رام الله- شيئا فشيئا يضيّق المستوطنون الخناق على عشرات العائلات الفلسطينية من عرب الجهالين في تجمّع عين أيوب البدوي غرب مدينة رام الله، مما اضطرهم إلى حزم أمتعتهم والعزم على الرحيل.

ويعتمد سكان التجمعات الفلسطينية المتناثرة في المنطقة “ج” غالبا على الزراعة وتربية الماشية، حيث المراعي والأراضي الزراعية، لكنهم ومواشيهم وأراضيهم باتوا هدفا للمستوطنين بنشر ما بات تُعرف بـ”البؤر  الرعوية”، حيث يعيش المستوطن حياة المزارعين الفلسطينيين بتفاصيلها.

واتسعت في الشهور الأخيرة ظاهرة سرقة مواشي الفلسطينيين في التجمعات البدوية والقروية بهدف الضغط عليهم لإجبارهم على الرحيل والاستيطان مكانهم.

مواطنون من عرب الجهالين رحّلوا أغنامهم وفككوا حظائرها في تجمّع عين أيوب غرب رام الله (مواقع التواصل)

مصيبة كبرى

“نحن في مصيبة كبرى، منذ شهر نعاني دون أن يتلفت إلينا أحد، منذ السبت زاد الوضع على حده”، هكذا يلخص الفلسطيني عبد الله الجهالين حال سكان التجمع المحاذي لقرية دير عمار نتيجة اعتداءات المستوطنين، والتي ازدادت بعد أن حل بجوارهم مستوطن بدأ ينفص سمومه منذ نحو 10 أيام.

ويضيف الجهالين في حديثه للجزيرة نت “لم نعد قادرين على التحمل، على بعد 50 مترا حل مستوطن بأبقاره وحميره مع حماية عسكرية يراقبنا على مدار الساعة ويهددنا ويحدد مهلة تلو الأخرى للرحيل، أصبحنا سجناء في البيوت، ولم نعد نأمن على أطفالنا وعيالنا وأغنامنا”.

ووفق الجهالين، فإن عين المستوطن على أغنام التجمع، وفي اقتحامات عدة سأل عنها وحاول سرقتها، لكن احتشاد أصحابها أفشل السرقة.

ومع استشعارهم بتزايد الخطر استنادا إلى تجربة عشرت التجمعات الأخرى اضطر السكان إلى ترحيل أغنامهم لمكان آمن في قرية دير عمار القريبة، وألحقوا بها مستلزماتها من حظائر وأعلاف، لكنهم أبقوا على مساكنهم إلى أن تحين ساعة الفراق التي قد تبدو قريبة بعد هجوم أسفر عن حرق أحدها مساء أول أمس السبت، وعودة الجيش مساء الأحد ليعلن التجمع منطقة عسكرية مغلقة ثم العودة مجددا في ساعة متأخرة من مساء اليوم نفسه لينذر السكان مجددا بالرحيل.

ويوضح المواطن الفلسطيني أن سكان القرية -وعددهم نحو 130، بينهم 80 من الأطفال- في حالة حذر وترقب تحسبا لاعتداء جديد من المستوطنين.

سرقة المواشي

سرقة أغنام وأبقار الفلسطينيين من قبل المستوطنين ليست حالات فردية أو شاذة، بل أصبحت ظاهرة شائعة ومنظمة ومحمية من الجيش تتشابه تفاصيلها في كافة التجمعات، كما توثقها مقاطع فيديو نشرها مواطنون وناشطون أجانب، وتؤكدها تقارير منظمات حقوقية.

وتشير توثيقات منظمة “البيدر للدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة” إلى تفاقم الظاهرة في النصف الأول من العام الجاري، وفي مناطق متفرقة من المنطقة المصنفة “ج” الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، والبالغة نحو 60% من مساحة الضفة الغربية.

وتكشف المنظمة عن سرقات واسعة للماشية في التجمعات البدوية بمنطقة الأغوار الشمالية بشكل خاص، إضافة إلى تسجيل حالات قتل وتسميم للماشية.

وأوضح المشرف العام على المنظمة حسن مليحات -في حديثه للجزيرة نت- أن قرابة 7 آلاف رأس من الماشية تمت سرقتها من قبل المستوطنين من التجمعات البدوية في الأغوار خلال الأشهر الستة الماضية، منها نحو 5 آلاف رأس من الأغنام وألفا رأس من الأبقار.

وأضاف مليحات أن عمليات السرقة تركزت بشكل رئيسي في الأغوار الشمالية والوسطى، خاصة في القرى القريبة من المستوطنات والمناطق ذات الرقابة الأمنية الضعيفة خلال الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى يونيو/حزيران الماضي.

قوات الاحتلال أعلنت مساء الأحد تجمّع عين أيوب البدوي منطقة عسكرية مغلقة (الجزيرة)

ضرب المجتمعات البدوية

وعن الأثر الاقتصادي والاجتماعي لتلك السرقات يشير مشرف المنظمة إلى خسائر مباشرة بملايين الدولارات بالنظر إلى قيمة المواشي المسروقة، فضلا عن تدهور مستوى الأمن الغذائي، حيث تعتمد الأسر البدوية على الماشية كمصدر رئيسي للحوم والحليب ومنتجات الألبان.

وأشار إلى ما يرافق السرقات من زعزعة الاستقرار للاجتماعي والاقتصادي، مع التسبب في حالة من الخوف والقلق بين المربين، ودفعهم إلى الهجرة بحثا عن الأمن وحماية مصادر الرزق.

ويكشف مليحات عن غايات عديدة لسرقة المستوطنين المواشي، بينها سعي المستوطنين إلى توفير المال عبر بيع المواشي في الأسواق أو تهريبها للخارج، إضافة إلى الهدف السياسي بممارسة الضغط لخلق حالة من الإضعاف والتهميش للسكان البدويين.

واعتبر مليحات سرقة 7 آلاف رأس ماشية خلال فترة زمنية قصيرة “ضربة كبيرة للتجمعات البدوية في الأغوار تهدد استمراريتهم وتعوق قدرتهم على الصمود في وجه الظروف الصعبة”.

دعوة للحماية

وقال مليحات إن المطلوب على الفور تعويضات مالية وعينية للمزارعين والمربين للحد من الانهيار الاقتصادي، وتعزيز الأمن والحماية في مناطق التجمعات من خلال دوريات مشتركة وتعاون مع المنظمات الحقوقية، وتوثيق الاعتداءات بدقة بالتعاون مع جهات محلية ودولية لضمان محاسبة المتسببين، ودعم برامج التنمية المستدامة التي تركز على بناء بنية تحتية قوية للمياه والزراعة والرعي.

ووفق مليحات، فإن عدد التجمعات البدوية في الضفة الغربية يبلغ 212 تم تهجير 64 تجمعا منها ليصل تعداد سكانها إلى 9 آلاف نسمة.

ووفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الحكومية الفلسطينية، فإن المستوطنين حاولوا خلال يوليو/تموز الماضي إقامة 18 بؤر استيطانية جديدة، في حين نجحوا فعليا في إقامة 23 بؤرة -معظمها رعوية- في النصف الأول من عام 2025.

وتوضح معطيات الهيئة أن المستوطنين نفذوا 2619 اعتداء في الضفة منذ مطلع العام الجاري تسببت في استشهاد 8 فلسطينيين وإتلاف نحو 14 ألفا و900 شجرة، منها نحو 7800 شجرة زيتون.

شاركها.
Exit mobile version