جنين- يعيش عز الدين صدقة حالة من القلق الشديد منذ أيام، بعد تسلمه إخطارا عسكريا إسرائيليا بهدم بنايته السكنية المكوّنة من طابقين في قرية عنزا جنوبي جنين (شمال الضفة الغربية).

وكان هذا المواطن قد أمضى 5 سنوات في بناء المنزل وتجهيزه، مستثمرا الطابق الأول لافتتاح محل للمواد التموينية، قبل أن يفاجأ منتصف الشهر الجاري باقتحام جيش الاحتلال للمحل وتسليمه أمر الهدم.

ويصف صدقة -في حديثه للجزيرة نت- شعور العجز الذي لازمه منذ لحظة تلقيه قرار الهدم، قائلا “كنت أسعى لتأمين منزل للمستقبل، ومشروع أعوض به عملي الذي فقدته في الداخل المحتل عقب الحرب على غزة، لكنني اليوم عاجز تماما، فقد ضاع تعب السنين وكل ما ادخرته سابقا، والمشكلة أنه لا يوجد أي بديل”.

إعادة المستوطنة

لم يكن صدقة وحده في مواجهة قرارات الهدم، إذ تسلم جاره إخطارا يقضي بهدم 18 مخزنا تجاريا بشكل فوري، بذريعة البناء في المنطقة المصنفة “ج” (تحت إدارة الاحتلال وفق اتفاق أوسلو) على الطريق الواصل بين جنين ونابلس.

وعن ذلك يقول صدقة “هذه الأراضي تقع ضمن المخطط الهيكلي لمجلس قروي عنزا، وهي ملكية خاصة مسجلة في الطابو، لكن قرارات الهدم جاءت حديثا ولذرائع مختلفة، بينما لم تُخطر المباني القريبة رغم وجودها في المنطقة ذاتها” ليضيف “الحجة الإسرائيلية غير صحيحة، وكل ذلك يرتبط بمساعي الاحتلال لإعادة إحياء المستوطنة في المنطقة”.

وبحسب الأهالي فإن إسرائيل زادت من عمليات الهدم في الشارع الرابط بين جنين ونابلس، كما ضاعفت من عمليات مصادرة الأراضي الزراعية في بلدات جنوب جنين، وبدأت بشق طرق فيها تمهيداً لعودة مستوطنة ترسلة “كانت تسمى أيضا معسكر سانور” التي أخليت من المستوطنين عام 2005.

وكانت حكومة الاحتلال صادقت في مايو/أيار الماضي على إقامة وتوسيع 22 مستوطنة في الضفة الغربية، وتشمل هذه الخطة إعادة بناء مستوطنتي “سانور” و”حومش” على أراضي جنوبي جنين، واللتين تم تفكيكهما عام 2005 ضمن قرار فك الارتباط، وقد صدر قرار إسرائيلي في 22 أغسطس/آب الجاري بإنشاء 128 وحدة استيطانية في مستوطنة ترسلة (سانور).

وخلال الـ20 عاما الماضية استمرت اقتحامات المستوطنين لموقع “ترسلة” عبر تأمين مرورهم من بلدات جنوبي جنين من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

لكن الحديث عن إعادة إقامة المستوطنة ضاعف مخاوف المواطنين في بلدات جبع وسيلة الظهر وعجة والفندقومية (المحيطة بها) وأعاد الى أذهانهم مشاهد اعتداءات المستوطنين.

مستوطنة ترسلة التي قام الاحتلال بإخلائها (مواقع التواصل)

مخاوف وقلق

يقول المزارع الفلسطيني أحمد نصر إن أكبر مصادر القلق يكمن في احتمال منعهم من الوصول إلى أراضيهم في السهول المقابلة لمستوطنة ترسلة، إضافة إلى خطر مصادرة آبار المياه التي يقوم المزارعون ببنائها في تلك السهول، وقطع أجزاء من الأراضي الزراعية.

