مع انتهاء آخر اجتماع للحكومة، العام الجاري، وسّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل كبير مبدأه الخاص بالنصف الغربي من الكرة الأرضية: «أي دولة تنتج المخدرات وتشحنها إلى الشوارع الأميركية (عرضة للهجوم)».
كان الرئيس متعجلاً إلى حد ما في إعلانه الدراماتيكي عن استخدام القوة العسكرية. بل بدا أنه كان يفكر في الآثار المترتبة على تهديده في تلك اللحظة، بدءاً من فنزويلا، قبل أن ينتقل إلى كولومبيا، ثم يعلن في النهاية إنذاره النهائي بشكل عام.
تهديدات خطرة
وقال ترامب عن الضربات الجارية ضد قوارب المخدرات المزعومة قبالة سواحل فنزويلا: «أريد القضاء على تلك القوارب، وإذا لزم الأمر، فسنهاجم على الأرض أيضاً، تماماً كما نهاجم في البحر». وأضاف ترامب بسخرية عن الدولة الأكثر مسؤولية عن تصدير هذا المخدر: «إذا دخلوا عبر دولة معينة، أو أي دولة، أو إذا اعتقدنا أنهم يبنون مصانع لإنتاج الفنتانيل أو الكوكايين – سمعت أن دولة كولومبيا تصنع الكوكايين. لديهم مصانع لتصنيع الكوكايين، حسناً! ويبيعون لنا الكوكايين. نحن نقدّر ذلك كثيراً». واختتم قائلاً: «أي شخص يفعل ذلك، ويبيعه في بلدنا، معرّض للهجوم».
على الرغم من أن هذه التهديدات تم الإدلاء بها بشكل عفوي خلال محادثة عرضية، فإنها تهديدات خطرة. وكان ترامب أول مرشح خلال الانتخابات السابقة يطرح فكرة استخدام الجيش لتدمير عصابات المخدرات. وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقد نفذ هذا الوعد بإرسال مجموعة حاملة الطائرات «جيرالد فورد» إلى منطقة البحر الكاريبي، فيما تعاملت الإدارات السابقة مع قضية المخدرات على أنها قضية شرطية، أما ترامب فقد أمر بشن ضربات عسكرية مباشرة، ما أدى إلى إغراق ما يصل إلى 22 قارباً، وقتل ما لا يقل عن 83 من المهربين المشتبه فيهم.
ضربات حاسمة
من جانبها، قالت متحدثة باسم البيت الأبيض لموقع «ريل كلير بولتيكس»: «التاريخ الحديث يثبت مدى حماقة أي زعيم أجنبي يحاول اختبار تهديدات ترامب. وقد وعد خلال حملته الانتخابية بمحاربة (الكارتلات)، حسبما قالت المتحدثة باسم الرئيس الأميركي، آنا كيلي، وهو الآن يهاجم آفة الإرهاب المرتبط بالمخدرات التي أدت إلى موت أميركيين أبرياء دون داعٍ».
وأضافت: «كل هذه الضربات الحاسمة كانت موجهة ضد إرهابيين معروفين يجلبون سُماً قاتلاً إلى سواحلنا، وسيواصل الرئيس استخدام كل عناصر القوة الأميركية لمنع تدفق المخدرات إلى بلدنا».
تجارة المخدرات
تنتشر تجارة المخدرات في أميركا الوسطى والجنوبية على نطاق واسع. ووفقاً لتقرير استراتيجية مكافحة المخدرات الدولية الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، فإن هناك أكثر من 12 دولة متورطة في هذه التجارة، من بليز الصغيرة إلى المكسيك الأكبر حجماً.
والسؤال هنا: كم عدد تلك الدول التي تتعرض للهجوم حالياً؟ والجواب: هناك فرق بين التعامل مع قوارب المخدرات والدول، فكما أفادت إدارة ترامب (قبل أن تشير إلى تصريحات أدلى بها وزير الخارجية ماركو روبيو في نوفمبر الماضي، حيث استشهد بالمكسيك والسلفادور والإكوادور كأمثلة)، ففي حين لدى العديد من الدول عمليات مخدرات على أراضيها، فإن الولايات المتحدة لديها في الوقت ذاته «تعاون قوي» مع تلك الدول في وقف تدفق المخدرات نحو الشمال. ويقول روبيو: «هذا هو الفرق بين هذه الدول وبين قوارب المخدرات، فمع قوارب المخدرات، ليس لدينا أي تعاون». وأضاف: «على العكس من ذلك، لطالما سهل النظام الفنزويلي استخدام الأراضي الفنزويلية كنقطة عبور للمخدرات».
