|

حللت صحف أميركية اليوم تبعات قرار الرئيس دونالد ترامب وضع قوات الحرس الوطني بدلا من شرطة واشنطن العاصمة، في خطوة مقلقة عدها البعض بداية تحول البلاد إلى دولة بوليسية.

وقال ترامب أمس الاثنين إنه سيضع إدارة الشرطة في واشنطن العاصمة تحت السيطرة الاتحادية وسيأمر الحرس الوطني بالانتشار هناك بهدف “إرساء القانون والنظام والسلامة العامة في واشنطن”، وفق ما صرح به لصحفيين في البيت الأبيض.

وأضاف “لقد استولى على مدينتنا عصابات عنيفة، ومجموعات من الشباب الجامحين، والمدمنين والمشردين، ولن نسمح بحدوث ذلك مرة أخرى.”

“جحيم حضري”

ووفقا لتقرير نيويورك تايمز، استند ترامب إلى إحصائيات قديمة عن مستويات الجريمة للتنديد بارتفاع معدلات القتل في العاصمة متجاهلا الانخفاض الكبير في معدلات الجرائم العنيفة التي شهدتها المدينة مؤخرا.

وأشارت الشرطة المحلية إلى أن معدل الجرائم العنيفة انخفض بنسبة 35% من عام 2023 إلى عام 2024، بعد أن ارتفعت الجرائم بشكل ملحوظ في 2023.

وفي خطابه الذي وصفته الصحيفة بأنه يحمل لغة تحريضية، وصف ترامب العاصمة بأنها “جحيم حضري” تعج بالعصابات الإجرامية واليافعين الخارجين عن القانون، وحمّل الديمقراطيين مسؤولية الفوضى المزعومة، بسبب ما وصفه بتراخيهم في مواجهة الجريمة.

أنصار ترامب اقتحموا مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني 2021 (رويترز)

وأبرز التقرير أن ترامب تعمد تجاهل تاريخ تدخله السابق في واشنطن، حيث سبق أن أصدر عفوا شاملا عن مئات المشاركين في اقتحام الكابيتول في 2021، وقبل ذلك بعام واحد نشر أكثر من 5 آلاف من الحرس الوطني لقمع المتظاهرين السلميين بالعاصمة، وهو ما اعتبره كثيرون فشلا ذريعا.

ووفق التقرير، تعتمد إدارة ترامب على قانون “دي سي هوم رول” الذي أقره الكونغرس عام 1973، والذي يمنح الرئيس صلاحية السيطرة مؤقتا على شرطة العاصمة لمدة 30 يوما، لكن التقرير يلفت إلى غموض التفاصيل العملية لتطبيق هذا القرار، خصوصا فيما يتعلق بتوزيع أفراد الشرطة وقوات الحرس الوطني في أنحاء المدينة.

الإحصائيات

وفي تقريرها حول القرار، استعرضت واشنطن بوست إحصائيات تخالف ادعاءات ترامب، بناء على بيانات من وزارة العدل الأميركية وشرطة العاصمة.

وحسب الصحيفة، انخفضت معدلات جرائم القتل في الولايات المتحدة عام 2024 إلى أدنى مستوى منذ عقود، حيث تراجعت بأكثر من 30% وفق بيانات من أكثر من 100 قسم شرطة في المدن الكبرى.

كما انخفضت نسبة اعتقال القاصرين إلى نحو 439 حالة اعتقال لكل 100 ألف، بانخفاض يقدر بنسبة 7% عن 2023، لتصل النسبة إلى معدل يقل 5 مرات مقارنة بعام 1997.

وأكدت واشنطن بوست، على غرار نيويورك تايمز، أن ترامب اعتمد على إحصائيات قديمة لا تعكس الواقع الآن، بجانب بعض القصص لجرائم عنيفة ودموية -مثل حادثة قتل شاب موظف- بهدف إثارة عواطف المستمعين وتعظيم الخطر بعيونهم.

مظاهرة بعنوان “لا ليوم الملوك” في يوم الرؤساء بواشنطن احتجاجا على سياسات الرئيس دونالد ترامب (أسوشيتد برس)

وأوضحت أن اعتقالات القاصرين في واشنطن خلال عام 2025 بلغت نحو 900 حالة بانخفاض يقارب 20% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، في حين ارتفعت نسبة الاعتقالات في مدن بالتيمور (47%) ونيويورك (11%) وشيكاغو، رغم أن إجمالي معدلات الجريمة العنيفة هناك أيضا في انخفاض.

ووفق تحليل الصحيفة، دمج ترامب بين مؤشرات الجريمة من مدن مختلفة وأزمنة مختلفة ليعطي صورة شاملة أكثر سوداوية عن واشنطن مما تعكسه البيانات الحالية.

وفي افتتاحيتها أضافت واشنطن بوست أن نشر ترامب الحرس الوطني يعد استعراضا مؤقتا للقوة ولا يقدم حلا جذريا لمشكلة الجريمة، التي تتطلب التزاما جادا من الإدارة الفدرالية والكونغرس والمجلس المحلي والمدعين العامين والقضاة.

