غزة- في قلب قطاع غزة، حيث يختلط صوت القصف بأنين الجوع، انطلق فريق “غوث غزة” الذي لا يملك أعضاؤه سوى جهدهم وإصرارهم على التخفيف من معاناة الناس، بيد أنهم باتوا اليوم من الوجوه البارزة للعمل الإغاثي الشعبي، في وقت يعيش فيه السكان إحدى أقسى المراحل الإنسانية في تاريخ القطاع.
يقول مدير فريق غوث غزة محمود حماد إن “الفريق تشكَّل في ظل العدوان والحصار المستمر، بدافع إنساني خالص وباستقلالية تامة، استجابة للحاجة العاجلة إلى مساعدة آلاف الأسر التي فقدت منازلها أو مصادر رزقها”.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsend of list
ويضيف حماد -في حديثه للجزيرة نت- أنه “لم يكن أمامنا سوى خيار واحد: أن نمد أيدينا لمن حولنا”، مضيفا أن المبادرة قامت على “الشفافية والمصداقية” أساسا للعمل.
ويشير مدير الفريق إلى أن اختيار اسم “غوث غزة” لم يكن عابرا، فهو يجمع بين معنى الإغاثة السريعة والمرتبطة باسم غزة التي تمثل ميدان التجربة وأرض الرسالة، لافتا إلى أن الاسم يختصر جوهر المبادرة، وهي سرعة الاستجابة وسط ظروف بالغة الصعوبة.
ويتابع حماد “رغم أن الأنشطة بدأت بالاستجابة الفورية لاحتياجات المتضررين، فإن الفريق يسعى إلى بناء نموذج للعمل الإغاثي المستدام، يوازن بين الإغاثة الطارئة والمشاريع التنموية، برؤية تقوم على تعزيز صمود المجتمع، وفتح آفاق للاستقلالية عبر مبادرات طويلة الأمد، مثل دعم التعليم والصحة وتمكين الأسر الفقيرة.
الفئات الأكثر هشاشة
وتركز جهود “غوث غزة”، وفق المتحدث باسم الفريق رجب المنيراوي، على انتشال الأسر المنكوبة من تحت الركام ودعم الفئات الأكثر تضررا التي فقدت بيوتها، والأطفال الأيتام الذين تيتموا بين ليلة وضحاها، والمرضى وكبار السن وذوي الإعاقة، مضيفا “أصوات الجوع والمرض لا تحتمل الانتظار، لذلك نعمل بما يتوفر لدينا من إمكانات لتأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة”.
ويعدد المنيراوي أبرز المشاريع التي نفذها الفريق خلال الأشهر الأخيرة، في مقدمتها مشروع سقيا الماء الذي لبّى حاجة آلاف الأسر إلى مياه الشرب بعد تدمير الاحتلال الآبار ومحطات التحلية.
وإلى جانبه، أطلقت “غوث غزة” تكيات الطعام لتوزيع وجبات ساخنة على النازحين وفرق الإسعاف، إضافة إلى توزيع الطحين والمواد الغذائية التي أصبحت عملة نادرة في قطاع يعيش المجاعة.
ويضيف المنيراوي “مشروع كفالة الأيتام يمثل أولوية قصوى بالنسبة إلينا، فعدد الأيتام في غزة ارتفع بشكل كبير مع استمرار العدوان، وهؤلاء الأطفال بحاجة إلى دعم مادي ومعنوي يحفظ لهم كرامتهم”.
كما عمل الفريق على تزويد المستشفيات المحاصرة بالأدوية والمستلزمات الطبية المنقذة للحياة، ليستفيد منها آلاف المرضى والطواقم الطبية التي تعمل في ظروف استثنائية.
وفي مواجهة أزمة الوقود الخانقة، أطلق الفريق مؤخرا مشروع المواصلات المجانية عبر تشغيل حافلات تقل آلاف الركاب شهريا، تخفيفا عن الأسر الفقيرة والمرضى. ويشير المنيراوي إلى أن المشروع جاء وفاء لروح شهداء قناة الجزيرة، وعلى رأسهم الشهيد الصحفي أنس الشريف.
