أنقرة- بعد تسليم حزب العمال الكردستاني أول دفعة من أسلحته ضمن خطته لنزع السلاح، تتحرك أنقرة لتشكيل لجنة برلمانية مشتركة للإشراف على تنفيذ المبادرة.

وأكد الرئيس رجب طيب أردوغان أن حكومته قررت المضي قدما في هذا المسار بالتعاون مع حزبي الحركة القومية والمساواة والديمقراطية للشعوب، مشددا على أن اللجنة ستبقى مفتوحة أمام جميع الأحزاب الراغبة في الانضمام إلى جهود صياغة الإطار القانوني للعملية وإعادة دمج عناصر العمال الكردستاني في الحياة المدنية والسياسية.

وتتزامن التطورات الميدانية الأخيرة مع تحركات لافتة داخل البرلمان التركي، حيث بدأ المجلس خطوات عملية لتشكيل لجنة برلمانية خاصة تعنى بمتابعة تنفيذ مبادرة نزع سلاح الحزب وإعادة دمج عناصره في الحياة المدنية.

اللجنة البرلمانية

في هذا السياق، دعا رئيس البرلمان نعمان قورتولموش، مطلع الأسبوع الجاري، قادة الكتل النيابية إلى اجتماع تحضيري موسع لبحث آلية تشكيل اللجنة ومهامها، في خطوة وصفها بأنها بالغة الأهمية لضمان الانتقال السلس نحو مرحلة جديدة خالية من العنف.

وبحسب وسائل إعلام تركية، ستتولى اللجنة المنتظرة إعداد الإطار القانوني لمشروع “تركيا خالية من الإرهاب” الذي تدعمه الحكومة كجزء من رؤيتها الشاملة لإنهاء النزاع المسلح المستمر منذ عقود. في المقابل، يصفه الحزب الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني بـ”عملية السلام والمجتمع الديمقراطي”، مؤكدين أن إنجاحه يتطلب توافقا سياسيا واسع النطاق داخل البرلمان وخارجه.

ووفق ما يتداول في الكواليس السياسية، فإن الرأي الغالب بين الكتل البرلمانية يميل إلى اعتماد النموذج المتبع في لجنة المؤسسات الاقتصادية العامة، وهي الأكبر في البرلمان وتضم 35 عضوا، ليكون الأساس في تحديد تركيبة اللجنة الجديدة.

قورتولموش أكد أهمية تشكيل اللجنة لضمان الانتقال السلس نحو مرحلة جديدة خالية من العنف (الأناضول)

من جانبها، طرحت كتلة حزب العدالة والتنمية صيغة مرنة للتشكيل، إذ أكد أحد مسؤولي الحزب أن الأهم هو “أن تعمل اللجنة بكفاءة وفعالية”، لافتا إلى أن هناك نماذج مختلفة في البرلمان، إذ تتكون لجان التحقيق عادة من 22 عضوا، وأخرى تضم 35 عضوا، و”كلتا الصيغتان مناسبتان”.

وأضاف أن توزيع المقاعد سيكون وفق أوزان الكتل النيابية، مع تمثيل الأحزاب الصغيرة والمستقلين بـ6 أو 7 أعضاء لضمان شمولية اللجنة.

كما أبدت الأحزاب السياسية توافقا مبدئيا على أن تُتخذ قرارات اللجنة بـ”أغلبية مؤهلة”، بما يضمن تعزيز الثقة بالعملية وتجنب الانقسامات السياسية الحادة حول مخرجاتها.

مهام اللجنة

في خطاب ألقاه أمام نواب حزب العدالة والتنمية، أوضح رئيس الكتلة البرلمانية للحزب عبد الله غولر أن اللجنة المقبلة ستعنى بشكل رئيسي بتوثيق عملية إلقاء السلاح التي بدأها حزب العمال الكردستاني والإشراف على حل التنظيم رسميا بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية المختصة.

وأكد غولر أنها ستباشر أعمالها بحضور نواب ومستشارين ذوي خبرة في الملفات الأمنية والقانونية، وستدرج على جدول أعمالها “المقترحات المتعلقة بالتنظيم الإداري والتشريعي عند الضرورة”، بما يتيح وضع إطار تشريعي داعم للمبادرة.

كما شدد على أن عملها لن يكون مقيدا بفترة زمنية محددة، بل سيستمر “حتى استكمال كافة الواجبات والمسؤوليات المناطة بها”، مشيرا إلى أن رئاسة البرلمان قررت تأجيل العطلة الصيفية للنواب بهدف الإسراع في تشكيل اللجنة ومباشرة مهامها دون تأخير.

