وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن قانون الإنفاق والضرائب الذي يطلق عليه اسم «الفاتورة الكبيرة والجميلة» والذي أقره الكونغرس أخيراً، سيكون من أكثر التشريعات نجاحاً في التاريخ الأميركي. وبالطبع يكمن جمال هذا التشريع الشامل في منظور من يشاهده، وقد ينتهي المطاف بهذه «الفاتورة» إلى تعزيز وضع بعض العمال والصناعات في حين أن مجالات أخرى ستصبح في وضع سيئ للغاية.
الصناعات المستفيدة
وتأتي الشركات الأميركية الكبرى ضمن المستفيدين من القانون، حيث أشادت مجموعات الشركات الكبرى، بما في ذلك غرفة التجارة الأميركية والرؤساء التنفيذيون لكبرى الشركات التي تدعم الاقتصاد الأميركي، بإقرار مجلس الشيوخ لمشروع القانون يوم الثلاثاء الماضي.
وتراهن الشركات الكبرى على أنها ستستفيد من التشريع الذي يرسخ الإعفاءات الضريبية في قانون تخفيضات الضرائب والوظائف لعام 2017 بشكل دائم.
وستعمل هذه الحزمة التشريعية على استعادة الإعفاء الضريبي من حزمة الضرائب للعام 2017 والتي سمحت للشركات بخصم تكاليف المعدات في السنة الأولى من شرائها، وبدأت هذه الحوافز بالتلاشي تدريجياً منذ عام 2023.
وسيسمح التشريع مرة أخرى للشركات بخصم تكاليف الأبحاث والتطوير في السنة التي تم فيها دفع هذه التكاليف. وطالب قانون خفض الضرائب والوظائف الشركات بخصم هذه النفقات على مدى خمس سنوات بدءاً من عام 2022.
الشركات الصناعية
وعبرت الشركات الصناعية عن سعادتها لأن هذا التشريع سيؤدي إلى تغيرات كبيرة في كيفية تعامل قانون الضرائب الأميركي مع بناء منشآت التصنيع الجديدة. وسيسمح للشركات بخصم – مباشرة وبصورة كاملة – تكاليف بناء منشآت صناعية جديدة. ويسري هذا الحكم المؤقت بأثر رجعي إلى 19 يناير 2025، ويستمر للإنشاءات التي تبدأ قبل الأول من يناير 2029.
وبمحاولة لتحفيز مزيد من الشركات في أميركا، سيعمل التشريع على تعزيز الحوافز الضريبية لشركات صناعة أشباه الموصلات التي تقوم ببناء منشآت في الولايات المتحدة.
الشركات الصغيرة
وأشاد الاتحاد الوطني للشركات المستقلة، وهو مجموعة الضغط الرائدة لمصلحة الشركات الصغيرة، بالتشريع لأنه يحدد خصماً خاصاً دائماً لأصحاب الشركات الصغيرة أو الشراكات، حيث يدفع أصحاب هذه الشركات أو المشاركون في ملكيتها الضريبة بصورة فردية، أي لا يتم دفع الضرائب باسم الشركة.
ويتزايد الخصم على ضرائب الشركات الصغيرة أو الشراكات التي يشكلها عادة المحامون، أو الأطباء أو المستثمرون في نسخة مجلس النواب من مشروع القانون من 20% إلى 23%، بينما أبقت نسخة مجلس الشيوخ من مشروع القانون النسبة عند 20%.
أصحاب الدخل المرتفع
ووفقاً لتحليل نسخة شبه نهائية من مشروع قانون مجلس الشيوخ أجرته مؤسسة «بن وارتون لنموذج الميزانية» الأميركية، سيرتفع صافي دخل 20% من أصحاب الدخل بنحو 13 ألف دولار سنوياً بعد الضرائب والتحويلات، ويرقى ذلك إلى 3% من الزيادة المتوسطة في دخل هذه الأسر.
