رام الله- خطوة أخرى يقرها الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) نحو تقويض السلطة الفلسطينية والقضاء على أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفي المقابل تهيئة الظروف لهندسة كيانات محلية بديلة، وذلك بتمرير الأغلبية اليوم الأربعاء، مقترح يدعو إلى فرض وإحلال السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة.

وجاء التصويت، بأغلبية 71 عضوا من بين 120، بعد يومين من دعوة وزراء وبرلمانيين إسرائيليين من بينهم أعضاء في حزب الليكود الذي يرأسه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو -خلال مؤتمر في مبنى الكنيست- إلى ضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل وفرض السيادة عليها، في تحد واضح للموقف الدولي الرافض لهذه المخططات باعتبارها انتهاكا للقانون الدولي.

كما جاء التصويت، على مشرع القرار المقدم من أعضاء الائتلاف الحاكم قبيل خروج الكنيست للعطلة الصيفية، بعد نحو عام على تصويت الكنيست بالأغلبية لصالح قرار يرفض قيام دولة فلسطينية، وقبل أيام من انعقاد مؤتمر دولي بالأمم المتحدة لتطبيق حل الدولتين.

ومع أن مشروع القرار لا يعد قانونا نافذا ولا يلزم الحكومة الإسرائيلية، إلا أنه يأتي في وقت تتوالى فيه الإجراءات الإسرائيلية على الأرض والتي من شأنها سحب البساط من تحت السلطة الفلسطينية وإفشال إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة والدفع بكيانات بديلة، وفق خبراء.

أحمد الديك: قرار الكنيست استخفاف بـ140دولة تشارك في مؤتمر حل الدولتين بالأمم المتحدة (الصحافة الفلسطينية)

ضم تدريجي

يقول المستشار السياسي بوزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، أحمد الديك إن مشروع القرار امتداد لقرار الكنيست (في يوليو/تموز 2024) الذي اتخذه بأغلبية كبيرة برفض الدولة الفلسطينية، ويندرج في إطار ما تسمى “خطة الحسم” التي يعمل عليها الائتلاف الحكومي منذ أن تولى الحكم في إسرائيل.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن الائتلاف الحكومي يمارس الضم التدريجي بشكل يومي عبر جملة كبيرة من الانتهاكات والجرائم وتقطيع أوصال الضفة وتعميق الاستيطان.

وقال إن قرار الكنيست يأتي ردا على مؤتمر الأمم المتحدة لتطبيق حل الدولتين والمزمع عقده الاثنين القادم، واستخفافا فجّا بهذا المؤتمر وبأكثر من 140 دولة تقوم عليه “وكعادتها تتمرد إسرائيل على كل ما يتعلق بالشرعية الدولية والمجتمع الدولي”.

وتابع المسؤول الفلسطيني أن القضية كلها برسم المجتمع الدولي الذي يجب أن يصعّد من عقوباته وإجراءاته العقابية ومساءلته ومحاسبة قادة الاحتلال.

التصويت على مقترح فرض السيادة على الضفة غير ملزم (الجزيرة)

تحرك فلسطيني

وعن التحرك الفلسطيني في مواجهة الخطط الإسرائيلية، قال الديك “في وقت مبكر بدأنا العمل على المسار السياسي والدبلوماسي والقانوني الدولي لفضح هذا المخطط الاستعماري الذي سيكون له نتيجة واحدة وهي تعميق نظام الفصل العنصري والأبرتهايد في فلسطين المحتلة”.

وأشار إلى أن “ملف الاستيطان وضم الضفة وما يتبعهما من جرائم وانتهاكات، أحد الملفات التي أحيلت لمحكمة الجنايات الدولية”.

وتحدث عن التحرك على مستوى محكمة العدل الدولية التي أصدرت رأيا استشاريا أكدت فيه أن الاحتلال غير قانوني وطالبت بإنهائه فورا، وقالت إن كل ما نتج عن هذا الاحتلال “باطل وغير شرعي”.

وتطرق الديك إلى الاستمرار في رفع تقارير دورية للمحاكم الدولية ومطالبة الدول بتفعيل المسار القانوني في المحاكم الوطنية ضد مجرمي الحرب ودعاة الضم والتهجير.

