الخرطوم ـ في ظل الانفلات الأمني الذي تعيشه العاصمة الخرطوم منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تسعى السلطات السودانية إلى إعادة الحياة إلى شوارع الخرطوم، حيث شكل رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان لجنة رفيعة المستوى تتولى مهمة إفراغ العاصمة من الوجود المسلح.
قرار البرهان قوبل بترحيب واسع من المواطنين والقطاعات التجارية، لكنه في الوقت ذاته أثار تساؤلات حيال إمكانية التنفيذ وسط تعقيدات أمنية وسياسية شائكة.
وكلفت اللجنة التي تضم في عضويتها وزراء ومسؤولين عسكريين ومدنيين، بمهام متعددة تشمل استعادة الخدمات الأساسية، وإنهاء المظاهر العسكرية، وضبط الوضع الأمني، وإعادة إعمار البنية التحتية، غير أن تنفيذ هذه الخطط يتطلب تنسيقا دقيقا بين مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية.
وتعرض الجزيرة نت في التقرير التالي، أبرز الأسئلة والإجابات المتعلقة بهذا القرار وبالمهام الموكلة لهذه اللجنة، مع استطلاع آراء المواطنين بالحاجة لعملها في العاصمة.
ممن شُكلت اللجنة المكلفة بإفراغ العاصمة من الوجود المسلح؟
اللجنة التي شكلها رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، جاءت برئاسة عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر، وتضم في عضويتها كلا من رئيس الوزراء، ووزراء الدفاع، والخارجية، والطاقة والتعدين، والصحة، والتربية والتعليم، بالإضافة إلى وزير الداخلية، ووالي الخرطوم، واللواء أزهري عباس قسم السيد الذي كلف بمقررية اللجنة.
ما المهام المنوطة باللجنة؟
تسعى اللجنة إلى تطبيع الحياة المدنية في العاصمة وتهيئة الأجواء لعودة المواطنين إلى منازلهم، وتتمثل مهامها الرئيسية في تفريغ الخرطوم من جميع القوات المقاتلة والكيانات المسلحة خلال أسبوعين، بالتنسيق مع هيئة أركان القوات المسلحة.
وتشمل أيضا اتخاذ التدابير اللازمة لفرض هيبة الدولة، وإزالة كافة المظاهر السالبة، وضبط الوجود الأجنبي عبر ترحيل المخالفين، بالإضافة إلى إزالة مناطق السكن العشوائي دون استثناء، واستعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، والمياه، والصحة، والتعليم، والمواصلات، والأسواق. كما أوكِلت للجنة مهمة تأهيل البنية التحتية، واقتراح مواقع بديلة لنقل الوزارات.
ما أبرز التحديات التي تواجه اللجنة؟
يرى الخبير الأمني والإستراتيجي اللواء الدكتور أمين مجذوب، في حديثه للجزيرة نت، أن المهمة الأكثر تعقيدا تتمثل في إخلاء العاصمة من الوجود المسلح، إذ تحتاج إلى خطة تفصيلية وعمل ميداني منظم، يبدأ باجتماع تنسيقي بين قادة القوات المسلحة، والشرطة، والأمن، والقوة المشتركة من حركات دارفور المسلحة والمستنفرين.
وتتولى هذه المجموعة تحديد مواقع هذه القوات، وعددها، وتسليحها، وآلية خروجها، والوجهات التي سترحل إليها، والبحث إن كانت ستُنشَأ معسكرات جديدة أم لا؟
ويحذر مجذوب من أن أكبر تحد سيكون في غياب التنسيق، مشددا على أن عدم تنفيذ قرار إنهاء الوجود المسلح قد يؤدي إلى نتائج كارثية.
ما موقف القوة المشتركة من قرارات اللجنة؟
رغم وجود عبد الله يحيى، عضو مجلس السيادة وأحد قادة حركات دارفور المسلحة، ضمن عضوية اللجنة، فإن حاكم إقليم دارفور ومشرف القوة المشتركة، مني أركو مناوي، صرح للصحافة بأن مجلس السيادة لم يبلغهم رسميا بأي قرار يخص إفراغ العاصمة من القوات المقاتلة.
وأضاف أنه اطلع على القرار عبر وسائل الإعلام، ولم يتم أي تواصل رسمي أو غير رسمي معهم بهذا الشأن.