وبالنسبة لأعلى 0.1% من أصحاب الدخل سيتجاوز متوسط الزيادة السنوية في الدخل 290 ألف دولار، وفقاً لمؤسسة «بن وارتون»، وسيستفيد الأميركيون الذين يعيشون في ولايات تحصّل ضرائب مرتفعة، لأن مشروع القانون يرفع مؤقتاً حدود الخصومات على ضرائب الولايات والضرائب المحلية لأصحاب المنازل الذين يصل دخلهم السنوي إلى 500 ألف دولار إلى نحو 40 ألف دولار سنوياً لمدة خمس سنوات.
لكن أصحاب الملايين الذين يخسرون عملهم لن يكون بمقدورهم الحصول على إعانات البطالة، وفقاً لبند تمت إضافته أخيراً إلى مشروع قانون مجلس الشيوخ.
إكراميات وساعات عمل إضافية
وسيتلقى عمال معينون إعفاء ضريبياً إضافياً بحلول عام 2028. والعاملون الذين يعملون في وظائف يتلقون فيها إكراميات بصورة عادية، يمكن خصم ما يصل إلى 25 ألف دولار من دخل الإكراميات من ضرائب الدخل الفيدرالية، بينما يمكن للعاملين الذين يتقاضون ساعات عمل إضافية خصم ما يصل إلى 12.5 ألف دولار من هذا الأجر الإضافي.
أصحاب الوضع الأكثر سوءاً
في المقابل، سيكون الكثير من أصحاب الدخل المحدود على رأس المتضررين من التشريع الجديد، لأنه سيطبق تخفيضات تاريخية على برنامج شبكة الأمان الاجتماعي في البلاد، وخاصة برنامجي «ميديكيد»، و«طوابع الطعام» اللذين يقدمان المساعدات للفقراء.
ومن بين التغييرات العديدة على هذه البرامج إضافة متطلبات العمل المفروضة اتحادياً إلى برنامج «ميديكيد» لأول مرة في تاريخه الممتد إلى 60 عاماً، وتوسيع نطاق العمل في برنامج «المساعدة الغذائية التكميلية»، وهي التسمية الرسمية لبرنامج الطعام. وسيضطر آباء الأطفال، الذين تبلغ أعمارهم 14 عاماً فأكثر، إلى العمل، أو التطوع، أو الالتحاق بدورات تدريبية، أو المشاركة في تدريب وظيفي للاحتفاظ باستحقاقاتهم.
ومن المتوقع أن يفقد الملايين من أصحاب الدخل المحدود مستحقاتهم بسبب متطلبات العمل والإجراءات الأخرى التي يتضمنها القانون والتي تؤثر على «ميديكيد» و«طوابع الطعام».
والجدير بالذكر أن قلة ممن تم إسقاطهم من تغطية «ميديكيد» سيتمكنون من الحصول على تأمين صحي قائم على العمل، وفقاً لتقرير مكتب الميزانية بالكونغرس حول نسخة مجلس النواب من التشريع.
ووفقاً لمؤسسة «بن وارتون» سيشهد أصحاب الدخل الأدنى الذين يقل دخلهم السنوي عن 18 ألف دولار انخفاضاً قدره 165 دولاراً في دخلهم بعد خصم الضرائب والتحويلات، وذلك بعد أخذ تخفيضات شبكة الأمان الاجتماعي في الاعتبار، وهذا يمثل انخفاضاً بنسبة 1.1%.
وسيحصل أصحاب الدخل الأدنى الذين يراوح دخلهم بين 18 ألفاً و53 ألفاً على زيادة قدرها 30 دولاراً في الدخل، أي بنسبة 0.1%. وستشهد الأسر أصحاب الدخل المتوسط الذي يراوح بين 53 ألفاً و96 ألفاً زيادة على الدخل بنسبة 1430 دولاراً أو بنسبة 1.8%.
