سادت حالة من الحزن الشديد هايتي عند اشتعال النيران في فندق «أولوفسون»، الذي يُعدّ معلَماً ثقافياً ومعمارياً في عاصمة هايتي «بورت أو برنس»، ليلة الخامس من يوليو الجاري، فيما وصفته وسائل الإعلام المحلية بأنه رد من عصابات مسلحة على عملية للشرطة قامت بها في محيط الفندق.

ويُعدّ خراب الفندق، بالنسبة للكثيرين، مؤشراً صارخاً ومؤلماً إلى حالة عاصمة على وشك الانهيار، وأن ثقافة كانت نابضة بالحياة قد تتلاشى مع استمرار الجماعات الإجرامية المسلحة العنيفة في ممارسة الإرهاب.

رمز هايتي

كان هذا الفندق، وهو قصر فخم يعود تاريخه إلى القرن الـ19، يستقبل المشاهير، مثل الممثلة الأميركية الشهيرة إليزابيث تايلور، والمغني الإنجليزي الشهير ميك جاغر، والكاتب الإنجليزي غراهام غرين، وكان القصر، الذي تم بناؤه عام 1887 على طراز «خبز الزنجبيل» المزخرف، بمثابة نقطة جذب لأثرياء ومشاهير العالم في الستينات والسبعينات، ثم عاد إلى الحياة في الثمانينات كمركز لعازفي موسيقى «الفودو» المحلية وللمراسلين الأجانب.

لقد كان من الصعب على روّاد المكان السابقين، الذين كانوا مفتونين بسحره الحالم والخارق، مشاهدة الزخارف الخشبية البيضاء التي تشبه على الأغلب «الدانتيل» والتي تُزيّن الشرفات، وهي تحترق وتتحول إلى رماد.

وقال المؤرخ الهايتي والباحث القضائي، جورجس مايكل، الذي كان يُعرِّج على الفندق لدى عودته إلى المنزل في المساء: «لقد كان مكاناً رائعاً ومميّزاً، يفوق الزمان والمكان، وكنت أتناول فيه عشائي، وألتقي الكثير من الناس، لقد كان رمز هايتي، كما أنه بمثابة موطن لي».

بدأ البعض يحلم بإعادة بناء فندق «أولوفسون»، عندما تعود هذه المدينة المنكوبة إلى حالة مقبولة، لكنهم سيعجزون عن وضع خطط قوية للقيام بذلك، في الوقت الذي تترنح هذه الدولة الكاريبية، على نحو خطر، باتجاه «نقطة اللاعودة»، وهو تحذير أطلقه مسؤولون في الأمم المتحدة، مع استمرار ارتفاع عدد القتلى إلى الآلاف.

ترويع العاصمة

على مدى السنوات الأربع الماضية، دأبت الجماعات المناهضة للحكومة على ترويع «بورت أو برنس»، فأحرقت المنازل حياً تلو الآخر، وسيطرت على العاصمة، وعزلتها عن بقية البلاد، وأحكمت عصابة «تحالف من العصابات الإجرامية» قبضتها، في الأول من يونيو 2021، على جزء من الطريق الوطني الوحيد المؤدي جنوباً إلى المدينة.

وتم اغتيال رئيس الدولة آنذاك، جوفينيل مويس، في الشهر التالي، ما أثار أزمة سياسية حالت دون انتخاب حكومة، وجرى تشكيل مجلس رئاسي انتقالي، لإعداد الانتخابات بعد موجة جديدة من الهجمات التي مكنت العصابات من السيطرة على جزء كبير من وسط مدينة بورت أو برنس، ووفق أرقام الأمم المتحدة في يناير 2024، فقد نزح مليون شخص من بيوتهم، في حين تعرّض نحو 5600 للقتل على يد عصابات.

وبدأت الجماعات المسلحة باحتلال المنطقة القريبة من «أولوفسون»، في يناير من العام الجاري، وأجبرت السكان على الخروج من المنطقة، في حين أنها أجبرت موظفي الفندق على الفرار، وتم إغلاقه، واضطرت الجامعات الموجودة في الشارع ذاته إلى الإغلاق بعد ذلك، أو الانتقال إلى أماكن أخرى. ويقول السكان كانت هناك عملية أمنية للشرطة بالمنطقة في اليوم الذي تم تدمير الفندق، لكن سبب الحريق الذي اندلع في الفندق لايزال مجهولاً، وذلك لأن الاشتباكات جعلت من الخطورة بمكان على المسؤولين والصحافيين التحقيق في الموضوع.

خسارات متعاقبة

وقال المهندس المعماري الهايتي، دانييل إيلي، إن حرق الفندق كان «جزءاً من خسارات متعاقبة» شهدتها الثقافة الهايتية «التي تلاشت».

وأضاف: «كان (أولوفسون) واحداً من هذه الأمكنة النادرة، حيث يحاول عالمان الالتقاء معاً»، مبيناً أن الفندق كان جزءاً من «الحركة الأصيلة» الفنية والأدبية في هايتي في الفترة بين 1915 و1945، التي سعت إلى استعادة الإرث الإفريقي ورفع صوت وتقاليد السكان الريفيين في هايتي وواقعهم الذي يعيشونه.

وتابع إيلي: «تجلى كل ذلك في أماكن مثل فندق أولوفسون، لذا إلى جانب الهندسة المعمارية، يكتسب إرثه الثقافي أهمية أكبر»

هندسة معمارية

وكان هذا الفندق أحد أكثر الأمثلة جمالاً على الهندسة المعمارية التي تأخذ شكل خبز الزنجبيل، وهو أسلوب سائد في «بورت أو برنس» في النصف الثاني من القرن الـ19، وجرى استلهام المنازل الخشبية الفخمة التي تجمع بين عناصر الطرازين الكلاسيكي والقوطي الجديدين، من الاتجاهات المعمارية التي سادت أوروبا في ذلك الوقت.