كيف يمكن جعل الخرطوم مدينة قابلة للحياة من جديد؟
يؤكد الخبير الأمني والإستراتيجي اللواء طارق عبد الكريم، للجزيرة نت، أن إنهاء الوجود المسلح لا يمثل سوى جزء من مهمة شاملة أسندت للجنة، هدفها الأساسي جعل الخرطوم صالحة للعيش مجددا، عبر استعادة الخدمات من تعليم وصحة وكهرباء ومياه، وإعادة إعمار البنية التحتية التي دمرتها الحرب.
ويرى عبد الكريم أن بعض مظاهر التفلّت الأمني يمكن احتواؤها من خلال انتشار الشرطة، لكنه يشدد على ضرورة مواجهة التحديات الكبرى مثل السكن العشوائي والوجود الأجنبي.
ويعتبر أن عامل الزمن سيكون حاسما في إنجاز مهام اللجنة، التي ينبغي أن تتحرك ميدانيا بمشاركة كل الجهات ذات الصلة لإنجاح مهمتها.
إلى أين سترحّل التشكيلات العسكرية؟
يشير اللواء أمين مجذوب إلى وجود تساؤلات جوهرية لا تزال دون إجابة، من بينها: هل ستبقى القوات المسلحة في معسكراتها القديمة؟ أم سيتم نقلها إلى مواقع بديلة؟
ويؤكد أهمية الشفافية في عرض تفاصيل الخطة على الرأي العام، مشيرا إلى ضرورة أخذ التهديدات الأمنية في الاعتبار، خاصة مع تصاعد نشاط العصابات الإجرامية التي تمارس الاختطاف والقتل والترويع في مناطق مختلفة من الخرطوم.
ما حجم التفلّتات الأمنية في العاصمة؟
رغم تداول مواقع التواصل الاجتماعي لحوادث نهب مسلح، كان أبرزها حادثة نهب تاجر ذهب في أم درمان، فإن المتحدث باسم الشرطة، العميد فتح الرحمن محمد التوم، قال في تصريح سابق للجزيرة نت إن هذه الحوادث في تراجع واضح.
مشيرا إلى أن الخلية الأمنية تولي مسألة تفكيك شبكات النهب، وخصوصا من يرتدون زي القوات النظامية، اهتماما كبيرا، وقد تم توقيف العشرات من المتورطين.
ما رأي المواطنين بعمل اللجنة؟
يرى مواطنون تحدثوا للجزيرة نت أن كثافة التشكيلات العسكرية في العاصمة أسهمت في استغلال المجرمين لهذا الوضع عبر ارتداء زي عسكري وانتحال صفة نظاميين لتنفيذ عمليات نهب تحت تهديد السلاح. وفي هذا السياق، دخل تجار الذهب في أم درمان في إضراب مفتوح احتجاجا على حادثة نهب طالت أحد التجار في شارع الوادي.
ويقول خالد الخنجر تبيدي، رئيس غرفة تجار الذهب وشيخ الصاغة بولاية الخرطوم، للجزيرة نت إنهم يدعمون بشدة قرار إفراغ العاصمة من الوجود المسلح “اليوم قبل الغد”، معتبرا أن الحرب قد انتهت، وأن بقاء المسلحين بين المدنيين يمثل تهديدا أمنيا بالغ الخطورة، خصوصا في ظل وجود آلاف المجرمين الذين فروا من السجون مع بداية الحرب.
في نفس الاتجاه، يعبر أبو بكر أحمد، وهو تاجر في سوق صابرين، أكبر الأسواق الشعبية بشمال أم درمان، عن دعمه القوي لقرار إفراغ العاصمة من السلاح، مؤكدا أن انتشار المسلحين من مختلف التشكيلات تحول من “نعمة إلى نقمة”. ويوضح أن التجار يغلقون محالهم في الخامسة مساء خوفا من التفلّتات.
كما يشير إلى أن كثافة الوجود الأمني تعطي انطباعا مضللا بأن الحرب ما زالت مستمرة، في حين أن العاصمة باتت خالية فعليا من مليشيا الدعم السريع. لذلك، يدعو أحمد إلى أن تتولى الشرطة مسؤولية حفظ الأمن بالكامل، وأن يتم إخراج كافة القوات المقاتلة لإثبات عودة الحياة إلى طبيعتها.
يقول المواطن محمد عبد المتعال، في حديثه للجزيرة نت، إنه لا يغادر منزله مع أسرته في ساعات المساء إلا في حالات الضرورة القصوى، بسبب ما يراه يوميا من حوادث نهب وإطلاق نار عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويؤيد عبد المتعال بشدة قرار إنهاء الوجود العسكري في الخرطوم، معتبرا أن هذه الخطوة ضرورية لإعادة الطمأنينة إلى السكان، وتشجيع النازحين واللاجئين على العودة إلى منازلهم في العاصمة.