحدة يوميا.

أما تايمز فتشير إلى أن الجيش الإسرائيلي يسيطر حاليا على نحو 75% من أراضي القطاع، وأن أكثر من 90% من مباني غزة السكنية والزراعية دُمِّرت أو تضررت، مما يجعلها “غير صالحة للحياة”.

وأوردت أن معظم السكان محصورون في مناطق أطلق عليها “مناطق إنسانية” لا تتعدى كونها مخيمات مكتظة بخيام وملاجئ بدائية، وسط خطر مجاعة وشيكة.

ردود الفعل الدولية

أبرزت إندبندنت تصريح للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في اليابان دعا فيه إلى وقف فوري لإطلاق النار محذرا من وقوع كارثة جراء اجتياح مدينة غزة. كما انتقد قرار إسرائيل توسيع المستوطنات.

وبدوره، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن العملية العسكرية قد تُغرق المنطقة في “حرب دائمة” مطالبا بإرسال قوة حفظ سلام دولية إلى غزة.

وذهبت بلجيكا أبعد من ذلك، فدعت إسرائيل إلى التراجع عن عمليتها العسكرية المسماة “عربات جدعون 2″ لأنها لن تجلب سوى “المزيد من الموت والدمار”.

أما صحيفة تايمز فتكشف أن الولايات المتحدة لا تزال تدعم هذه العملية “ضمنيا” في حين بدأت دول غربية طالما اعتُبرت صديقة لإسرائيل -مثل ألمانيا وأستراليا- تتخذ مواقف نقدية.

فقد أدانت ألمانيا “التصعيد” وانضمت أستراليا إلى فرنسا ودول أخرى في الاعتراف بدولة فلسطين، في إشارة إلى تزايد التململ الغربي من سياسات نتنياهو.

خلاصة القول، فإنه مع اتساع فجوة المواقف بين واشنطن التي ما تزال توفر الغطاء للعملية العسكرية الإسرائيلية، وبين أوروبا والأمم المتحدة اللتين تحذران من وقوع كارثة، يبقى مصير غزة وسكانها البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة معلقاً بين فوهات المدافع وحسابات السياسة.

شاركها.