ويؤكد نصر -للجزيرة نت- أنه حصل على مخطط غير رسمي يُظهر نية جيش الاحتلال مصادرة مساحات واسعة من أراضي عائلته في سهل بلدة عجة، مشيرا إلى أن حوالي 72 دونما من الأراضي القريبة مدرجة ضمن خطة المصادرة.

ويضيف “هذه الأرض الوحيدة لوالدي وإخوته في البلدة، وكانت ملكا لجدي سابقا، وثلثا هذه الأرض قد تُصادر وفق ما وردنا” لافتا إلى أن “الأهم ليس في مصادرة الأرضي وما يترتب عليها من خسائر مالية، بل فقدان إرث العائلة هو الخطر الأعظم، فالقيمة المعنوية والعاطفية لهذه الأرض كبيرة جدا، لذا تعتبر خسارتها صعبة”.

ويعمل نصر في زراعة المحاصيل المروية على مساحات واسعة من سهل عجّة والرامة، معتمدا على زراعة الزعتر وتصديره بعد التجفيف إلى السوق العربي وبعض الأسواق الخارجية.

ويخشى نصر -مثل غيره من المزارعين- أن يمنع جيش الاحتلال وصولهم إلى الأراضي المحيطة بمستوطنة “ترسلة” عند إعادة إقامتها والزراعة فيها، مما يشكل تهديدا مباشرا لمصادر دخلهم.

ويشير نصر إلى أنه في أبريل/نيسان الماضي منع جيش الاحتلال أحد المزارعين من بلدة السيلة الحارثية من إحراق القمح لتحويله إلى الفريكة خلال موسم “تفريك القمح” بحجة “إزعاج المستوطنين بدخان الحرائق”.

ويضيف أن وجود المستوطنين بالقرب من البلدات والقرى الفلسطينية يفاقم شعور الأهالي بفقدان الأمان، خاصة أن المستوطنين معروفون بتعديهم على السكان المحليين من دون أسباب، ويتنقلون مع أسلحتهم بشكل دائم.

مخطط أكبر

وبحسب بلدية جبع، فإن موقع ترسلة يقام على مساحة تُقدر بـ50 دونما، ويحتوي على أبنية تاريخية قديمة. ويوضح مدير البلدية عباس غنام -في تصريح سابق له- أن بناء 128 وحدة استيطانية (كما يهدف الاحتلال) يتطلب مساحات أكبر، مما يشير إلى نية مصادرة أراضٍ إضافية لإكمال المشروع.

ويضيف غنام “المواطنون في جبع وسيلة الظهر وبقية البلدات شعروا بالأمان لعدم وجود المستوطنين على مدار 20 عاما، فأنشؤوا محال تجارية ودفيئات زراعية، ومنازل وعمارات سكنية، وكل ذلك سيقع الآن تحت خطر المستوطنين والجيش الإسرائيلي الحامي لهم، خاصة أن الطريق الواصل إلى ترسلة هو الشارع الرئيس في بلدية سيلة الظهر، وهو نفسه الشارع الذي يربط نابلس بجنين”.

ويتربع موقع ترسلة على تلة تاريخية إستراتيجية تطل على مجموعة من التجمعات السكانية جنوب جنين -مثل جبع وصانور- وتشرف على الشارع الرئيس بين نابلس وجنين، وقد شهدت هذه التلة أحداثا تاريخية مهمة بدءا من العهد الإسلامي الأول مرورا بفترة الصليبيين.

وقد أقام الانتداب البريطاني في التلة معسكرا للجيش عام 1945، ثم تحول بعد ذلك إلى معسكر للجيش الأردني الذي أنشأ فيها مسجدا. وعام 1978 استولى جيش الاحتلال الإسرائيلي على المكان وأقام مستوطنة ومعسكرا له، ويشير مؤرخون إلى أن بناء الموقع يعود إلى عهد القائد صلاح الدين الأيوبي.

شاركها.