مبادرات للدعم النفسي
ولم تقتصر جهود الفريق على الغذاء والدواء، بل امتدت إلى رعاية الصحة النفسية للأطفال، ففي إطار مشروع كفالة الأيتام، أُطلقت مبادرة “رسم من تحت الركام”، الهادفة إلى مساعدة الأطفال الأيتام على التفريغ النفسي والتعافي من صدمات الحرب عبر الفن.
وتقول سيمونا بكر، إحدى المشرفات على المبادرة، إن “الرسم أداة فعّالة للتفريغ النفسي، خصوصا للأطفال الذين فقدوا الأمان فجأة، ونحن نمنحهم مساحة للتعبير عن مشاعرهم”.
أما جودي الإفرنجي، مدربة الرسم في المبادرة، فتوضح أن الأطفال بدؤوا بالرسم الجماعي لتخفيف الإحساس بالعزلة، ثم انتقلوا للرسم الفردي للتعبير عن ذواتهم وتجاربهم الخاصة. وتضيف “نحاول عبر هذه اللوحات إبراز الجوانب الإيجابية في مخيلة الأطفال، وتحويل الألم إلى أمل”.
وعلى الأرض، تعكس شهادات المستفيدين حجم الأثر الذي تركته هذه المبادرات، ففي أحد مخيمات النزوح التي زارتها الجزيرة نت، جلست أم نضال تحت خيمة متواضعة تحيط بها أطفالها حول وجبة ساخنة وزعها الفريق، قائلة “لم أتوقع أن يطرق بابي أحد في هذا الوقت ومعه طعام.. شعرت أنني لست وحدي”.
أما أبو أحمد، والد طفل حديث الولادة، فيروي بحرقة “كان ابني بحاجة ماسة للحليب الصناعي الذي فُقد من الأسواق، كاد أن يموت بين يدي، حتى جاء الفريق بالحليب وأنقذ حياته”.
ويقول أبو مروان، نازح من شمال القطاع “المياه التي وصلتنا ضمن مشروع سقيا الماء أنقذتنا من العطش.. لم نكن نعرف كيف سنواصل الحياة”، في حين عبّرت والدة طفلة يتيمة عن امتنانها، قائلة: “كفالة ابنتي ساعدتني على الاستمرار في تعليمها رغم فقدان زوجي وكل ما مررنا به من مآسٍ”.
هذه الشهادات آنفة الذكر تلخص أثر المبادرة الذي يتجاوز المساعدات المادية إلى بث الأمل في قلوب الناس.
تحديات مستمرة
ورغم محدودية الإمكانيات وشح الموارد، فإن فريق “غوث غزة” يواصل عمله الإغاثي في بيئة محفوفة بالمخاطر، حيث تُغلق المعابر باستمرار ويُمنع دخول كثير من المواد الأساسية، لكن الفريق -كما يقول مديره- يعتمد على التكاتف المحلي وحملات التبرع داخل القطاع وخارجه، لإبقاء الأمل حيا في قلوب المنكوبين.
ورغم التحديات، فإن المتحدث باسم الفريق يرى أن الأثر الإنساني لمثل هذه المبادرات يتجاوز الأرقام، إذ يمنح الناس شعورا بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة الموت والجوع والحصار، مؤكدا أن تشديد الحصار في الأشهر الأخيرة زاد من صعوبة استمرار بعض المشاريع الإنسانية نتيجة تعطل دخول المواد الأساسية.
وبمواجهة هذه التحديات، لجأ الفريق إلى تنظيم حملات تبرع داخل غزة وخارجها، وتوسيع شبكة الشراكات مع مبادرات محلية، في محاولة للإبقاء على قنوات الدعم مفتوحة.
وفي النهاية، لا يرى المتطوعون أنفسهم أكثر من “أداة بسيطة بيد الناس”، كما يصرِّح مدير الفريق، مضيفا “ما نقوم به ليس ترفا.. بل واجبا إنسانيا أمام معاناة نعيشها يوميا”.
وختم حديثه قائلا “رغم محدودية الإمكانات، فإن فريق غوث غزة تمكن من ترك بصمة واضحة في حياة آلاف المستفيدين منذ تأسيسه، ليثبت أن روح العمل الجماعي والإنساني قادرة على فتح نوافذ أمل حتى في أحلك الظروف”.
وبدعم أميركي، ترتكب إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت 62 ألفا و622 شهيدا، و157 ألفا و673 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين.