|

حذر اثنان من كبار ضباط وكالة الاستخبارات المركزية السابقين (سي آي إيه) من أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تُدمر أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة من خلال تسييسها، مما يزيد من احتمالات فشلها الذريع.

وفي مقالهما المشترك في مجلة “فورين أفيرز”، كتب الضابطان السابقان في “سي آي إيه”، ديفيد جيو ومايكل هايدن، أن الولايات المتحدة تمتلك أجهزة مخابرات يحسدها عليها العالم.

ولكنهما استدركا أن بعض العلل التي تعاني منها الأنظمة الاستبدادية وتجعلها عرضة للفشل هي نفسها التي تهدد النظام الأميركي بخطر مماثل في ظل حكم الرئيس ترامب.

أسلوب ترامب الشعبوي واستغراقه في ذاتيته يدفعانه إلى الاستخفاف بقيمة المعلومات الاستخبارية والإساءة إلى الأجهزة التي تنتجها

والسبب في ذلك -برأي الكاتبين- أن أسلوب ترامب الشعبوي واستغراقه في ذاتيته يدفعانه إلى الاستخفاف بقيمة المعلومات الاستخبارية والإساءة إلى الأجهزة التي تنتجها.

على أن المشكلة لا تكمن فقط في أن ترامب وحده الذي يستخف بالاستخبارات، بل إن إدارته تهيئ أوضاعا تتيح لكبار المسؤولين فيها تكييف تقييماتهم لإرضائه، وفق ديفيد جيو -الذي يعمل حاليا أستاذا في كلية كينغز كوليدج بلندن– ومايكل هايدن المدير السابق لوكالة الأمن القومي، وضابط العمليات المتقاعد في وكالة الاستخبارات المركزية.

الحجة الرئيسية

يجادل الكاتبان بأن ولاية ترامب الرئاسية الأولى ألحقت ضررا بليغا بمجتمع الاستخبارات الأميركية من خلال تسييس وظائفه، وطمس الحقائق غير الملائمة، وتغليب الولاء على الخبرة، وتحويل موارد الاستخبارات لأغراض سياسية.

ويحذران من أن هذه الإجراءات قد أضعفت نزاهة وصدق نظام الاستخبارات وفعاليته التشغيلية، مما زاد من خطر فشلها الذريع.

ويأتي ذلك -طبقا للمقال التحليلي- في وقت يواجه فيه الأمن القومي الأميركي تهديدات خطيرة، ليس أقلها خطر “الإرهاب” المتزايد في ظل سعي الجماعات المدعومة من طهران إلى الانتقام من الضربات الأميركية على إيران.

وضرب الضابطان المخضرمان أمثلة على تجاهل ترامب للمعلومات الاستخباراتية الموضوعية برفضه شهادة مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد بأن إيران لم تكن على وشك امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية. وادعى الرئيس بدلا من ذلك أن الولايات المتحدة “دمرت” البنية التحتية النووية الإيرانية، وهي ادعاءات لا تدعمها وكالة الاستخبارات العسكرية.

تغليب الولاء على الكفاءة

بحسب جيو وهايدن، أرست الإدارة ثقافة يتوقع فيها أن تتماهى فيها أفكار المسؤولين مع رؤية الرئيس، وليس مع الحقائق. وانعكس ذلك على التعيينات في مناصب الأمن القومي التي استندت على الولاء السياسي، وعوقب المهنيون أو أُقيلوا بسبب تقديمهم آراء لم تلق ترحيبا.

مكتب التحقيقات الفدرالي تحت قيادة مديره كاش باتيل حول اهتمامه إلى الهجرة والجرائم العنيفة بدل التركيز على مكافحة التجسس والتهديدات السيبرانية

ويعتقد الكاتبان أن الأولويات الاستخبارية للإدارة الأميركية الحالية تخضع للدوافع السياسية، فأجهزة المخابرات تعرضت للضغط بغية إعادة توجيه تركيزها صوب القضايا المفضلة سياسيا للرئيس، عوضا عن التهديدات الحقيقية. وليس أدل على ذلك من قيام مكتب التحقيقات الفدرالي تحت قيادة مديره كاش باتيل، بتحويل اهتمامه إلى الهجرة والجرائم العنيفة بدل التركيز على مكافحة التجسس والتهديدات السيبرانية.

فقدان المصداقية والثقة العالمية

لقد أضر التسييس بسمعة الاستخبارات الأميركية على الصعيد المحلي وبين الحلفاء، حتى إن الشركاء الدوليين قد يترددون في مشاركة معلوماتهم الاستخباراتية مع واشنطن إذا ما رأوا أن النظام الأميركي متلاعب به وغير جدير بالثقة.

وأدى تقرب ترامب من أصحاب نظريات المؤامرة والمعلقين السياسيين من أمثال الناشطة اليهودية لورا لومر والمذيع دان بونجينو، إلى تآكل ثقة الجمهور في مجتمع الاستخبارات.

ويحذر كاتبا المقال من أن لهذه الممارسات أثرا تراكميا خطيرا، لأن الرئيس قد لا يتلقى التقييمات الصادقة والدقيقة المطلوبة التي تعينه على تجنب الأخطاء الإستراتيجية، وهذا بدوره يزيد من خطر إساءة تقدير الخصوم أو تجاهل الإشارات على قرب شن هجمات أو اندلاع أزمات.

شاركها.
Exit mobile version