خلال أكثر من ثلاث سنوات منذ الحرب الروسية على أوكرانيا، برزت كوريا الشمالية كحليف مهم وقوي لموسكو.

ومن خلال توفير الذخيرة والأسلحة أولاً، ثم إرسال آلاف من جنودها للقتال إلى جانب الجيش الروسي ثانياً، أصبحت كوريا الشمالية ضرورية لدعم آلة الحرب الروسية.

وبحسب التقارير، تكبدت كوريا الشمالية خسائر فادحة لكنها استفادت أيضاً من تحديث جيشها، وترسيخ مكانتها بشكل أكثر ثباتاً في التحالف المناهض للغرب بقيادة الصين وروسيا.

منذ خريف عام 2024، أرسلت بيونغ يانغ ما بين 14 ألفاً و15 ألف جندي للقتال إلى جانب القوات الروسية، وفقاً لمسؤولين غربيين.

ويجمع هذا التقدير بين ما يقرب من 11 إلى 12 ألف جندي، تم نشرهم في الأصل في أكتوبر 2024، و3000 جندي إضافي من قوات الاحتياط، تم إرسالهم إلى الخطوط الأمامية في الأشهر التي تلت ذلك لتعويض الخسائر في ساحة المعركة.

ويُعتقد أن الأغلبية العظمى من الجنود ينتمون إلى وحدة القوات الخاصة النخبوية في بيونغ يانغ (الفيلق الـ11 للجيش الشعبي الكوري)، أو «فيلق العاصفة»، الذي تم تدريبه على التسلل والتخريب ومهاجمة الأهداف وتدميرها.

وحتى الآن، لم يتم نشر القوات الكورية الشمالية إلا في منطقة كورسك غرب روسيا، حيث ساعدت الجيش الروسي على استعادة السيطرة على معظم الأراضي التي استولت عليها أوكرانيا في هجومها المفاجئ في أغسطس 2024.

ومع ذلك فإن نجاح تلك القوات قد جاء بكلفة باهظة، فقد قُتل أو جُرح أكثر من 6000 جندي كوري، وفقاً لوزارة الدفاع البريطانية، على الرغم من تباين التقديرات.

دعم لوجستي

وإضافة إلى نشر الجنود، أرسلت كوريا الشمالية آلاف العمال لدعم جهود روسيا الحربية، ففي يونيو 2025، عقب اجتماع بين الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، وسكرتير مجلس الأمن الروسي، سيرغي شويغو، في بيونغ يانغ، وافق كيم على إرسال نحو 5000 عامل بناء، و1000 مهندس عسكري إلى كورسك، للمساعدة في إزالة الألغام من المنطقة، من بين مهام لوجستية أخرى.

وقد بدأت كوريا الشمالية مساعدة روسيا في جهودها الحربية قبل وقت طويل من انخراط قواتها في الصراع، حيث قامت بشحن الأسلحة للمرة الأولى، في أغسطس 2023، وكان كل من الجيشين الروسي والأوكراني، في ذلك الوقت، يعانيان نقص الذخيرة، لأن إنتاجهما المحلي لم يكن قادراً على مواكبة متطلبات ساحة المعركة.

وحتى الآن، أفادت تقارير عدة بأن كوريا الشمالية زودت روسيا بصواريخ باليستية ومدفعية بعيدة المدى، وأنظمة صواريخ متعددة الإطلاق، فضلاً عن ملايين الطلقات من الذخيرة وقذائف المدفعية.

وفي يوليو 2025، قدّرت وكالة الاستخبارات الدفاعية الكورية الجنوبية، أن الجارة الشمالية أرسلت ما مجموعه أكثر من 12 مليون قذيفة مدفعية، حيث أصبحت بعض الوحدات الروسية تعتمد في بعض الأحيان بشكل شبه حصري على قذائف المدفعية المصنوعة في كوريا الشمالية.

رؤوس نووية

بشكل عام، تقدر وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أن كوريا الشمالية تزود روسيا بنحو نصف قذائف المدفعية.

كما زودت كوريا الشمالية روسيا بمجموعة واسعة من الأسلحة، ووفقاً لقائد مديرية الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية، الجنرال كيريلو بودانوف، فقد زودت بيونغ يانغ روسيا بكل شيء، بدءاً من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى «كي إن 23» – وبعضها قادر على حمل رؤوس نووية – وحتى مدافع «هاوتزر دي 74» ومدافع ذاتية الدفع.

وقال بودانوف إن روسيا وكوريا الشمالية أبرمتا أخيراً اتفاقيات عدة لبدء إنتاج بيونغ يانغ لطائرات بدون طيار، استخدمتها روسيا لاستهداف المراكز السكانية وتدميرها.

