|

أولت صحيفتان أميركيتان اهتماما كبيرا بملفات الممول الأميركي المتوفى والمدان جيفري إبستين المتفاعلة في الساحة السياسية، والتي تؤرق الرئيس دونالد ترامب، مشيرة إلى تقلب وجهة نظر الرئيس خلال محاولته تهدئة الغضب السياسي المتزايد بشأن تعامل إدارته مع ملفات القضية.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز -التي تناولت الموضوع في عدة تقارير- إن ترامب يقول إنه مستعد للذهاب إلى المحاكم في قضية الاتجار بالجنس المرفوعة على جيفري إبستين، مشيرة إلى أنه طلب الإفراج عن شهادات هيئة المحلفين الكبرى المتعلقة بإبستين بشرط موافقة المحكمة، بعد أشهر من معارضته القضاة الفدراليين والمحاكم.

وذكرت الصحيفة أن ترامب دأب على تشويه سمعة القضاة الفدراليين الذين يصدرون أحكاما مخالفة لأجندته، ووصفهم “بالمغتصبين بدوافع سياسية”، و”بالقضاة الكارهين للولايات المتحدة الأميركية”، ودعا إلى عزلهم، وفي بعض الأحيان، شكك في الدور الدستوري للمحاكم كضابط على الرئاسة.

محتجون يرفعون صور إبستين أمام المحكمة الفدرالية منددين بتورطه في الاتجار الجنسي (غيتي)

وكتب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي “من ينقذ بلاده لا يخالف أي قانون”، ولكنه في قضية إبستين، اتخذ وجهة نظر مختلفة، وأكد أن للقضاة دورا هاما في تحديد ما إذا كان يمكن نشر مواد هيئة المحلفين الكبرى المتعلقة باتهام إبستين بالاتجار بالجنس، ومتى يمكن ذلك.

أسرار مشتركة

وقال ترامب إنه طلب من المدعية العامة بام بوندي تقديم أي شهادة ذات صلة من هيئة المحلفين الكبرى بشرط موافقة المحكمة، وذلك بعد وقت قصير من نشر صحيفة وول ستريت جورنال تهنئة بمناسبة عيد ميلاده الخمسين، قالت إن ترامب أرسلها لإبستين عام 2003، وتضمنت رسما ذا إيحاءات جنسية، وتعبيرا عن الصداقة، وإشارة إلى أسرار مشتركة بينهما.

ونبهت الصحيفة إلى المفارقة بين تأكيد ترامب على أن للقضاة الكلمة الفصل في نشر مواد هيئة المحلفين الكبرى، وسعي البيت الأبيض المتكرر إلى تقويض الدور الدستوري والهيبة العامة للقضاء، وقال أحد الباحثين القانونيين لترامب “إذا كنت تؤمن بسيادة القانون، فعليك أن تؤمن بأن للقضاة دورا مهما في تحديد معايير الإجراءات القانونية، ليس أحيانا، بل دائما”.

وأشارت الصحيفة في تقرير آخر إلى أن طلب ترامب الكشف عن شهادة هيئة المحلفين الكبرى في قضية إبستين جاء في وقت يتعرض فيه الرئيس لضغوط سياسية شديدة من قاعدته الانتخابية، بعد أن حجبت بوندي أجزاء من ملفات التحقيق المتعلقة بالممول المدان، في محاولة لتبديد موجة الانتقادات ونظريات المؤامرة الصادرة عن العديد من مؤيدي ترامب.

وقدم الطلب إلى المحكمة الجزئية الفدرالية في مانهاتن، حيث كان إبستين ينتظر المحاكمة بتهم الاتجار بالجنس قبل 6 سنوات، وحيث عثر عليه ميتا مشنوقا في زنزانته بعد نحو شهر من اعتقاله، وحكم الطبيب الشرعي في مدينة نيويورك بأن الوفاة انتحار.

إبستين (يسار) في محادثة مع البروفيسور آلان ديرشويتز أحد أشهر الخبراء القانونيين في أميركا (غيتي)

وقد سعت الحكومة أيضا إلى الكشف عن شهادة هيئة المحلفين الكبرى في قضية غيسلين ماكسويل، سيدة المجتمع التي أدينت في محاكمة عام 2021 لمساعدة إبستين في تسهيل مخططه للاتجار بالبشر لأغراض جنسية، وحكم عليها بالسجن 20 عاما، وقد استأنفت حكم إدانتها.

قصة عار وطني

كتبت بوندي ونائبها في التماس إلى المحكمة سعيا للكشف عن محاضر الجلسات، “لا يزال المسؤولون الحكوميون والمشرعون والخبراء والمواطنون العاديون مهتمين وقلقين للغاية بشأن قضية إبستين. يجب أن ينتهي وقت تخمين الجمهور في ما تحتويه هذه المحاضر”، ووصفت وقائع القضية بأنها “قصة عار وطني”.

وقالت بوندي إن وزارة العدل ستعمل مع مكتب المدعي العام الأميركي للمنطقة الجنوبية من نيويورك لإجراء “تعديلات مناسبة” على المعلومات المتعلقة بالضحايا و”معلومات تعريف شخصية أخرى” قبل إصدار النصوص، لأن السجلات محمية بسرية هيئة المحلفين الكبرى لحماية ضحايا الجرائم والشهود، لتسهيل موافقة المحكمة على كشف الشهادات.

ونبهت نيويورك تايمز إلى أن كشف الشهادات قد يستغرق شهورا، ورجحت أن المواد المطلوبة ليست سوى جزء صغير من الأدلة التي جمعت في التحقيق، خاصة أن بوندي حجبت أجزاء من ملفات التحقيق المتعلق بإبستين، طالب بعض أشد مؤيدي الرئيس بنشرها.

