لو كان رئيس الوزراء، فرانسوا بايرو، يأمل في أن تتجنب زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، إسقاط الحكومة الفرنسية بسبب منعها من الترشح للمناصب السياسية، فقد أخطأ تقديره خطأ فادحاً.

في الواقع، يبدو أن لوبان وحزبها «التجمع الوطني»، الذي يتصدر استطلاعات الرأي في فرنسا، سيلعبان دوراً حاسماً في عزل بايرو في تصويت بحجب الثقة، في الثامن من سبتمبر الجاري، وتصر لوبان وحزبها على استغلال الأزمة السياسية المتفاقمة، للضغط من أجل إجراء انتخابات برلمانية، واستقالة الرئيس إيمانويل ماكرون.

وسعياً منهما لفرض ضغوط على الميزانية بقيمة 43.8 مليار يورو، وهو أمر غير شعبي، راهن بايرو وماكرون فعلياً على أن لوبان، التي تتزعم أكبر حزب معارض في الجمعية الوطنية، ستشارك في التصويت، عندما دعوا إلى تصويت بحجب الثقة الأسبوع الماضي.

كان لهذه «المقامرة» بعض المنطق، وبما أن لوبان ممنوعة من الترشح للانتخابات، بسبب إدانتها بالاختلاس، وهو حكم لا يقبل الاستئناف إلا العام المقبل، فلماذا تخاطر بمقعدها البرلماني مسببة احتمال إجراء انتخابات؟ ألا تفضل أن تُحمّل معسكر ماكرون مسؤولية التخفيضات المالية المؤلمة؟

وهذا ليس ما رأته لوبان، فبعد ساعة تقريباً من إعلان تصويت الثقة، تعهدت بحشد قواها للإطاحة ببايرو، وألقت باللوم على ثماني سنوات من حكم ماكرون في تهديد بقاء فرنسا، وكتبت على منصة التواصل الاجتماعي «إكس»: «فقط حل الحكومة سيسمح للشعب الفرنسي باختيار مصيره، والمتمثّل في التعافي مع التجمع الوطني».

ووضع هذا حداً لأي تكهنات حول احتمال وجود صفقة بين بايرو ولوبان، وأصر النائب عن التجمع الوطني، لوران جاكوبيلي، على أنه ما كان ينبغي أن يكون هناك أي شك في الاتجاه الذي ستسلكه لوبان، وقال: «هؤلاء الناس يتصورون أن الآخرين دون المستوى مثلهم، لكن هذا يُظهر سوء فهم لمارين لوبان، التي ليست مثلهم».

بينما افترض كثيرون أن بايرو اختبر بطريقة ما موقف لوبان قبل الدعوة إلى التصويت، وواجّه رئيس الوزراء صعوبة في تفسير سبب عدم قيامه بذلك فعلياً، وأشار بشكل غير مقنع إلى حد ما، في مقابلة مع قناة «تي إف 1»، إلى أنه لم يفعل ذلك لأن قادة المعارضة كانوا «في إجازة»، وردت لوبان قائلة: إنها لم تتوقف عن العمل خلال الصيف.

خيارات قليلة

أعلنت الأحزاب اليسارية على الفور نيتها التصويت ضد بايرو، وهذا يعني أن حكومته في مهب الريح ما لم يحدث تراجع من عدد كبير من المشرعين.

ومن المقرر أن تلتقي لوبان ونائبها في قيادة حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا مع بايرو هذا الأسبوع، لكن الإشارات الصادرة عن الحزب تجعل من غير المرجح أن يتوصل الجانبان إلى اتفاق. وفي حال سقوط بايرو، يواجه ماكرون خيارات قليلة لخلافته، على الرغم من أن الشائعات تشير إلى أنه يفكر في تعيين وزير القوات المسلحة سيباستيان ليكورنو، ويقول التجمع الوطني وجهات أخرى تدعو إلى انتخابات جديدة، إن سيَاسيين متعاقبَين من يمين الوسط، والوسط، فشلا في إنهاء الأزمة السياسية المطولة، الناجمة عن قرار ماكرون الفاشل بالدعوة إلى انتخابات مبكرة العام الماضي.

برلمان مُعلّق

وفي استطلاع رأي أجرته مؤسسة «إيفوب» بعد خطاب بايرو، قال 63% من المشاركين إنهم يؤيدون العودة إلى صناديق الاقتراع، ووصلت هذه النسبة إلى 86% بين ناخبي التجمع الوطني.

لكن استطلاعات الرأي تُظهر أيضاً أن الانتخابات الجديدة قد تسفر عن برلمان معلق آخر، ولا أحد يعلم ما إذا كان ماكرون سيدعو بالفعل إلى انتخابات، فقد أدى تصويت العام الماضي المفاجئ إلى الجمود السياسي الحالي، وترك ندوباً عميقة في معسكره.

