أربيل- شهد إقليم كردستان العراق تصعيدا أمنيا كبيرا إثر سلسلة هجمات مجهولة المصدر بطائرات مسيّرة استهدفت مواقع إستراتيجية في مناطق متفرقة، لا سيما قرب أربيل، مخلفة أضرارا مادية وتعليقا للعمل في بعض المنشآت المستهدفة.

ودوى انفجار صباح أمس الثلاثاء في أحد مرافق الإنتاج بحقل سرسنك النفطي، أدى إلى تعليق العمليات فيه.

وأعلنت وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم أن الانفجار ناجم عن هجوم بطائرة مسيّرة. وأفادت شركة “إتش كيه إن إنرجي” الأميركية المشغلة للحقل -في بيان- بأن الانفجار وقع حوالي الساعة 4 صباحا بتوقيت غرينتش (7 صباحا بتوقيت بغداد)، مؤكدة تعليق العمليات في المنشأة المتضررة لحين تأمين الموقع.

كما تعرض حقل “خورمالا” النفطي في قضاء مخمور غرب محافظة أربيل، أول أمس الاثنين، لاستهداف بطائرتين مسيّرتين مجهولتي المصدر.

وذكرت قيادة العمليات المشتركة في العراق أن الهجوم لم يسفر عن خسائر بشرية، واقتصرت الأضرار على الجوانب المادية، مشيرة إلى أن التنسيق جارٍ مع القوات الأمنية والاستخبارية في إقليم كردستان للتحقق من ملابسات هذا الاعتداء.

لجان تحقيق

وأعلن جهاز مكافحة الإرهاب في الإقليم، في بيان أول أمس الاثنين، عن إسقاط طائرة مسيّرة مفخخة قرب مطار أربيل الدولي. وأوضح أن الحادث وقع في الساعة 2:20 فجرا، مؤكدا عدم وقوع أي أضرار بشرية أو مادية.

من جانبه، قال اللواء صباح النعمان، المتحدث العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة، للجزيرة نت، إنه سيتم تشكيل لجان تحقيق أمنية متخصصة للكشف عن أسباب هذه الخروقات والجهات التي تقف وراءها لضمان عدم تكرارها في المستقبل.

وأضاف أن هذه الإجراءات ستتم بشكل شفاف ولديهم تنسيق مع قوات البشمركة، بصفتها الجهة المعنية بحماية إقليم كردستان، مشددا على أن الهدف من هذه الخطوات هو توفير التطمينات اللازمة للشركات العاملة في قطاع النفط، لضمان استمرارية عملها من دون أي معوقات أمنية.

اللواء صباح النعمان: سيتم تشكيل لجان تحقيق أمنية متخصصة للكشف عن أسباب الخروقات (مواقع التواصل)

وأكد المستشار العسكري، صفاء الأعسم، أن استهداف حقول النفط ومطار أربيل يمثل ضررا كبيرا على أمن العراق واستقراره. وقال للجزيرة نت إن البلاد “تجاوزت الأزمة التي شهدتها المنطقة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى الآن بسلام، على الرغم من تصاعد المشاكل فيها”.

وأضاف “أنه من غير المعقول أن يسعى العراق الآن إلى التضرر أمنيا واقتصاديا، خاصة مع وجود استثمارات كبيرة قد تتوقف نتيجة لهذه الهجمات”.

وبخصوص الجهات المسؤولة، أكد أن “فصائل المقاومة بعيدة كليا عن هذه الأفعال، كونها الجهة الأكثر ترددا في شن مثل هذه الهجمات خوفا من ردود فعل مماثلة”.

وبشأن طلب السفارة الأميركية من بغداد معرفة الجهة المنفذة، أبدى الأعسم استغرابه، لافتا إلى أن “قوات التحالف لديها القدرة والإمكانية على السيطرة على سماء العراق، وكانت تسهم في استقرار الأمن داخل البلاد، وأن هناك اتفاقا بإنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد بحلول عام 2026”.

الأعسم طالب إقليم كردستان بالكشف عن الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات لمحاسبتها (مواقع التواصل)

موجة تصعيد

وأدانت الولايات المتحدة هذه الهجمات الأخيرة بالطائرات المسيّرة، مطالبة الحكومة العراقية بفرض سلطتها لمنع الجهات المسلحة من استهداف مواقع داخل أراضيها.

كما طالب المستشار العسكري الأعسم إقليم كردستان بضرورة الكشف عن الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات لمحاسبتها ومعاقبتها، “خاصة أن الإقليم قد أشار في أكثر من مناسبة إلى معرفته بها”.

