4/8/2025–|آخر تحديث: 14:43 (توقيت مكة)
تتبع المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو ما سمحت به إسرائيل من مساعدات غذائية جوا وبحرا، بعد أن أحكمت إغلاق المعابر البرية ولم تفتحها إلا مرات قليلة، مؤكدا أن هدفها كان مجرد تهدئة الرأي العام وليس تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
وتحدث فيليو، وهو أستاذ جامعي بارز وخبير في قضايا الشرق الأوسط، في البداية عن عملية الإنزال الجوي التي تمت في قطاع غزة المحاصر في مارس/آذار 2024، مبرزا أن إسرائيل إنما تستخدم المساعدات كوسيلة للضغط على سكان غزة.
وذكر -في عموده بصحيفة لوموند- بأن الإنزال بالمظلات في مناطق النزاع هو “أقل الطرق فعالية لتوزيع” المساعدات الإنسانية، كما استنتج الجيش الأميركي من حملة الإنزال الجوي الضخمة التي نفذتها طائرات ثقيلة شمال العراق في ربيع عام 1991، لصالح الأكراد.
وقد تسببت عمليات الإنزال الجوي تلك في خسائر فادحة بين صفوف اللاجئين، حيث سحقت أعدادا كبيرة منهم تحت المظلات، ونشب خلاف دموي حول المساعدات، وفقدت طرود المساعدات في المناطق الملغومة، ولم يكن ذلك سوى حل مؤقت قبل أن يضمن تدفق الشاحنات أخيرا عملا إنسانيا جديرا بهذا الاسم.
مجزرة الدقيق
ورغم فشل عمليات الإنزال في شمال العراق، فقد جعل تصميم إسرائيل على استخدام المساعدات كوسيلة للضغط على سكان غزة، الإنزال الجوي خيارا، وبعد أن بلغ سعر كيس الدقيق الذي يزن 25 كيلوغراما ألف دولار، كانت مأساة “مجزرة الدقيق” يوم 29 فبراير/شباط 2024، عندما قتل 118 شخصا، إما برصاص الجيش الإسرائيلي أو بسحق الدبابات لهم، أو بموتهم دهسا في ذعر توزيع المساعدات الذي تحول إلى كابوس، حسب فيليو.
وتعهد رئيس الولايات المتحدة آنذاك جو بايدن بـ”زيادة هائلة في المساعدات الإنسانية”، إلا أنه عجز عن إجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يخضع لمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم حرب في غزة، على التراجع، فأطلق الجيش الأميركي حملة إنزال جوي، أُلقى خلالها ألف طن من المساعدات بالمظلات على مدى بضعة أسابيع.
ومع أن هذه الكمية خلال شهر لا تعادل سوى حوالي 40 شاحنة مساعدات، فقد انضمت المملكة المتحدة وفرنسا والأردن وإسبانيا إليها، ولكن تأثيرها يبدو إعلاميا أكثر مما هو عملي، وقد أسقطت طائرة إماراتية صندوقا من المساعدات تحطم بسبب عطل في المظلة، مرديا 5 فلسطينيين.
ألعاب الجوع
ولعدم فعالية الإنزال الجوي الظاهر لجأت الولايات المتحدة إلى حل آخر، بتوزيع المساعدات عن طريق البحر، عبر رصيف أُنشئ بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، فكان الفشل هناك أيضا ذريعا ومدويا، إذ لم يصل بعد شهر ما يكفي من الضروريات الأساسية ليوم واحد، وقد أعلنت الأمم المتحدة يوم 12 يونيو/حزيران أن 32، بينهم 28 طفلا دون سن الخامسة، قد ماتوا جوعا في قطاع غزة.
وبالفعل، أدى الهجوم الإسرائيلي على رفح إلى إغلاق آخر معبر مع مصر، كما تعرضت بضع عشرات من الشاحنات، التي كانت تدخل يوميا قطاع غزة، للنهب بشكل منتظم على يد عصابات إجرامية مدعومة من إسرائيل، ولم يستأنف التدفق الطبيعي لشاحنات المساعدات إلا خلال الهدنة القصيرة بين 19 يناير/كانون الثاني والثاني من مارس/آذار 2025، كما يقول فيليو.
واليوم تستبعد الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية من توزيع المساعدات من قِبل “مؤسسة” تمولها الولايات المتحدة ويحميها الجيش الإسرائيلي، وتتحول عمليات التوزيع هذه بانتظام إلى مذابح، سماها الفلسطينيون “ألعاب الجوع”، إلى أن أجبرت صور صادمة وشهادات دامغة عن المجاعة في غزة مؤخرا إسرائيل على تخفيف قبضتها بعض الشيء.
ومع ذلك، لا يزال عدد الشاحنات المسموح بدخولها أقل بكثير من الحد الأدنى لمستوى المعيشة للسكان، وقد بدأت عمليات إنزال جوي نفذتها الأردن والإمارات وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلا أنها تبقى أقرب إلى الدعاية الإعلامية، خاصة أن إجمالي المساعدات التي ألقتها إسبانيا مؤخرا بالمظلات لا تعادل سوى نصف حمولة شاحنة إنسانية واحدة، على حد تعبير فيليو.