التركيز على الوطن
من خلال إصدار مثل هذا الإعلان الشامل، يخلق الرئيس الأميركي قاعدة جديدة. وفي الآونة الأخيرة، دعا جمهوريون، مثل السيناتور إريك شميت من ولاية ميسوري، إلى التركيز على «الوطن ونصف الكرة الأرضية» بدلاً من مراقبة العالم بأسره. وهذه الفكرة تحظى بشعبية في جميع أنحاء الجناح الغربي. فلطالما كان نائب الرئيس جي دي فانس متشككاً في التدخل الأجنبي، في حين يُقال إن نائب رئيس الأركان ستيفن ميلر، هو أشد المدافعين عن إعادة تركيز الولايات المتحدة على الأميركيتين.
وترامب هو أول من يتحدث بهذه الطريقة، فقد قال ألكسندر جراي، الذي شغل سابقاً منصب رئيس الأركان في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض في عهد ترامب، إن ترامب هو من الأوائل الذين ربطوا الأمرين معاً في القرن الـ21. وقال جراي: «لدينا علاقة مباشرة في الداخل بأمن نصف الكرة الغربي بشكل عام، وهذا هو المكان الذي يوسع فيه هذه المحادثة لتشمل أماكن مثل كولومبيا وأماكن أخرى».
وقد أثار تغيير السياسة الخارجية قلق بعض اليمينيين الذين اعتقدوا أن دعم ولاية ثانية لترامب يعني التوقيع على تدخلات أجنبية أقل، وليس أكثر، ناهيك عن تغيير محتمل للنظام جنوب الحدود الأميركية.
قرار صحيح
وعلى الرغم من أن الإدارة تحدثت علناً عن هذه الحرب لأشهر عدة، فإن البيت الأبيض رفض اللجوء إلى الكونغرس لطلب تلك الصلاحية. وتوسع الجدل بعد أن أطلقت الولايات المتحدة، حسب تقارير، ضربة ثانية لأحد قوارب المخدرات المزعومة، وقتلت طاقمه. وقال وزير الحرب بيت هيغسيث للصحافيين إنه أذن بالضربة الأولى وشاهدها، لكنه أوضح أنه «لم ير بنفسه أي ناجين».
وقال هيغسيث وهو جالس بجانب ترامب: «هذا ما يسمى ضباب الحرب». وأضاف أن الأدميرال المسؤول عن العملية «اتخذ القرار الصحيح» عندما أمر بشن غارة ثانية على القارب نفسه.
دخل ترامب في لعبة جيوسياسية مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي وصفته وزارة العدل بأنه متورط في تجارة المخدرات، واتهمته بقيادة عصابة إجرامية تسمى كارتل «دي لوس سوليس». ووفقاً لواشنطن، فإن «هذا النظام الماركسي، الذي يتعامل مع كل من الصين وروسيا، لطالما كان شوكة في خاصرة الولايات المتحدة». ويعتبر البيت الأبيض نظامه غير شرعي، وعلى الرغم من أن ترامب ومادورو تحدثا عبر الهاتف قبل أيام، فإنه لم يبد أي منهما أي استعداد للتراجع. عن «ريل كلير بوليتكس»
«الكارتلات» والإدارات الأميركية
تستمر القوارب في الإبحار قبالة سواحل فنزويلا، ويستمر الجيش الأميركي في إغراقها. إلا أنه في حين أن الجمهوريين يدعمون ذلك بشكل عام، فإن تعريض أميركا الوسطى والجنوبية بأكملها للخطر من شأنه أن يجعل حتى أكثر صقور الحرب عدوانية يشعرون بالانزعاج وعدم الرضا. لقد أزعجت «الكارتلات» الإدارات الأميركية منذ الأيام التي شجع فيها الرئيس السابق رونالد ريغان، الشباب الأميركي على «الرفض» ببساطة.
ولم تنجح جهود مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة، والتدخل العسكري المباشر في العقود التي تلت ذلك. ومن المرجح أن الاستخبارات الأميركية تعرف الطرق المعتادة التي تسلكها تلك المخدرات إلى الولايات المتحدة. وقالت مديرة «مبادرة كيستون للدفاع»، في معهد هدسون، ريبيكا هاينريكس: «لن يكون من الصعب على إدارة الرئيس دونالد ترامب القضاء على تلك العملية بضربات جوية».