ودعا بارديلا، (29 عاماً)، والذي يتمتع بجاذبية تلفزيونية، ماكرون مراراً إلى التنحي عن منصبه على الرغم من المتاعب القانونية التي تواجهها زعيمة حزبه، وهو أمر ما كان ليفعله على الأرجح لولا موافقة لوبان. ولاتزال الأخيرة تسيطر بشكل كبير على استراتيجية اتصالات حزب التجمع الوطني، والتي يحاول الحزب تحسينها بعد أن أخطأ في مسألة خلافتها الشائكة في أعقاب الحكم القضائي مباشرة.

رئيسة للوزراء

إحدى النظريات هي أن لوبان أقرّت بأنها لن تتمكن من الترشح للرئاسة في المستقبل القريب، وتدرس خياراً بأن يعينها بارديلا رئيسة للوزراء إذا ترشح عن حزب التجمع الوطني لقصر الإليزيه وفاز. وفي الأثناء، نفى المتحدث باسم الحزب، جاكوبيلي، ذلك بشدة، قائلاً: «مارين لوبان لا تستسلم أبداً، لا يمكنها قبول أن زعيمة المعارضة لا تستطيع الترشح للانتخابات».

وفي حال إجراء تصويت جديد، رئاسي أو برلماني، تخطط لوبان لاستخدام جميع الوسائل المتاحة لها للترشح. وبعد فترة من الصدمة عقب قرار المحكمة، بدأت زعيمة اليمين المتطرف استشارة العديد من المحامين والخبراء القانونيين في الربيع، وفقاً لما ذكره مصدران مطلعان على استراتيجيتها القانونية في وقت سابق من هذا الصيف.

كما شرع كبار مساعدي لوبان في البحث عن مسار قانوني آخر لتمكين «بطلتهم» من الترشح، والذي يتضمن الطعن في دستورية حظرها الانتخابي أمام المحكمة الدستورية في البلاد.

وقال بارديلا لقناة «تي إف 1»، الأسبوع الماضي: «من الواضح أننا نستكشف جميع السبل القانونية حتى تتمكن مارين لوبان من الترشح حتى في حالة حل الحزب»، وأضاف: «هناك مسار قانوني، وعلى الرغم من ضيقه، فإن مارين لوبان تُناضل من أجله». عن «بوليتيكو»


رئيس مستقبلي

في حين أن حظر المحاكم الفرنسية لزعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، من الترشح للرئاسة عام 2027، يثير شكوكاً حول هوية الشخصين اللذين سينتهي بهما المطاف في حكومة حزب التجمع الوطني المستقبلية، سواء كانت لوبان في الرئاسة وجوردان بارديلا رئيساً للوزراء أو العكس، إلا أنه يجب تأكيد أن دوافعهما وأولوياتهما المختلفة تبدو متوافقة تماماً، وفي نهاية المطاف لا يجدي نهج لوبان، الأكثر ديغولية وشعبوية اقتصادياً، نفعاً إلا إذا أمكن جعله مستداماً مالياً. وسيضيف بارديلا، سواء كرئيس للوزراء أو كرئيس مستقبلي، جرعة ضرورية من الواقعية الاقتصادية إلى الحكم الفرنسي، فمن دون نمو واستثمار خاص، وخطة موثوقة لإبطاء ارتفاع الدَّين، لن تتمكن الدولة من حماية أحد.

لدى اليمين الفرنسي الآن شخصية مخضرمة تُطمئن الناخبين (لوبان) وأخرى شابة تعد بالإصلاح (بارديلا)، وقد يكون هذا المزيج مفتاحاً لمعالجة مشكلات فرنسا المزمنة، المتمثّلة في ارتفاع الدَّين، وضعف القدرة التنافسية، وتباطؤ النمو، وهروب مأساوي للمواهب، والتي لم يُكبح جماحها حتى الآن.

لقد أعادت فرنسا ابتكار نفسها من قبل، وإذا غادر الرئيس إيمانويل ماكرون الساحة السياسية، وتولى التجمع الوطني زمام الأمور، فقد يفعل ذلك مرة أخرى، وهذه المرة بمزيج فريد وواعد من نزعة لوبان للاقتصاد وبرنامج بارديلا الأكثر دعماً للسوق، وعلى أقل تقدير، سيكون لديها حكومة جديدة بتفويض ديمقراطي واضح ورأس مال سياسي كافٍ للتغيير، كما يقول مؤيدون للتجمع الوطني، والتغيير هو بالضبط ما تحتاج إليه فرنسا بإلحاح.

. في حال إجراء تصويت جديد، رئاسي أو برلماني، تخطط لوبان لاستخدام جميع الوسائل المتاحة لها للترشح.

. من المقرر أن تلتقي لوبان، ونائبها جوردان بارديلا، مع بايرو قريباً، لكن الإشارات الصادرة عن الحزب تجعل من غير المرجح أن يتوصل الجانبان إلى اتفاق.

شاركها.