وكان رد الفعل شديدا، انقلبت بسببه أجزاء من قاعدة ترامب السياسية، ودعا الديمقراطيون الراغبون في إيجاد قضية يلتفون حولها، الإدارة إلى الكشف عما أصبح يعرف بملفات إبستين، ولذلك يسعى ترامب إلى تحويل مسؤولية الكشف هذه إلى قاض فدرالي، لكي يخفف الضغط السياسي الذي يشعر به.

وفي تقرير ثالث، أعدت نيويورك تايمز جدولا زمنيا لما تعرفه عن ترامب وإبستين، أوضحت فيه أن ترامب باعترافه الشخصي، كان لمدة 15 عاما، صديقا لجيفري إبستين، رجل الأعمال الملياردير المدان بالاعتداء الجنسي الذي توفي في السجن عام 2019.

صداقة طويلة

وكان ترامب قد أصدر تعليمات سابقة لبوندي بنشر معلومات “موثوقة” فقط، وأشار إلى أنه قلق من إمكانية تشويه سمعة الأبرياء ظلما في حال نشر الملفات الكاملة، وأدان التساؤلات المتعلقة بتعامله مع القضية، واصفا إياها “بالخدعة” التي دبرها الديمقراطيون، ووصف إبستين بأنه “مريب”.

وذكرت الصحيفة بأن ترامب وإبستين ظلا صديقين من ثمانينيات القرن الماضي إلى أوائل الألفية الثانية، وقال ترامب لمجلة نيويورك عام 2002 “أعرف جيف منذ 15 عاما. رجل رائع. إنه شخص مرح للغاية. يقال إنه يحب النساء الجميلات، وكثيرات منهن في سن الشباب. لا شك في ذلك. جيفري يستمتع بحياته الاجتماعية”.

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن اسم ترامب ظهر 7 مرات في سجلات رحلات إبستين، وأقر بالسفر على متن طائرته، لكنه أصر على أنه لم يرافقه أبدا إلى جزيرته الخاصة ولم يتورط في أي مخالفة مع الممول، واتهم ترامب سياسيين على ارتباطهم العميق بإبستين، علما أن اسمه ورقم هاتفه وردا ضمن أسماء الأثرياء وذوي النفوذ في “الدفتر الأسود” الخاص بإبستين.

ولكن ترامب وإبستين اختلفا عام 2004 بسبب نزاع على ملكية عقارية، بعد أن تنافسا على قصر على شاطئ بالم بيتش كان قد وقع تحت الحجز، وتفوق ترامب في النهاية على إبستين في عرضه شراء العقار، وقال ترامب لاحقا إنه وإبستين كانا على خلاف ولم يتحدثا منذ 15 عاما.

مشاعر متضاربة

وقد أعرب ترامب عن مشاعر متضاربة بشأن نشر الملفات أثناء ترشحه للرئاسة عام 2024، وقال لقناة فوكس نيوز عند سؤاله، هل سينشرها “أعتقد أنني سأفعل”، قبل أن يبدأ بالتراجع عن هذا الوعد، وقال “أعتقد أن هذا أقل احتمالا لأنك لا تريد التأثير على حياة الناس إذا كانت هناك معلومات زائفة، لأنها تحتوي على كثير من المعلومات الزائفة في هذا العالم. لكنني أعتقد أنني سأفعل”.

وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة واشنطن بوست، أن إعلان إدارة ترامب في وقت سابق من هذا الشهر، أنها لن تفرج عن ملفات القضية المرفوعة على إبستين، أثار غضب بعض قاعدة ترامب الانتخابية التي تعتقد أن الحكومة تحمي شخصيات بارزة متورطة في هذه الأعمال الإجرامية، وتثق في أن الرئيس سيتعامل مع القضية بجدية في إطار معركة أوسع ضد ما يعتبرونه النخبة الفاسدة.

سيقاضي الرئيس ترامب صحيفة وول ستريت جورنال ونيوز كورب ومردوخ قريبا. على الصحافة أن تتعلم الصدق، وألا تعتمد على مصادر ربما لا وجود لها أصلا

بواسطة دونالد ترامب

وجاء طلب ترامب من وزارة العدل السعي للإفصاح عن شهادة هيئة المحلفين الكبرى، بعد دقائق من تعهده بمقاضاة صحيفة وول ستريت جورنال بسبب تقريرها الذي ذكر أنه ساهم برسم امرأة عارية في ألبوم إبستين بمناسبة عيد ميلاده الخمسين عام 2003.

وكتب ترامب “سيقاضي الرئيس ترامب صحيفة وول ستريت جورنال ونيوز كورب ومردوخ قريبا. على الصحافة أن تتعلم الصدق، وألا تعتمد على مصادر ربما لا وجود لها أصلا”.

وشكل الصراع على ملفات إبستين تحديا لترامب -حسب واشنطن بوست- ويرجع ذلك جزئيا إلى أنه وبعض أقرب حلفائه قضوا سنوات في تأجيج الشكوك حول القضية، ومنح ترامب منبرا لمؤيديه الذين افترضوا دون دليل، تورط ديمقراطيين بارزين في جرائم إبستين ومسؤوليتهم عن وفاته. وقد وجدت هذه الشكوك أرضا خصبة، حيث أصبحت نسبة كبيرة من الجمهور الأميركي غير راضية عن المؤسسات الحكومية.

شاركها.
Exit mobile version