خلال الربيع الماضي تجمع الآلاف من الكوبيين في ساحة الثورة في العاصمة الكوبية، هافانا، للاحتفال بعيد العمال في كوبا. وخلال هذا العام بالتحديد لم يكن هناك أي شيء يستحق الاحتفال به، إذ إن كوبا تعاني كارثة وطنية، كما أن الشعب الكوبي يواجه حالة من اليأس على نحو متزايد.
وفي خضم أسوأ الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد، والتي أثرت بقوة على الجزيرة، اضطرت الحكومة الكوبية إلى الضغط على المواطنين لحضور هذا التجمع السنوي.
وقالت بعض التقارير إن نحو 600 ألف كوبي كانوا موجودين في هافانا، في حين كان الملايين في شتى أنحاء كوبا يحضرون هذه المناسبة السنوية، لكن المشاركة في مثل هذا التجمع لم تكن طواعية، فهي الثمن الذي يدفعه سكان كوبا من أجل الحصول على المزايا التي تقدمها الدولة بما فيها التوظيف والإسكان والتعليم، والمساعدات الغذائية، وبعض الضروريات الأخرى.
وعلى الرغم من النقص الشديد في الماء والطعام والأدوية والوقود الذي أدى إلى تعرض كوبا للشلل خلال السنوات الأخيرة فإنه في هذا اليوم تم استخدام جميع موارد الحكومة لتسهيل حضور فعالية ساحة الثورة، وذلك لأن هذا التجمع، كغيره من التجمعات، الغرض منه أن يكون بمثابة عمل سياسي، يهدف إلى إيصال رسالة دعم عامة للحكومة الكوبية المتعثرة.
وعلى الرغم من أن القيادة في كوبا قد تغيرت بصورة شكلية في عام 2019، حيث أصبح ميغيل دياز كانيل رئيس الدولة، فإن راؤول كاسترو لايزال هو المسيطر خلف الكواليس كما هو المعتقد السائد. وعلى الرغم من أن كاسترو أصبح في الرابعة والتسعين من العمر، فإنه لايزال مركز السلطة القوي ويمارس نفوذاً كبيراً في الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية.
ولاتزال تدابير الرقابة الاجتماعية شاملة تحت قيادته بدءاً من مستوى المجتمع المحلي مع لجان الأحياء للدفاع عن الثورة، وألوية الرد السريع، والشرطة الوطنية الثورية، والقوات المسلحة الثورية، ومجموعة الإدارة التجارية التي تسهل سيطرة الجيش الكوبي على الاقتصاد.
ويظل الهم الأكبر للحكومة الكوبية هذا اليوم هو انقطاع الكهرباء المستمر، وكان هذا الانقطاع مقتصراً على المحافظات النائية لكنه وصل الآن إلى العاصمة هافانا، نظراً إلى عجز الحكومة عن تأمين الوقود اللازم لمحطات الكهرباء.
وفي مارس 2025، وإثر عطل في محطة توليد كهرباء، باتت معظم أنحاء الدولة بلا كهرباء، ما أدى إلى إغلاق الكثير من المدارس والمؤسسات، وكان ذلك رابع انقطاع كبير للكهرباء خلال ستة أشهر.
ولهذا بالنسبة لبلد يعاني أصلاً من انخفاض حاد في الدخل الشهري، وضعف الاقتصاد، وتدهور مستويات المعيشة، فليس من المستغرب أن يزداد إحباط السكان.
وفي بداية شهر يونيو الماضي، بدأ طلبة «جامعة هافانا» بالاحتجاج على الزيادة الحادة في رسوم خدمات الإنترنت والهاتف المحمول التي فرضتها شركة الاتصالات الحكومية. ويقال إن هذه الشركة المملوكة بشكل كبير للجيش الكوبي، تتلقى تمويلاً جيداً من «المنفيين الكوبيين» الذين يشترون باقات الهواتف المحمولة لعائلاتهم في الجزيرة، وتمثل مصدر دخل مهم للحكومة الكوبية.
وثمة قلق آخر للحكومة الكوبية يكمن في افتقارها للعملة الصعبة كي تسهل لها التجارة وخاصة من أجل استيراد المواد الغذائية والأدوية التي هي بأمس الحاجة إليها. وكانت كوبا تتلقى الدعم المالي من الاتحاد السوفييتي السابق خلال الحرب الباردة، وبعد ذلك من فنزويلا خلال عهد الرئيس السابق هوغو شافيز، إلا أنها أصبحت الآن تفتقر للمساعدة.
وفي ظل هذه الظروف، أجرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغييرات في سياستها نحو كوبا، ففي إطار تخفيضاته الشاملة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية «يو إس إيد»، ألغى الرئيس ترامب إذاعة وتلفزيون «مارتي»، وهما شركتان رائدتان في الحملة الأميركية الناعمة ضد الشيوعية الكوبية.
وقام ترامب، منذ دخوله البيت الأبيض، بتصنيف كوبا كدولة راعية للإرهاب، ووافق على إعادة إنشاء «قائمة كوبا المحظورة»، التي تحظر التعامل مع الشركات المرتبطة بالحكومة الكوبية.
وحديثاً، وفي أعقاب الهجرة الكبيرة للغاية من كوبا، تحركت إدارة ترامب لإنهاء برنامج «الإفراج الإنساني» الذي سمح لعدد من الكوبيين بدخول الولايات المتحدة بموجب وضع قانوني مؤقت.
وفي الرابع من يونيو الماضي، أعلنت الولايات المتحدة حظراً جزئياً على الكوبيين الراغبين في دخول الولايات المتحدة دون تأشيرة دخول. وتضمن قانون ترامب للإنفاق والضرائب ضريبة على التحويلات المالية، ما سبب تأثيراً سلبياً على أكبر مصدر كوبي للدخل الأجنبي.
وتواجه كوبا اليوم لحظة عصيبة، فقد خلفت أكثر من ستة عقود من الثورة آثاراً وخيمة، ولاتزال قيادة كوبا غير راغبة في سن الإصلاحات الديمقراطية المنطقية اللازمة لتخفيف المعاناة واستعادة كرامة شعبها. وبينما يواصل المواطنون الكوبيون البحث عن طرق بسيطة، لكنها ذات معنى، للتعبير عن استيائهم، فقد حان الوقت للمجتمع الدولي لرفع مستوى الوعي بالواقع المرير الذي تعيشه كوبا، ومطالبة قيادتها بالتغيير. عن «ذي هيل»
. الحكومة الكوبية تفتقر للعملة الصعبة كي تسهل لها التجارة وخاصة من أجل استيراد المواد الغذائية والأدوية.