يعتبر فشل حوار الأديان في تحقيق أهدافه الجوهرية انعكاسا صادقا لإخفاقات أعمق تطول النظام الدولي برمته، حيث لم تنجح المؤسسات الدينية في الارتقاء فوق السياسات الضيقة والمصالح القومية لتؤدي دورها.

تطرح هذه الرؤية النقدية الدكتورة عزة كرم، العالمة المصرية الهولندية المتخصصة في  الحوار بين الأديان والدبلوماسية الدينية في حديثها لبرنامج “المنطقة الرمادية”.

ووفقا لكرم، التي شغلت منصب الأمين العام لمنظمة “أديان من أجل السلام”، تحتاج حركة الحوار بين الأديان العالمية إلى وقت طويل للوصول لهدفها الجوهري في تحقيق ودعم وتشجيع التعايش السلمي بين الأديان.

وكشفت الخبيرة الدولية عن تناقضات عميقة تواجه الدبلوماسية الدينية المعاصرة.

وترى كرم التي تعتبر من أبرز الخبراء الدوليين في مجال الأديان، أن المشكلة تمتد لتشمل فشل المجتمع المدني والمكونات الدينية أيضا.

وأشارت إلى تسييس هذا مما جعله عاجزا عن أداء دوره كوسيط محايد في الصراعات الدولية، وباتت المؤسسات الدينية تعكس ما وصفته بالنظام الأبوي وكراهية النساء التي غزت الفضاء المدني والسياسي الأوسع.

وتقول الخبيرة الدولية إن الإنسان لم يتعلم بعد الرحمة التي تنبع من اجتماع الأديان والمتعلقة بالقدرة على احترام ودعم حقوق الإنسان لجميع البشر في جميع الأوقات.

وهنا تبرز مفارقة مؤلمة، وفقا لكرم، إذ إن التحيز المتزايد ضد النساء الذي نراه في المساحات السياسية العلمانية يتكرر أيضا في فضاءات الحوار بين الأديان، مما يؤكد أن هذه الأوساط تعكس بعضها البعض في نقاط القوة والضعف على حد سواء.

أما على مستوى البنية التنظيمية، فقد أوضحت الخبيرة أن النمط السائد داخل منظومة الأمم المتحدة هو التجزئة، حيث تُعالج كل قضية بمعزل عن الأخرى رغم ترابطها الطبيعي.

وعبرت عن أسفها لأن هذه التجزئة انتقلت إلى الأوساط الدينية أيضا، حيث أصبحت المنظمات غير الحكومية الدينية مجزأة أكثر في محاولتها تعزيز شراكتها مع الأمم المتحدة والأطراف الدولية الأخرى.

وترى أن هذا التطور يسلب المؤسسات الدينية إحدى نقاط قوتها الأساسية المتمثلة في تعاملها مع الإنسان بأكمله والمجتمع بأسره والنظام الحاكم بجميع جوانبه.

القضية الفلسطينية

وعند تناولها للقضية الفلسطينية كاختبار للدبلوماسية الدينية، ترفض كرم بشدة فكرة تقديم التعايش على حساب مواجهة الاحتلال، معتبرة ذلك تناقضا في المصطلحات.

وتؤكد بدلا من ذلك أن التعايش والاحتلال متصلان بشكل وثيق وأحدهما جزء من الآخر، مشيرة إلى أن الحركة العالمية للحوار بين الأديان ما زالت بحاجة لعملية إعادة هيكلة جذرية.

وفي هذا الإطار، تنتقد الخبيرة الدولية غياب الموقف الموحد بين القيادة الفلسطينية المسيحية والمسلمة بشأن ما يحدث، رغم أن الأذى يطولهم جميعا دون استثناء.

وتؤكد أن الاتحاد هو المعنى الحقيقي للسياسة والدبلوماسية والتعايش الحقيقي.

وتدعو كرم إلى تحول جذري في الحوار بين الأديان.

ووفقا لرؤيتها، يجب عدم جعل التفاعل بين الأديان خاضعا لسيطرة أي مؤسسة دينية معينة أو حكومة واحدة، بل تكون هناك خدمة منسقة للمجتمعات قائمة على احترام حقوق الإنسان للجميع.

وتعتقد الدكتورة كرم، أن الدبلوماسية القائمة على الدين تقف اليوم على مفترق طرق حاسم، فإما أن تخضع لإعادة هيكلة جذرية تجعلها قادرة على أداء دورها كضمير أخلاقي عالمي حقيقي، أو أنها ستبقى أسيرة للمصالح السياسية الضيقة وأداة في يد الأنظمة القمعية لتلميع صورتها أمام العالم.

|

شاركها.
Exit mobile version