6/8/2025–|آخر تحديث: 19:33 (توقيت مكة)
بعد 14 عاما من حرب أهلية ضروس، تجد سوريا نفسها اليوم في قلب صراع جديد، لكنه ليس بين أطراف محلية هذه المرة، بل بين 3 قوى عظمى هي الولايات المتحدة وروسيا والصين، التي تتسابق جميعها على النفوذ في هذه الدولة التي تتعافى ببطء من خراب طالها ردحا من الزمن.
وفي حين تحاول الحكومة السورية الجديدة، التي تشكلت بعد 14 عاما من الحرب الأهلية الوحشية، لملمة شتات البلاد، تجد نفسها عالقة داخل مواجهة بين الشرق والغرب، بحسب مقال تحليلي في صحيفة (آي بيبر) البريطانية.
وأشار جورجيو كافيرو الرئيس التنفيذي لشركة “غالف ستيت أناليكتيكس” الاستشارية لتحليل المخاطر الجيوسياسية، ومقرها في واشنطن العاصمة، إلى أن سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 شكّل نهاية لحقبة دامت عقودا، وأتاح فرصة نادرة لقوى دولية كانت لعقود خارج التأثير المباشر في سوريا.
وأمام هذا الفراغ، تسعى واشنطن وموسكو وبكين إلى فرض قواعد جديدة للنفوذ داخل سوريا الجديدة، التي باتت تُدار من قبل حكومة بقيادة أحمد الشرع، الزعيم السابق لهيئة تحرير الشام.
فرصة تاريخية لواشنطن
ظلت الولايات المتحدة، طيلة العقود الماضية، تحاول إدخال سوريا ضمن مجال نفوذها، دون نجاح. لكن واشنطن تجد نفسها اليوم -بحسب تحليل الصحيفة- أمام فرصة تاريخية لتحقيق هذا الهدف، مستفيدة من تحوّل القيادة الجديدة في دمشق، التي أعلنت انفتاحها على الغرب، وقطعت فعليا علاقاتها بالمحور الإيراني الروسي.
وقال كافيرو إن هذا التحول قلّص بشدة من نفوذ روسيا والصين في سوريا ما بعد الأسد، وهو ما تسعى الدول الغربية لاستغلاله عبر تعميق العلاقات مع دمشق.
وأعرب الكاتب عن اعتقاده بأن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية ولقاءه مع الشرع، وما أقدمت عليه واشنطن ودول أوروبية من رفع معظم العقوبات عن سوريا، لم تكن مجرد بادرة رمزية، بل إشارة إلى تأسيس علاقة جديدة محكومة بمصالح متبادلة، ولكنها غير متكافئة.
فدمشق التي تسعى إلى ترميم اقتصادها المنهار، تدرك أن بقاءها يعتمد جزئيا على دعم واشنطن، لكنها لا تريد الارتهان التام لها.
الخيار الوحيد للاستقرار
بيد أن مارينا كالكولي أستاذة العلاقات الدولية بجامعة ليدن في هولندا، صرحت لصحيفة “آي بيبر” بأن الشرع “دخل في نظام التبعية الأميركي” لأنه رأى أن ذلك هو “الخيار الوحيد للبقاء في الحكم وتحقيق الاستقرار لنظامه وبلده”.
وأضافت: “من أجل ذلك، عليه إبقاء روسيا خارج سوريا، والتخلص من كل ما تبقى من الإرث الروسي، وبالطبع عدم السماح بأي نفوذ صيني”.
موسكو تبحث عن موطئ قدم
وفقا للمقال التحليلي، تدرك روسيا أن خسارة الأسد لا تعني بالضرورة خروجها التام من سوريا، لكنها ضربة إستراتيجية موجعة. فوجودها العسكري، ولا سيما في قاعدة طرطوس البحرية، كان أساسا لتحركها في شرق المتوسط وشمال أفريقيا.
وتسعى موسكو حاليا إلى الحفاظ على الحد الأدنى من النفوذ عبر القنوات الدبلوماسية، بحسب كافيرو الذي أشار إلى أن لقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو حمل في طياته رسائل مزدوجة، فمن جهة تريد سوريا أن تقف روسيا إلى جانبها، ومن جهة أخرى تحرص موسكو على الحفاظ على علاقتها مع دمشق، ولو بأشكال رمزية أو غير مباشرة.
الصين والفرص الاستثمارية
لطالما قدمت الصين دعما غير عسكري للنظام السابق، وهو ما قد يعقّد علاقتها بدمشق. ومع ذلك، تسعى بكين إلى توسيع نفوذها في سوريا ما بعد حزب البعث.
ولما كانت سوريا بحاجة إلى مئات المليارات لإعادة الإعمار بعد 14 عاما من الحرب، فلن تكون في موقع يسمح لها برفض تمويل من الصين أو من دول أخرى تمتلك الموارد المالية، طبقا لمقال الصحيفة.
ولا يبدو أن دعم الصين وروسيا السابق للأسد قد أثار عداءً مفتوحا من القيادة الحالية، إذ تبدو دمشق منفتحة على التعامل مع أي دولة تسهم بشكل بنّاء في عملية إعادة الإعمار.
ومع أن درجة انخراط الصين في الشأن السوري لا تزال غير واضحة -كما يقول الكاتب- فإنها لا تقل طموحا عن منافستيها: أميركا وروسيا. ففرص الاستثمار الهائلة في إعادة إعمار سوريا تمثل دافعا أساسيا لبكين، التي تسعى إلى إدخال دمشق ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.
وتجلى هذا الاهتمام في اجتماعين رفيعي المستوى بين مسؤولين صينيين وسوريين في دمشق في 21 فبراير/شباط و26 مارس/آذار.
جورجيو كافيرو: دمشق التي تسعى إلى ترميم اقتصادها المنهار، تدرك أن بقاءها يعتمد جزئيا على دعم واشنطن، لكنها لا تريد الارتهان التام لها.
السير على حبل مشدود
رغم هذه التعقيدات، لا تبدو الحكومة السورية الحالية راغبة في الانجرار إلى صراع القوى العظمى أو أحلاف ثابتة أو خصومات حادة، كما ورد في تصريح السفير اللبناني السابق لدى كندا مسعود معلوف للصحيفة البريطانية.
ومن المرجح أن تظل دمشق منفتحة على أي جهة مستعدة للمساهمة في الإعمار، شرط ألا تفرض شروطا تمس جوهر السيادة السورية.
وختم كافيرو مقاله مشيرا إلى أن إعادة تموضع سوريا ما بعد الأسد، لا تُعد -في نهاية المطاف- إعلان ولاء بقدر ما هي محاولة مدروسة للبقاء، تسعى دمشق من خلالها الحفاظ على سيادتها “الهشة” في خضم التنافس المحتدم بين القوى العظمى.