افتراض خاطئ

على الرغم من صعوبة تحديد المدى الكامل لتأثير تلك الأسلحة على ساحة المعركة، قال خبراء من مجموعة مراقبة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، إن الدعم الكوري الشمالي أسهم بشكل كبير في قدرة روسيا على مواصلة تقدمها العسكري في أوكرانيا.

وتبيّن أن افتراض روسيا بأن الجيش الأوكراني سينهار في غضون أيام كان خاطئاً تماماً، وسرعان ما أصبح واضحاً أن روسيا تفتقر إلى الأسلحة والقوى البشرية اللازمة لمواصلة هجومها. وأثبتت كوريا الشمالية أنها واحدة من الدول القليلة المستعدة والقادرة على تقديم الدعم لروسيا.

في يوليو 2023، قاد وزير الدفاع الروسي آنذاك سيرغي شويغو، وفداً إلى بيونغ يانغ للاحتفال بذكرى نهاية الحرب الكورية، وهناك عرض كيم القدرات العسكرية للبلاد، وناقش المسؤولان التعاون العسكري.

وبعد أقل من شهر، أرسلت كوريا الشمالية أول شحنة من الذخائر إلى روسيا، وعزز البلدان تحالفهما في يونيو 2024، عندما وقّع كيم والرئيس الروسي فلاديمير بوتين معاهدة شراكة استراتيجية شاملة، تضمنت بنداً للدفاع المتبادل.

اكتساب خبرات

لقد أتاحت روسيا للجيش الكوري فرصة التعلم واكتساب الخبرات في أكثر ساحات القتال تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم.

وتؤكد تقارير متعددة من أفراد الجيش الأوكراني الذين قاتلوا جنوداً كوريين شماليين على قدرتهم على التكيف مع واقع الحرب الحديثة.

وبالفعل غيّرت القوات الكورية الشمالية تكتيكاتها بمرور الوقت، من شن هجمات مشاة خفيفة على أرض مفتوحة، على غرار الحرب العالمية الثانية، إلى استخدام الحرب بالطائرات المسيرة.

ودفعت هذه التطورات التكتيكية الجيش الأوكراني إلى إجراء تعديلات، حيث سعى إلى تجنب الاشتباك المباشر مع الجنود الكوريين الشماليين في كورسك، نظراً لمهارتهم وسرعتهم في التقدم.

وبدلاً من ذلك، استخدمت القوات الأوكرانية طائرات بدون طيار لاستهداف الجنود الكوريين، وبدأت زرع ألغام أرضية مضادة للأفراد على مسافات متقاربة بشكل متزايد لإبطاء تقدمهم.

والأهم من ذلك، أن روسيا زوّدت كوريا الشمالية بالمعرفة والوسائل اللازمة لتحديث قدراتها العسكرية، ومقابل مساعدتها، موّلت روسيا العديد من البرامج العسكرية الكورية الشمالية، وزودت البلاد بمعدات الدفاع الجوي والصواريخ المضادة للطائرات وأنظمة الحرب الإلكترونية المتطورة.

كما تواصل روسيا مشاركة بيانات ساحة المعركة من صواريخها الباليستية الكورية الشمالية، ما أدى إلى تحسينات ملحوظة في دقتها وفعاليتها الإجمالية.

وكشفت التحقيقات أن ما يقرب من نصف الصواريخ الباليستية في الشحنة الأولية لكوريا الشمالية انحرفت عن مسارها، وانفجرت في الهواء.

ومنذ ذلك الحين، تحسنت دقتها بشكل كبير، وفقاً لبودانوف، ويأتي ذلك في وقت تساعد فيه موسكو كوريا الشمالية على تطوير برامجها الفضائية والنووية. عن «كاونسل أون فورين ريلايشنز»


تكنولوجيا جديدة

على الرغم من أن مدى مساعدة روسيا لكوريا الشمالية غير معروف، إلا أن استعراض الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، للتكنولوجيا العسكرية الجديدة، في الأشهر الأخيرة، يشير إلى أن التمويل الروسي ونقل المعرفة يعملان على تحسين قدرات البلاد.

وعلى سبيل المثال، أطلق كيم أكبر مدمرة بحرية بالبلاد، في أبريل 2025، واختبر صواريخ مختلفة، بما فيها صاروخ «كروز» فرط صوتي، يقول الخبراء إنه يشبه نموذجاً روسياً قادراً على حمل رؤوس نووية.

وهذا بعيد كل البعد عن القدرات العسكرية التي كانت تمتلكها بيونغ يانغ قبل حرب روسيا على أوكرانيا.

من جهتها، حذرت كوريا الجنوبية من أن تعميق التعاون بين موسكو وبيونغ يانغ، يهدد بزعزعة التوازن العسكري في شبه الجزيرة الكورية.

• رغم تكبد كوريا الشمالية خسائر فادحة، إلا أنها استفادت من تحديث جيشها، وترسيخ مكانتها في التحالف المناهض للغرب بقيادة الصين وروسيا.

شاركها.
Exit mobile version