وحذّر من أن أي تجاوز أو خلل أمني “سيضرّ العراق كليا، وسيؤدي إلى إطالة فترة بقاء قوات التحالف والسماح لقوات أجنبية بالتدخل داخل البلاد، وهو ما لا يتمناه العراق”.

من جهته، قال اللواء الركن المتقاعد عماد علو، رئيس منصة الاعتماد للدراسات العسكرية والأمنية، للجزيرة نت، إن العمليات الأخيرة ليست حوادث معزولة، بل هي جزء من نمط متكرر، مرجحا “وقوف جهات داخلية وراءها مدفوعة بمناكفات وتدافعات وتنافس سياسي”.

وتأتي هذه الاعتداءات ضمن موجة تصعيد تشهدها المحافظات الثلاث في كردستان خلال الأسابيع الأخيرة، حيث امتدت هجمات سابقة إلى مناطق متفرقة، منها قرب مقر اللواء 70 للبشمركة في السليمانية، ومدرسة في مخيم للنازحين بإدارة زاخو المستقلة، إضافة إلى استهداف مقر “التحالف الدولي” في مطار أربيل من دون التسبب في أضرار مادية.

عماد علو: دوافع داخلية مرتبطة بأجندات خارجية تسعى إلى إرباك الوضع الأمني في العراق (الجزيرة)

وأضاف علو أن هذه الدوافع الداخلية قد تكون “مرتبطة بأجندات خارجية تسعى إلى إرباك الوضع الأمني الداخلي في العراق وإحراج الحكومة، وإحداث بلبلة واضطرابات في الشارع العراقي”، خاصة باستهداف حقل “خورمال” الذي ينتج الغاز الضروري لتشغيل المحطات الكهربائية، مما يؤثر مباشرة على توفير الطاقة للمواطنين في الظروف الحارة.

وانتقد ما اعتبره عدم شفافية اللجان التحقيقية المشكَّلة من قبل قيادة العمليات المشتركة والأجهزة الأمنية للكشف عن المصدر أو من يقف وراء هذه العمليات، مؤكدا قدرة الجهد الاستخباري والأجهزة الأمنية على تحديد مصادر هذه الهجمات، وضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة للحد منها، إلى جانب “المكاشفة والشفافية وإصدار البيانات والتحدث عن نتائج عمل هذه اللجان”.

وحذر اللواء علو من أن استمرارها سينعكس سلبا على دخول الشركات الاستثمارية و”عودة العراق بشكل حضاري إلى المجتمع الدولي”، ويقوّض “غطاء الحماية الأمنية لكل مستثمر وللمنشآت الاقتصادية”.

الجهات المسؤولة

من جانبه، أكد الخبير الأمني والعسكري، اللواء المتقاعد محيي الدين محمد، أن جماعات قد تكون محسوبة على الحشد الشعبي، ولها علاقات بجهات خارجية وتأتمر بأمرها، تقف وراء هجمات الطائرات المسيّرة في إقليم كردستان، موضحا أنها تهدف إلى زعزعة الاستقرار في الإقليم وإجبار قيادته على السير في مشيئتها أو الجهات الخارجية.

وقال اللواء محمد للجزيرة نت إن هذه الهجمات تزايدت في المدة الأخيرة بالإقليم وامتدت لتشمل مناطق لم تكن مستهدفة سابقا، منها الحقول النفطية التي تعرضت لأضرار وتوقف عن الإنتاج، لافتا إلى تكرارها في حقل “خورمال” ومطار أربيل الدولي.

وميّز بين هذه الهجمات وما حدث في 3 يوليو/تموز الجاري، إذ اتهمت حكومة إقليم كردستان الحشد الشعبي بشن هجمات مماثلة، وهو ما نفته الحكومة العراقية، مشددا على ضرورة عدم الخلط بين جميع الأوراق بشكل جماعي.

وشهدت الفترة الماضية من هذا الشهر تصعيدا حادا في التوتر بين بغداد والإقليم عقب سلسلة هجمات بطائرات مسيّرة “مجهولة الهوية” استهدفت مناطق متفرقة من الإقليم، ولا سيما قرب أربيل.

وقلل اللواء محمد من تأثير هذه الهجمات على الوضع العام، مؤكدا أنها تقع في مناطق خارج المدن المكتظة بالسكان، ولم تسجل حتى الآن خسائر بشرية أو مادية بمستوى عالٍ، مشددا على أنها ليست في مصلحة العراق ولا في مصلحة الإقليم.

شاركها.
Exit mobile version