وعلى مستوى الأمم المتحدة، قال إن هناك إجماعا دوليا على رفض هذه المخططات، و”في مجلس الأمن أي قرار يتم تسليمه يحظى بإجماع 14 عضوا ما عدا صوت الولايات المتحدة الحامي الأكبر لدولة الاحتلال”.

وزاد: “نعمل مع جميع المنظمات الدولية المختصة على مدار الساعة لاستصدار مزيد من القرارات” لكنه يؤكد: “لدينا مشكلة جدية أن هذا الإجماع الدولي لا يترجم إلى خطوات وإجراءات عملية قادرة على إجبار الاحتلال على وقف سياساته وتغوله على الشعب الفلسطيني”.

واعتبر أن فشل المجتمع الدولي في وقف حرب الإبادة والتهجير والضم هو الذي يشكل غطاء ويشجع الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ المزيد من “الخطوات الاستعمارية لتصفية القضية الفلسطينية وحقوق شعبنا”.

أبو الهيجاء: قد نشهد ظهور تشكيلات إدارية محلية متعاونة مع الاحتلال أو تحركها مصالحها (الجزيرة)

المضي في الحسم

من جهته، يرسم المحلل السياسي أحمد أبو الهيجا صورة قاتمة لما سيكون عليه الوضع في الضفة الغربية بعد تصويت الكنيست، موضحا أن التصويت يضفي شرعية ويعطي صبغة قانونية لإجراءات ممارسة بالفعل.

وتوقع أبو الهيجا “إجراءات أكثر قسوة” في التعامل مع الفلسطينيين وتحديدا في موضوع التهجير الداخلي؛ إذ تسعى إسرائيل للتضييق على سكان المناطق المستهدفة بفرض السيادة لإفراغها بالكامل وبشكل أكثر خشونة، كحرمانهم من الخدمات والكهرباء والمياه، من دون أن يستبعد إعادة تعريف بعض السكان في مناطق قد تخضعها إسرائيل لسيادتها.

كما توقع في حديثه للجزيرة نت، مرونة رسمية في التعامل مع المستوطنين سواء في مجال منح الموازنات أو الصلاحيات أو مصادرة الأراضي الفلسطينية.

وأضاف أن بعض الإجراءات قائمة بالفعل، لكنها ستستكمل باتجاه الحسم وسيكون بإمكان المستوطنين ممارسة التهجير “لكن ما يؤجل ذلك أن إسرائيل غير قادرة على حسم أي ملف من ملفات الصراع سواء إيران أو سوريا أو لبنان أو غزة بالطريقة التي تريدها، ولذلك هناك بعض الكوابح في مسألة التعامل مع الضفة”.

وتوقع المحلل الفلسطيني في المرحلة القادمة مشاريع سيادية وتهجيرا داخليا وتحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم وتعطيل كل مقومات البنية التحتية في هذه المناطق “وبالتالي الدفع بالهجرة إلى المدن، تمهيدا للتهجير إلى الخارج”.

توقعات بإطلاق يد المسوطنين في الضفة بعد تصويت الكنيست (الفرنسية)

تشكيلات إدارية

ويلفت المحلل الفلسطيني إلى انعكاسات أخرى، لفرض السيادة أبزرها ظهور تشكيلات إدارية محلية قد تكون متعاونة مع الاحتلال أو تحركها مصالحها، موضحا أن إسرائيل استغلت الفترة الماضية لإعادة هندسة السلطة للتعامل مع الوضع الجديد.

ووفق رأي المحلل الفلسطيني فإن السلطة “لن تستطيع أن تلبي نَهَم الإسرائيليين مهما كانت مرنة، لذلك تسعى إسرائيل تدريجيا لخلق أجسام بديلة تكون محمية بالقانون الإسرائيلي، وبدأ ذلك في الحديث عن تشكيلات عشائرية”.

وكشف عن توجه رجال أعمال إلى ترخيص أعمالهم في إسرائيل حماية لمصالحهم، فضلا عن شراكات تجارية ولقاءات ثنائية مع مانحين، متجاوزين السلطة الفلسطينية وقوانينها.

وأضاف أن الأجسام البديلة موجود وتشتغل بخفاء وتردد، لكن في حال حصلت على حماية إسرائيلية، فلن تستطيع السلطة مساءلتها.

شاركها.
Exit mobile version