كييف- ليلة عصيبة قضاها سكان العاصمة الأوكرانية كييف مع نهاية شهر يوليو/تموز، لم تهدأ خلالها أصوات الانفجارات الناجمة عن سقوط أو إسقاط المسيّرات والصواريخ الروسية، حتى صباح يوم الخميس.

ورغم أن القصف الروسي يحمل وتيرة شبه أسبوعية منذ شهور، فإنه جاء مختلفا في وسائله هذه المرة، حيث احتوى -لأول مرة- مسيّرات صاروخية مزودة بمحركات تستخدم عادة في تكوين بعض أنواع الصواريخ والقنابل الجوية الموجهة، بدلا عن محركات عالية الضجيج، تشبه تلك المستخدمة في الدراجات النارية البسيطة.

ولعل في هذا تفسيرا لحجم الضرر الذي لحق بـ27 موقعا ضمن 4 أحياء رئيسية داخل المدينة، أبرزها مبنى سكني من 9 طوابق، دُمِّر جزء كبير منه، وهذا يحدث للمرة الثالثة في كييف خلال شهر.

كما سبّب القصف دمارا وأضرارا متفاوتة لحقت بمبنى جامعة، ومدرسة، وروضة أطفال، ومستوصف، والكثير من المركبات والمحالّ التجارية، إضافة إلى مبنى المركز الثقافي الإسلامي في كييف، حسب بلدية كييف.

وكانت حصيلة ذلك مقتل 13 شخصا وإصابة 135 آخرين، والأرقام مرشحة للارتفاع، كأكبر حصيلة ضحايا في دفعة واحدة تشهدها كييف منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022.

حصيلة القتلى والمصابين تعتبر غير مسبوقة في الهجمات التي شهدتها كييف خلال ساعات الليل (الجزيرة)

ضرر استثنائي

استخدام الروس لوسائل جديدة في هجومهم دفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى استعجال وصف الهجوم بـ”الحقير”، على اعتبار أن “كل المواقع المستهدَفة مدنية”، مؤكدا أن الغرض منه كان “إرهاق نظام الدفاع الجوي”.

ويبدو أن الروس نجحوا إلى حد ما في تحقيق هذا الغرض، فالدفاعات الأوكرانية لم تنجح في إسقاط سوى 3 من أصل 8 صواريخ مجنحة وباليستية، و288 من أصل 309 مسيّرات؛ رغم أن كييف تعرضت للقصف سابقا بأعداد أكبر من هذا الهجوم بكثير، لكن كانت لها تداعيات أقل.

وتناقلت وسائل إعلام محلية أنباء عن استهداف الروس -مرة أخرى- منطقة مطار كييف الدولي داخل مدينة جولياني، وخطوطا لسكك الحديد في ضواحي العاصمة أيضا.

وقال الخبير العسكري والعقيد في قوات الاحتياط الأوكرانية أوليغ جدانوف للجزيرة نت “عمليا، زادت سرعة المسيّرات من 200 كيلومتر في الساعة إلى ما يتراوح بين 400 و600 كيلومتر، وهو ما عقّد عمل الدفاعات النارية المتنقلة المختصة في اعتراض المسيّرات، ووضعنا أمام تحدٍّ جديد”.

رسائل روسية

يرى محللون أوكرانيون في هذا التطور رسائل توجهها روسيا إلى أوكرانيا والعالم؛ لا سيما على خلفية مهلة الأيام العشرة التي حددها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، من أجل وقف الحرب.

فمن وجهة نظر الخبير جدانوف فإن الهجوم الروسي الأخير حمل رد موسكو على دعوات السلام الأوكرانية الأوروبية الأميركية، ورد فعلهم على المهلة الأخيرة التي منحها ترامب لبوتين كي يوقف الحرب.

وأضاف “يريد بوتين أن يقول للأوكرانيين وداعميهم وخاصة للولايات المتحدة أنه لا فائدة من الدعم مهما زاد كما وتطور نوعا، وروسيا مستعدة للتصعيد وتغيير تكتيكاتها، بصورة تقلل من فاعلية الدفاعات التي تحصل عليها أوكرانيا، وتزيد حجم القتل ومساحة الدمار”.

القصف الروسي دمر جزءا كبيرا من مبنى سكني في كييف
القصف الروسي دمر جزءا كبيرا من مبنى سكني في كييف (الجزيرة)

كييف مستنفرة

وأمام هذا التحدي، بدت كييف مستنفرة، إذ امتلأت خيام المنظمات الإغاثية الرسمية والتطوعية في الأحياء والمواقع المتضررة، وتغيرت حركة النقل لصالح عبور فرق وطواقم الشرطة والإسعاف والإنقاذ والإطفاء.

وقالت الناشطة سفيتلانا المتعاونة مع فريق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “أعددنا قائمة تضم مئات العائلات التي فقدت منازلها اليوم، بحكم أنها دمرت، أو أصبحت غير مهيأة للسكن الآمن”.

وتابعت في حديثها للجزيرة نت “نعمل على تأمين مراكز إيواء مؤقت لمن فقدوا بيوتهم، سواء في ملاجئ حكومية مجهزة أو في بعض المساكن الجامعية”.

جانب من الدمار الذي لحق بنوافذ مبنى المركز الإسلامي في كييف
دمار لحق نوافذ مبنى المركز الإسلامي في كييف (الجزيرة)

تضرر المركز الإسلامي

وشمل قصف الليلة محيط المركز الثقافي الإسلامي في كييف أيضا، الذي يضم واحدا من أكبر مساجد العاصمة، ومدرسة “مستقبلنا”، وهي المؤسسة التعليمية النظامية الوحيدة الخاصة بأبناء المسلمين في أوكرانيا.

وقال الشيخ مراد سليمانوف، مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا “أمّة” ومقرها المركز، إن “مسيّرة سقطت على بُعد عشرات قليلة من الأمتار، فدمرت كل نوافذ المركز، وألحقت أضرارا كبيرة في الجدران والأسقف والأثاث داخله”.

كما ألحقت موجة الانفجار أضرارا بالغة بكل المطاعم والمحال التجارية العربية والإسلامية في محيط المركز، أو ما يسميه الأوكرانيون “سوق المسلمين” في كييف، وفق ما أكد سليمانوف للجزيرة نت.

وقال طارق، وهو أحد أصحاب المحال التجارية للجزيرة نت، “نحمد الله أن الخسائر مادية ولم يصب أحد، لا أعلم إن كان الهدف هو مركز تجمع المسلمين أم لا، ولكننا حقيقة نشعر أن نار الحرب تشمل الجميع ولا تستثني أحدا”.

شاركها.