طهران– في أول تحرك دبلوماسي رفيع المستوى لإيران عقب توقيع اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان برعاية البيت الأبيض، يستعد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان غدا الاثنين لبدء زيارة محورية إلى العاصمة الأرمينية، وتليها محطة لاحقة في بيلاروسيا (بيلاروس أو روسيا البيضاء).

وتحمل زيارة الرئيس الإيراني إلى يريفان في مضمونها رسائل سياسية وأمنية بالغة الدلالة، إضافة إلى أبعاد اقتصادية وتجارية واضحة خاصة في ظل التوتر الحاصل بالمنطقة بشأن ممر زنغزور.

وقد أعلن مهدي سنائي، المساعد السياسي للرئاسة الإيرانية، أن الزيارة -التي كان من المفترض أن تجري في الأسبوع الثاني من الشهر الماضي قبل أن تؤجل بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير على إيران- تهدف إلى تطوير العلاقات الثنائية، خصوصا في المجال الاقتصادي، إلى جانب توقيع اتفاقيات تعاون جديدة بين البلدين.

وتأتي هذه الخطوة في وقت حساس عقب الاتفاق الثلاثي بين أرمينيا وأذربيجان والولايات المتحدة حول ما بات يعرف بـ”طريق ترامب للازدهار والسلام” قرب الحدود الإيرانية الأرمينية، مما يضفي على زيارة بزشكيان أهمية مضاعفة لإعادة تثبيت مكانة إيران جنوب القوقاز وإدارة تداعيات التحولات الجارية هناك.

ممر زنغزور التابع لأرمينيا يفصل بين أراضي أذربيجان ومقاطعة نخجوان الأذرية المتمتعة بالحكم الذاتي (الجزيرة)

أهمية الزيارة

يرى الدكتور فرزاد أحمدي، المتخصص في القضايا الجيوستراتيجية بجامعة “تربيت مدرس” أن التطورات الجيوسياسية المتسارعة في القوقاز، ومن بينها الجدل حول الممر الجديد الذي يربط إقليم نخجوان بالأراضي الأذربيجانية، والمناورات العسكرية المشتركة المرتقبة بين أرمينيا والولايات المتحدة، ترفع زيارة بزشكيان إلى مستوى يتجاوز العمل الدبلوماسي الروتيني، لتصبح اختبارا جوهريا للسياسة الخارجية لحكومته.

ويصف أحمدي الزيارة بأنها محاولة لإعادة رسم خريطة النفوذ في منطقة طالما شكلت مجالا حيويا لإيران، معتبرا أنها تأتي في سياق متشابك من التحديات التي تهدد مصالح طهران.

ويؤكد أن هذه التطورات قد تسفر عن محاصرة إيران وتهميش دورها في شبكة الممرات الدولية، إضافة إلى مخاطر عسكرة المنطقة وتزايد الحضور الأجنبي على مقربة من حدودها، مما قد يفضي إلى عزلها إقليميا.

وبحسب تحليله، فإن هدف بزشكيان يتمثل في التوصل مع الجانب الأرميني إلى تفاهمات ثنائية من شأنها تحييد هذه المخاطر، وتأسيس شراكات متينة لا تهتز أمام المستجدات، بما في ذلك الانخراط في المشاريع الاقتصادية المرتبطة بالممر الجديد، مع التشديد على ضرورة إبقاء طرق التواصل نحو أرمينيا مفتوحة بشكل دائم.

هواجس وأجندة

من جانبه، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي مهدي عزيزي أن زيارة بزشكيان تكمل مباحثاته السابقة مع الأطراف المعنية بممر زنغزور، بعد زيارتين أجراهما إلى باكو مؤخرا.

ويوضح أن الرئيس الإيراني سيطالب يريفان هذه المرة بضرورة تضمين اتفاق السلام مع أذربيجان ضمانات أمنية واضحة تحمي مصالح طهران وخطوطها الحمراء.

وبرغم الطابع السياسي البارز للزيارة، يؤكد عزيزي أن البعد الاقتصادي لا يقل أهمية، إذ من المتوقع أن تتيح المباحثات فرصة لتوضيح أبعاد الاتفاقية بين يريفان وباكو للجانب الإيراني، بما في ذلك مشاركة واشنطن في مشروع “طريق ترامب”.

كما يشير الباحث الاقتصادي إلى أن هذه الزيارة ستمنح طهران مجالا لتوسيع التنسيق مع كل من روسيا وتركيا في إطار صيغة “3+3” بشأن القوقاز الجنوبي، أو حتى تطويرها لتشمل أطرافا دولية أخرى مثل الصين والهند وباكستان وجورجيا.

ويتوقع أن تتطرق المحادثات أيضا إلى تعزيز المبادلات التجارية، مع استمرار التعاون الجاري في مجالات الطاقة والبتروكيميائيات والنقل العابر للحدود، إضافة إلى مشروع مد جسر على نهر أرس وإنشاء أسواق حدودية مشتركة.

التعاون التجاري

وبهذا السياق، يؤكد روح الله لطيفي المتحدث باسم لجنة العلاقات الدولية وتنمية التجارة في “الدار الإيرانية للصناعة والتجارة والمناجم” أن زيارة بزشكيان تحمل أبعادا اقتصادية إستراتيجية علاوة على أبعادها السياسية.

ويشير في حديث للجزيرة نت، إلى سعي طهران لجعل أرمينيا شريكا محوريا في قطاعات الزراعة والصناعة، في خطوة تهدف لتخفيف تأثير الحصار الاقتصادي الغربي. كما يوضح أن المحطة الثانية من جولة بزشكيان -إلى بيلاروسيا- تأتي ضمن مساعي إيران لبناء شبكة تبادل تجاري إقليمية بعيدا عن الهيمنة الغربية، مع عقد تحالفات اقتصادية مع قوى خارج المنظومة المالية الدولية.

وبحسب لطيفي، تسعى طهران لرفع حجم مبادلاتها التجارية مع يريفان إلى مليار دولار، بعدما بلغ حجم التبادل بين الطرفين خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري نحو 278.7 مليون دولار، بزيادة 4% عن العام الماضي، وهو ميزان تجاري يميل لصالح إيران.

كما يبرز ملف السياحة ضمن أجندة الزيارة، حيث أظهرت الإحصاءات دخول أكثر من 276 ألف سائح أرميني إلى إيران خلال الأشهر الـ11 الماضية، مقابل نحو 176 ألف سائح إيراني إلى أرمينيا، مما يعكس عمق التفاعل الشعبي بين البلدين ويمنح التعاون السياحي زخما إضافيا.

وبذلك، تمثل زيارة بزشكيان إلى يريفان -وفق مراقبين- منعطفا دقيقا في السياسة الإقليمية الإيرانية، إذ تجمع بين مواجهة التحديات الجيوسياسية وتعزيز المصالح الاقتصادية، بما يجعلها اختبارا حقيقيا لمدى قدرة طهران على تثبيت نفوذها في منطقة القوقاز الجنوبي وسط التنافس الدولي والإقليمي المتصاعد.

شاركها.