ريف اللاذقية- بعد 10 أيام من انتشار الحرائق في عدة مواقع من جبال الساحل السوري، ورغم إعلان وزارة الطوارئ تراجع كثافة الدخان وانحسار بؤر النيران وبدء تنفيذ عمليات التبريد الشامل، ما تزال هناك فرضية تثور بين السوريين بأن هذه الحرائق إنما اشتعلت بفعل فاعل، وأن وراءها مخربين يتعمدون تأجيجها كلما أوشكت على الانطفاء.

ورغم نفي الحكومة في عدة تصريحات أن لا دلائل كافية على هذا الافتراض، فإن هناك صور لهذه الحرائق كتب عليها عبارات “لكم حرية التعبير، ولنا حرية التدمير، الأسد أو نحرق البلد” وهو ما قد يعزز فرضية أن هذه الحرائق متعمدة.

وبدوره علّق وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح، مبدئيا استياءه من هذه العبارات، وصدمته من رغبة البعض في تدمير البلاد، كما صرّح مساء أمس السبت عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس” بتمكن فرق الإطفاء من وقف امتداد النيران في غابات الساحل على كافة المحاور، واعتبرها “الخطوة الأهم نحو السيطرة على الحرائق”.

وجاء ذلك بعد أن التهمت ألسنة اللهب أكثر من 15 ألف هكتار في ريف اللاذقية الشمالي -بحسب الوزير- رغم جهود أكثر من 150 فريقا من فرق الدفاع المدني، وبمشاركة عدّة دول وفرق تطوعية، و300 آلية إطفاء، و16 طائرة، وقد تعاونت جميعها في تنفيذ عمليات الإخماد.

 

شكوك من الميدان

تبادل بعض المشاركين في عمليات الإطفاء ما يشتبهون في أنه يدلّ على أن الحرائق مفتعلة، ومن ذلك توزعها في أماكن متفرقة متباعدة، واندلاع بعضها بدخان أسود يشير إلى احتراق مواد نفطية، وهي فرضيات عززتها الحوارات التي دارت حول الموضوع في منصات التواصل.

غير أن وزير الزراعة الدكتور أمجد بدر صرّح لقناة الإخبارية السورية أمس بأنه “لا شيء يؤكد أن الحرائق مفتعلة، وأن هذا الأمر قيد التحقيق ولا يوجد دليل عليه”.

وخلال جولة للجزيرة نت في جبال التركمان، التي سجلت فيها مساحات حرائق واسعة، بدا واضحا تحوّل خضرة تلك الأراضي إلى سواد ممتد من جبال قسطل معاف حتى مدخل مدينة كسب الحدودية مع تركيا.

كما رصدت الجزيرة نت نشوب بؤر حرائق جديدة تمتد بسرعة في المنطقة، لكنها كانت متباعدة عن بعضها لمسافة وصلت أحيانا إلى 3 كيلومترات، مما أثار استغراب فرق الدفاع المدني، وجعل بعض المشاركين بعمليات الإطفاء يؤكدون أن هذه الحرائق مفتعلة نظرا لبُعد المسافات فيما بينها.

أكثر من 150 فريقا من الدفاع المدني السوري شاركوا بعمليات الإطفاء (الجزيرة)

بدوره قال نقيب المهندسين الزراعيين المركزي في سوريا مصطفى أحمد المصطفى للجزيرة نت إن “ما نشهده اليوم للأسف حرائق غير طبيعية، فالحريق عادة تكون بدايته مصحوبة بدخان أبيض، أما ما نراه في عدّة بؤر هو حرائق بدايتها سوداء اللون، ثم يتغير إلى الأبيض الطبيعي، وهذا دليل على إدخال مادة محروقات مثل المازوت” وأضاف “أعتقد أن الحرائق مفتعلة”.