ولن تؤثر تشريعات الرعاية الصحية على الأميركيين ذوي الدخل المنخفض فحسب، بل يشدد مجلس الشيوخ أيضاً شروط التحقق من دعم أقساط التأمين الفيدرالي بموجب قانون الرعاية الميسرة، ما قد يحرم بعض الأميركيين من ذوي الدخل المتوسط من التأمين الصحي.
وقد تؤدي «الفاتورة الجميلة» بالمجمل إلى زيادة عدد غير الخاضعين للتأمين الصحي على نحو 10 ملايين شخص بحلول عام 2034، وفقاً لتحليل «سي إن إن» وتنبؤات مكتب الكونغرس للميزانية.
المستشفيات
يبدو أن المستشفيات غير راضية عن أحكام الرعاية الصحية في التشريع الجديد، والذي من شأنه أن يقلل الدعم الذي تتلقاه من الولايات لرعاية المسجلين في برنامج «ميديكيد» وتحملها تكاليف رعاية لا يتم تعويضها لعلاج المرضى غير الخاضعين للتأمين.
وقال الرئيس التنفيذي لجمعية المستشفيات الأميركية، ريك بولاك: «ستعمل هذه العواقب الواقعية لهذه التخفيضات في برنامج (ميديكيد) التي تبلغ نحو تريليون دولار، وهي الأكبر التي اقترحها الكونغرس على الإطلاق، على إلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه لنظامنا الخاص بالرعاية الصحية، ما يقلل من فرص الحصول على الرعاية لجميع الأميركيين، ويقوض بشدة قدرة المستشفيات والأنظمة الصحية على رعاية مرضانا الأكثر ضعفاً».
بدورها عبرت جمعية المستشفيات الأميركية عن «خيبة أمل عميقة» سببها التشريع الجديد على الرغم من أنه منح تمويلاً قدره 50 مليار دولار لمساعدة المستشفيات في المناطق الريفية على مواجهة تخفيضات برنامج «ميديكيد». وأكدت المستشفيات أن هذا المبلغ ليس كافياً للتعويض عن النقص الحاصل.
الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية
وألغى مجلس الشيوخ ضريبة الاستهلاك على طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتي حذر الخبراء من أنها تشكل «ضربة قاضية» لصناعة الطاقة النظيفة، لكن لايزال القانون يلغي الحوافز الضريبية لمشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية وغيرها من مشاريع الطاقة المتجددة بحلول عام 2027، ويفرض على المطورين شروطاً صارمة للاستفادة منها. وانتقدت جمعية الطاقة النظيفة التشريع باعتباره «خطوة إلى الوراء لسياسة الطاقة الأميركية» وستؤدي إلى إلغاء العديد من الوظائف، وترفع فاتورة استهلاك الكهرباء.
ويمكن أن تواجه شركات صناعة السيارات الكهربائية وضعاً أسوأ أيضاً، لأن القانون يلغي الإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية التي تصل إلى 7500 دولار بنهاية سبتمبر. وكان من المقرر سابقاً أن تستمر هذه الإعفاءات الضريبية حتى عام 2032، ما يوفر حافزاً قوياً لمشتري السيارات. عن «سي إن إن»
عجز الميزانية
وفقاً لمكتب الميزانية في الكونغرس يمكن أن تزيد نسخة مجلس الشيوخ من القانون من عجز الميزانية بنحو 3.4 تريليونات دولار خلال العقد المقبل.
ويمكن أن تؤدي زيادة الدين ببضعة تريليونات إلى رفع سعر الفائدة المرتفعة أصلاً، وهذا بدوره سيزيد من كلفة تمويل شراء سيارة أو منزل على الأميركيين، ويزيد من كلفة اقتراض الشركات للنمو، وليس هذا فقط وإنما سيجبر ارتفاع أسعار الفائدة الحكومة الفيدرالية على تخصيص موارد أكبر لتمويل ديونها المتراكمة.