موسكو- أنهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء، زيارة رسمية إلى بكين امتدت 4 أيام بدعوة من نظيره الصيني شي جين بينغ، حيث شارك كذلك في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، وحضر عرضا عسكريا بمناسبة الذكرى الـ80 للانتصار على اليابان ونهاية الحرب العالمية الثانية.

وفي مؤتمر صحفي لخص فيه نتائج الزيارة، وصف بوتين مبادرة الرئيس الصيني لضمان المشاركة المتساوية لجميع الدول في الحوكمة العالمية بغض النظر عن حجمها وقوتها، بأنها جاءت بالوقت المناسب، في وقت بدأت تتبلور فيه معالم عالم متعدد الأقطاب، مضيفا أن “هذا لا يعني بالضرورة ظهور قوى مهيمنة جديدة”.

وشدد على أن دول منظمة شنغهاي لا تفكر في “التغلب” على أحد، بل تسعى إلى تنظيم عملها على أفضل وجه ممكن، وأن وحدة جميع الدول المجتمعة في الصين تُظهر موقفا إيجابيا وثقة في تحقيق الأهداف، وأن الوثائق التي اعتُمدت خلال الزيارة تستهدف المستقبل، وأنه يجب حل اختلالات التجارة العالمية من خلال المفاوضات.

توقيت حرج

وبخصوص أوكرانيا، قال بوتين إن “جميع محاولات روسيا لحل القضية سلميا قد فشلت، وإن أولئك الذين تجاهلوا تماما مصالح موسكو في المجال الأمني ​​هم المسؤولون عن المأساة في كييف”.

وأضاف أنه “إذا كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مستعدا، فليأتِ إلى موسكو وسيُعقد الاجتماع”،  وأنه لم يستبعد أبدا إمكانية عقده”، وتساءل “ولكن هل هناك أي جدوى منه، كون الدستور الأوكراني لا ينص على أي سبيل لتمديد صلاحيات زيلينسكي، والأحكام العرفية لا تعني تمديدها؟”.

وجاءت زيارة بوتين إلى بكين في وقت حرج بالنسبة للتسوية السياسية بخصوص أوكرانيا، واستمرت 4 أيام، وهي مدة طويلة على غير العادة بالنسبة للرئيس الروسي. كما أن الكرملين وصفها بأنها “غير مسبوقة حقا” لحليف موسكو الأهم.

ويرى محللون روس أن أهم أهدافها هو توحيد مواقف البلدين بشأن الحرب في أوكرانيا في ظل جهود أميركية لإنهاء القتال، ولكن بموازاة تهديدات بتشديد العقوبات على روسيا في حال واصلتها.

الرئيس الصيني (يمين) أثناء ترحيبه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

طوق نجاة

وحسب محلل الشؤون الدولية، ديمتري كيم، فإن الزيارة جاءت في توقيت مهم بالنسبة لموسكو وبكين للحديث عن مسار الحرب ومدى احتمالية توقفها في المستقبل القريب. وأضاف للجزيرة نت أن روسيا تريد معرفة ما إذا كان بإمكانها توقع أي مساعدة إضافية من الصين، وكيف سترد بكين إذا طلبت الولايات المتحدة منها الضغط عليها لإنهاء القتال.

ويرى أن على الرئيسين الروسي والصيني مقارنة وجهات النظر والتأكد من توافقهما، وهو أمر في بالغ الأهمية والحساسية لأن الحرب أصبحت إحدى الركائز الأساسية لعلاقتهما.

وأشار إلى أن بكين برزت كطوق نجاة اقتصادي لروسيا خلال الحرب على أوكرانيا، وقد زادت كييف صراحة من تصريحاتها بشأن ما تصفه بالمساعدة الصينية المباشرة للمجهود الحربي لموسكو.

وازدادت أهمية الصين بالنسبة لروسيا -وفق المحلل كيم- في ظروف الحرب والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، كشريك إستراتيجي في السياسة الخارجية والأمن على المستوى العالمي، فضلا عن الجانب الاقتصادي حيث تُعد الشريك الأكبر في هذا المجال.

في الوقت ذاته، يشير المتحدث إلى أن الصين أيضا تحتاج إلى روسيا كشريك جيوسياسي واقتصادي، مع أنه يجب الاعتراف بأن دور موسكو في وضعها الراهن أقل بكثير في سياسة بكين بالمقارنة مع الدور الصيني في السياسة الروسية.

مصلحة الصين

من جانبه، يقول الباحث في المجلس الروسي للعلاقات الدولية ديمتري سوسلوف إن الصين -ولعدة أسباب- مهتمة بروسيا مستقرة وقوية وقادرة على أن تصبح مركز قوة مستقلا وثقلا موازنا في علاقات الشراكة والتنافس المعقدة مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وكأحد ضامني سياستها الخارجية المستقلة والمكتفية ذاتيا، ولذلك هي معنية بدعم موسكو بمختلف الأشكال بما يحفظ لها هذا الوضع.

ووفقا له، فإن روسيا تُعد مصدرا رئيسيا لبعض السلع للصين التي لا تستطيع شراءها من دول أخرى على الإطلاق مثل الأسلحة، أو بكميات كافية مثل النفط والأخشاب وأنواع أخرى من المواد الخام. ولهذا السبب، فإن بكين -حسب تقديره- لن تتخلى عن موسكو كشريك اقتصادي أيا تكن التهديدات تجاه مواصلة التعاون معها ودعمها.

وأشار الباحث سوسلوف إلى أن الصين لا تساعد روسيا على تجاوز العقوبات فحسب، بل تعتبر بمثابة سوق بديلة لها. ويمكن لموسكو أن تقول للغرب “إذا كنت لا ترغب في الشراء، فسيشتري الصينيون، وإذا كنت لا ترغب في البيع، فسيبيع الصينيون، أي أن بكين حلت محل أوروبا وواشنطن بالنسبة لروسيا”.

ويخلص إلى أن زيارة بوتين إلى بكين من المرجح أن تضيف أساسا جديدا للتحالف والتعاون المتبادل بين البلدين، في سعيهما نحو بلورة أسس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وقادر على مواجهة محاولات فرض الهيمنة الغربية، بما في ذلك ما يخص الرؤية الغربية لحل النزاع مع أوكرانيا.

شاركها.