واعتمد المصطفى في اعتقاده على أن “بؤر الحريق متفرقة وبعيدة عن بعضها، حيث يصل بُعد البؤرة عن الأخرى أكثر من كيلومترين اثنين، وهذا لا يمكن إلّا إذا كان مفتعلا ومقصودا”.

وتحدث للجزيرة نت أحد المتطوعين في عمليات الإطفاء، وقال “نقوم بمساندة ومساعدة الدفاع المدني في إطفاء الحرائق وفتح الطرقات لهم، حتى يتسنى لهم متابعة العمل، ورغم أننا استطعنا أمس إطفاء 99% من الحرائق، فإننا فوجئنا اليوم صباحا بحرائق جديدة في أماكن متفرقة”.

كما رصدت الجزيرة نت عدة آراء إضافية لعاملين ومشاركين في عمليات الإطفاء بجبال التركمان، ترى أن الحرائق مفتعلة، مستندة إلى عدّة أدلة، منها عشوائية أماكن الحرائق ووعورتها، مما يصعب وصول سيارات الإطفاء إليها، إضافة إلى تشكل خطوط بداية الاحتراق في عدة بؤر بشكل طولي وغير مجتمعة بمكان واحد.

الحرائق اندلعت في مناطق شديدة الوعورة مما صعب من عمليات الإطفاء (الجزيرة)

لا أدلة كافية

من جهته قال أحمد قزير معاون وزير الطوارئ وإدارة الكوارث -لمنصّة “تأكد” السورية- إنه رغم وجود مؤشرات تدفع للاعتقاد بأن هذه الحرائق قد تكون مفتعلة، فإن “الوزارة لا تملك أية أدلة قاطعة على ذلك” مشيرا إلى أن مسؤولية التحقيق بهذا النوع من القضايا تقع على عاتق وزارة الداخلية.

وأضاف أن توقيت الحرائق هذا العام يعد مبكرا مقارنة بالأعوام السابقة، إذ غالبا ما تبدأ حرائق الغابات في أغسطس/آب أو سبتمبر/أيلول، أما هذا العام فقد بدأت في يوليو/تموز، رغم أن درجات الحرارة لم تكن في ذروتها “وهو ما يدعم فرضية الفعل المتعمد”.

ومن جانبه، نفى وزير الداخلية أنس خطاب -في تصريح لوسائل الإعلام- وجود أي دليل يشير إلى أن هذه الحرائق مفتعلة.

وفي السياق الميداني، وصف عضو مجلس إدارة الدفاع المدني أحمد يازجي حال الحرائق والعمل على إطفائها بأنه “صعب” متحدثا عن طبيعة الأحراج الكثيفة جدا، وامتداد الحرائق إلى عدّة مناطق، فضلا عن وعورة تضاريس المنطقة ذات الوديان والمنحدرات.

كاسحة ألغام لإزالة مخلفات الحرب التي قد تنفجر أثناء احتراق الغابات بريف اللاذقية (الجزيرة)

ورغم صعوبة الوصول إلى مناطق النيران والمخاطر المحدقة حولها، أكد يازجي أن فرق الدفاع المدني عملت على قطع امتداد النيران عن طريق الآليات الثقيلة.

وأكّد في حديثه أنّ تغير سرعة الرياح واتجاهها يمنع التنبؤ بمعرفة توجّه النيران، مضيفا أن “هذه المنطقة بالتحديد صعبة، ونحن نحاول منع امتداد النيران إلى مناطق أخرى، بالتعاون مع الطيران المروحي الذي يساهم بعمليات الإطفاء، ومشاركة مع الدفاع”.

وتوضح التفسيرات التي قدّمها يازجي كثيرا من الشبهات التي حامت حول فرضية الحرق المتعمّد، والوقت الطويل الذي استغرقته عمليات الإطفاء، خصوصا تغيّر سرعة الرياح ووعورة التضاريس. لكن الموقف الحكومي يبقى واضحا في نفي أي دليل على أن هذه الحرائق ناجمة عن تخريب متعمد.

شاركها.
Exit mobile version