وقال إيلي، وهو خبير رائد في الحفاظ على التراث أيضاً: «استولت الطبقة البرجوازية الأوروبية التي عززتها الثورة الصناعية، على الأنماط القديمة وأعادت ابتكارها، وكانت العائلات في هايتي ترسل أبناءها إلى أوروبا للدراسة في الجامعات ومدارس فن العمارة، ويجلبون معهم كل هذه الأفكار الجديدة». وتم استيراد بعض هذه المنازل، القطعة تلو الأخرى من أوروبا، وجرى تصميم الفندق من قبل مهندس معماري فرنسي يُعرف باسم: «السيد ليفري»، وتم تجميعه في هايتي من قبل بنّاء فرنسي.

وبخلاف العديد من المباني الحديثة، فقد نجت المنازل التي تأخذ شكل خبز الزنجبيل، مثل فندق «أولوفسون» من زلزال عام 2010، بفضل هيكله الخشبي المرن، لكن العديد من هذه المباني التي تحمل شكل خبز الزنجبيل، كان مصيرها الاندثار نتيجة زحف الطابع المدني عليها، ولم يبقَ منها هذه الأيام سوى بضع عشرات، وفق ما قال خبراء محليون، لكن نادراً ما تحمل أي منها ثقلاً تاريخياً، مثل فندق «أولوفسون».

وعلى مر السنين، استضاف الفندق رؤساء هايتيين، من فيلبرون غيوم سام عام 1915، إلى رينيه بريفال في العقد الأول من القرن الـ21، إضافة إلى موسيقيين ونجوم سينما ومؤلفين مشهورين، حتى إن الروائي غراهام غرين صوّر روايته «الكوميديون» (1966) في الفندق، وشارك لاحقاً في كتابة سيناريو فيلمها المقتبس عام 1967 من بطولة الممثلين تايلور والإنجليزي ريتشارد بيرتون.

وكما هو موضح في رواية غرين، كان فندق «أولوفسون» أيضاً وجهة مفضلة للنخبة الأجنبية الباحثة عن مغامرات غريبة، خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي.

تتذكر المصورة الفوتوغرافية ومخرجة الأفلام الوثائقية الفرنسية، شانتال ريغنولت، التي قالت إنها تأثرت بالطابع الاستعماري عندما أقامت هناك للمرة الأولى في عام 1979، قائلة: «كانت تلك لحظة أشبه بالسفر عبر الطائرات الخاصة، عندما كانت مجلة (فوغ) ترسل المصورين لتصوير عارضات الأزياء في الحدائق المورقة».  عن «الغارديان»


العصابات تسيطر على العاصمة

الفندق وجهة للكثير من المثقفين والفنانين من أنحاء العالم. عن المصدر

حذّر مسؤولون كبار في الأمم المتحدة، أمس، من أن عصابات هايتي سيطرت بشكل شبه كامل على العاصمة، وأن السلطات عاجزة عن وقف تصاعد العنف في جميع أنحاء هذه الدولة الكاريبية الفقيرة.

وأفادت المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، غادة فتحي والي، أن ما يقدر بنحو 90% من العاصمة «بورت أو برنس» بات الآن تحت سيطرة جماعات إجرامية توسع نطاق هجماتها، ليس في المناطق المحيطة بها فحسب، بل تتجاوزها لتشمل مناطق كانت تنعم بالسلام سابقاً.

وقالت والي إن سلطة الدولة في الحكم تتقلص بسرعة، مع اتساع نطاق سيطرة العصابات بتداعيات متتالية، وأضافت أن الجماعات الإجرامية تملأ الفراغ الناجم عن غياب، أو محدودية، الخدمات العامة، وتنشئ «هياكل حكم موازية»، وأن سيطرة العصابات على طرق التجارة الرئيسة شلت التجارة القانونية، ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار وقود الطهي، والأرز الغذاء الرئيس في هايتي.

عن «إن بي سي نيوز»


العالم عاجز عن مساعدة هايتي

1711037

موتلي دعت إلى دعم عالمي لهايتي. أ.ف.ب

كان استقرار هايتي موضوعاً مهماً للغاية بالنسبة لقادة «الكاريبي»، وعندما التقوا، خلال شهر يوليو الجاري، في قمة قادة الدول الكاريبية «الكاريكوم»، وفي افتتاحها للاجتماع، دعت رئيسة مجموعة «الكاريكوم» المنتهية ولايتها رئيسة وزراء باربادوس، ميا موتلي، إلى تقديم المزيد من الدعم العالمي لهايتي.

وقالت موتلي: «يحتاج العالم حقاً إلى مراجعة حساباته في ما يتعلق بهايتي، وإذا شككنا يوماً في وجود مواطنين من الدرجة الأولى ومواطنين من الدرجة الثانية في نظر العالم، فلاشك بعد الآن»، وأضافت موتلي أنه على الرغم من الخسارة الفادحة في الأرواح، وتشريد الناس، وانعدام الأمن الغذائي، فإن العالم لايزال عاجزاً عن التحرك بأكثر من الوعود والعبارات الفارغة التي لا يمكن أن تساعد شعب هايتي. وأكّدت موتلي أن قدرة الدول الكاريبية على معالجة وضع التصعيد محدودة للغاية، ودعت إلى «محادثات صريحة، سواء في سياق ما هو ممكن من منظور هايتي، أو ما هو ممكن من المجتمع الدولي».

عن «الغارديان»

. الفندق قصر فخم يعود إلى القرن الـ19.

. هايتي تتجه على نحو خطر إلى «نقطة اللاعودة».

شاركها.