وأضافت أن حل مشكلة الجريمة في المدينة يتطلب زيادة دائمة في عدد عناصر الشرطة، خاصة بعد أن انخفض عددهم عام 2023 إلى أدنى مستوى منذ نصف قرن (نحو 3350 ضابطا).

طبقا للإحصائيات الأميركية العام الماضي قفز عدد المشردين في الولايات المتحدة إلى 771 ألفا و480 شخصا (الأوروبية)

وتابعت الصحيفة أن واشنطن أحرزت تقدما في محاسبة الجانحين من الشباب بعد إقرار قانون “سيكيور دي سي” العام الماضي، الذي سهّل مقاضاة جرائم معينة وسمح باحتجاز القاصرين الذين يرتكبون جرائم خطيرة، وهو تحول سياسي مهم في ولاية كانت تتساهل سابقا معهم.

ترامب رئيس الشرطة

وبدورها، أشادت افتتاحية وول ستريت جورنال بخطوة ترامب في فرض السيطرة الفدرالية على شرطة واشنطن، معتبرة أن “تنظيف” العاصمة من الجريمة والفوضى أولوية قصوى.

وأضافت أن فشل السيطرة المحلية يبرر تدخل الحكومة الفدرالية في العاصمة، خاصة في ظل “تصاعد معدلات العنف وعدم قدرة السلطات المحلية على مواجهة التحديات الأمنية بشكل فعال”.

وشددت على ضرورة خطوة الرئيس، خاصة مع تبني واشنطن قوانين تتيح التصويت لغير المواطنين ودعمها سياسات “الملاذ الآمن” التي تعرقل إنفاذ قوانين الهجرة الفدرالية.

وعبرت الصحيفة عن إعجابها بأن ترامب، الذي يروج لنفسه كرجل أعمال، بات الآن رئيس الشرطة الأعلى في العاصمة، وأكدت أن “تنظيف المدينة من مخيمات المشردين العشوائية وتحسين أمن الأماكن العامة للسكان والسياح” سيكون إنجازا يستحق الشكر.

دوريات الحرس الوطني الأميركي بمحيط مبنى الكابيتول في 5 مارس/آذار 2021 (الفرنسية)

صعود الدولة البوليسية

وفي تقرير منفصل، انتقد مراسلو وول ستريت جورنال بشدة تدخل القوات العسكرية في مهام الشرطة داخل الأراضي الأميركية، معتبرين أن خطوة نشر الحرس الوطني في واشنطن تمثل تصعيدا مثيرا للجدل، وتوسعة لدور الجيش.

وذكر التقرير أن القانون الأميركي المعروف باسم “قانون بوسي كوميتاتس” يمنع عادة استخدام الجيش في تطبيق القانون داخل البلاد إلا في حالات محددة وقانونية نادرة، ولكن ترامب استخدم في ولايته الثانية الحرس الوطني والجيش في عدة مناسبات منها إرسال مشاة البحرية وقوات الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس لمواجهة احتجاجات تندد باعتقالات المهاجرين، واستخدام طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المحتجزين خارج البلاد.

وفي مقاله بصحيفة إنترسبت، قال الكاتب رادلي بالكو -وهو صحفي وكاتب متخصص في شؤون العدالة الجنائية- إن خطوة الرئيس ترامب تُعد اختبارا لمدى قدرته على توسيع سلطاته، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا للديمقراطية الأميركية، وينذر ببناء دولة بوليسية داخل الولايات المتحدة.

وبرأي بالكو فإن هذه التحركات لا تعد استجابة حقيقية لارتفاع معدلات الجريمة، بل هي محاولة لترهيب المعارضين وقمع الاحتجاجات وفرض سيطرة مركزية قوية على المدن التي تحكمها قيادات ديمقراطية.

الإدارة الفدرالية نشرت الحرس الوطني ومشاة البحرية في كاليفورنيا بعد مواجهات عنيفة بين متظاهرين ضد سياسة الهجرة ومكافحة الشغب (الفرنسية)

والدولة البوليسية التي يحذر منها بالكو هي نظام تُستخدم فيه الشرطة والقوات المسلحة لقمع الحريات المدنية، وفرض السيطرة على السكان بقوة السلاح والترهيب، مما يهدد الحريات الأساسية والديمقراطية.

مستقبل غامض

وحسب موقع ذا هيل الأميركي، أعرب عدد من السياسيين الديمقراطيين ومجموعات الحقوق المدنية عن قلقهم البالغ من قرار ترامب، معتبرين إياه استعراض سياسيا للقوة يهدف إلى استخدام الجيش ضد المدنيين، وهو ما يشير إلى ميول استبدادية وتجاوزات في استخدام السلطة.

وتساءل الموقع ما إذا كان ترامب سينسحب بالفعل بعد 30 يوما أم لا، كما أشار إلى غموض مفهوم النجاح لدى ترامب، الذي قال في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي إن الجريمة و”الوحشية والقذارة والهمجية” ستختفي من العاصمة تماما، دون أن يوضح معيارا لذلك.

المصدر: إنترسبت + نيويورك تايمز + واشنطن بوست + وول ستريت جورنال

شاركها.
Exit mobile version