وأفاد مصدر برلماني (فضل عدم الكشف عن هويته) للجزيرة نت بأن اللجنة المنتظرة ستعتمد مبدأ “خطوة مقابل خطوة” لضمان تحقيق توازن بين التنازلات المقدمة من جميع الأطراف، بحيث يُربط أي تقدم ميداني في تنفيذ المبادرة بخطوة تشريعية موازية.

وأضاف أنها ستعقد اجتماعاتها بشكل مغلق، مع الاستماع إلى إفادات وزراء ومسؤولين معنيين بملف السلام، على أن تُحال القرارات لاحقا إلى الجمعية العامة للبرلمان في شكل توصيات تمهيدا لإقرارها. وأكد أنها ليست مجرد إطار تقني، بل تمثل منصة لإدارة التوازن السياسي الهش بين الأحزاب، مشددا على أهمية إشراك كافة القوى المؤثرة لتفادي انهيار العملية في مراحلها الأولى.

في المقابل، طرحت المعارضة جملة من الاشتراطات لضمان فعالية اللجنة، إذ شدد زعيم حزب الشعب الجمهوري أوغور أوزيل، خلال اجتماع مع وفد “إمرالي” التابع لحزب الشعوب الديمقراطية، على ضرورة اتخاذ قرارات اللجنة بأغلبية مؤهلة تعادل 3 أخماس أعضائها، مع الالتزام بأقصى درجات الشفافية لبناء الثقة المجتمعية تجاه العملية.

من جانبهم، أيد نواب العدالة والتنمية فكرة الأغلبية المؤهلة لضمان توافق سياسي موسع.

وتؤكد مصادر سياسية أن اللجنة ستواصل اجتماعاتها على مدار عطلة البرلمان الصيفية بهدف تسريع وتيرة العمل، على أن تُعرض التوصيات النهائية خلال الدورة التشريعية الجديدة التي ستنطلق في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

SULAYMANIYAH, IRAQ - JULY 11: The first group of PKK terrorists, (listed as a terrorist organization by Turkiye, the U.S. and the EU), lays down and destroys their weapons in Sulaymaniyah, northern Iraq on July 11, 2025. In May, the terror group PKK, decided to dissolve and lay down its arms. The announcement followed a February statement by jailed PKK ringleader Abdullah Ocalan, who called for the dissolution of the PKK and its affiliated groups, urging an end to the armed campaign that has lasted more than four decades. In its 40-year terror campaign against Türkiye, the PKK – listed as a terrorist organization by Türkiye, the US, and EU – has been responsible for the deaths of over 40,000 people, including women, children, infants and the elderly. ( Stringer - Anadolu Agency )
مقاتلون من حزب العمال الكردستاني يسلمون أسلحتهم شمال محافظة السليمانية استعدادا لحرقها (الأناضول)

سيناريوهات

ويؤكد المحلل السياسي علي أسمر أن الرئيس أردوغان شدد على أن أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والمساواة والديمقراطية للشعوب ستتولى مهمة تنفيذ ومراقبة مسار “تركيا خالية من الإرهاب”، مشيرا إلى أن هذه الأحزاب تحظى بقدر كبير من الثقة لدى معظم القوى المؤيدة والمعارضة داخل البرلمان التركي.

وأضاف للجزيرة نت أن هذا المعطى يعزز التوقعات بإمكانية تحقيق تطورات إيجابية في هذا المسار، رغم حساسية الملف الذي يلامس تاريخ الحياة السياسية التركية ويستدعي مواجهة تحديات وصعوبات حتمية.

ويتوقف نجاح المبادرة -وفق أسمر- على توفر “إرادة حقيقية” من جانب الحكومة التركية وحزب المساواة والديمقراطية الكردي، فضلا عن الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه زعيم العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان في هذا الملف.

وتابع “من الطبيعي أن تحاول بعض الأطراف المعارِضة، مثل الشعب الجمهوري وأحزاب أخرى، عرقلة المسار والتشكيك في مصداقيته، في حين قد تلجأ قوى قومية متشددة مثل حزب الظفر إلى المزايدة على الحكومة بشعارات وطنية.

وتبدو المهمة -برأي المحلل أسمر- صعبة ومعقدة، لكنها تتطلب إصرارا ومثابرة، مؤكدا أن مشروع “تركيا خالية من الإرهاب” ليس رؤية آنية بقدر ما هو إستراتيجية بعيدة المدى ستنعكس إيجابا على البلاد في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

وحول السيناريوهات المحتملة، أشار إلى إمكانية حدوث انشقاقات داخل بعض الأحزاب القائمة أو تشكيل كيانات سياسية جديدة، خاصة إذا عاد كمال كليجدار أوغلو إلى المشهد من بوابة حزب الشعب الجمهوري. كما لم يستبعد أن تشهد الساحة الكردية زخما سياسيا قد يفضي إلى تأسيس أحزاب كردية جديدة في الفترة المقبلة.

شاركها.