مع مواجهة الجيش الأميركي مؤخراً لما حذرت منه وزارة الدفاع «البنتاغون» بأنه أخطر نقص في الكوادر منذ نصف قرن، يشهد التجنيد العسكري الآن تعافياً ملحوظاً. ويُرجع الرئيس دونالد ترامب، الذي دأب على استدعاء الجيش في الشؤون الداخلية والخارجية منذ عودته إلى منصبه، هذا التحول إلى تنامي الروح الوطنية منذ انتخابه، وإلى قادة البنتاغون الجدد الذين يعملون على استئصال ما يصفونه بـ«الأفكار الغريبة» في صفوف الجيش.

في المقابل، يقدم محللو الدفاع تفسيراً مختلفاً، مستشهدين بإجراءات اتُخذت قبل سنوات وتؤتي ثمارها الآن، بما في ذلك زيادات في الرواتب، وتسريع مسارات الحصول على الجنسية، وبرامج لتدريب المجندين ذوي الدرجات الأكاديمية أو اللياقة البدنية الضعيفة.

ويقول مسؤولو إدارة البيت الأبيض إنه «على أي حال، يجب دراسة المكاسب الأخيرة وفهمها للحفاظ عليها. ولتحقيق هذه الغاية، أطلقت وزارة الدفاع في يونيو فريق عمل يهتم بالتجنيد للخدمة العسكرية. ومن المقرر أن يصدر توصياته في أغسطس».

إلى ذلك، قال المتحدث باسم البنتاغون، شون بارنيل، في مؤتمر صحافي عُقد في يونيو: «أعداد المجندين ممتازة الآن، ولكن بعد ستة أشهر من الآن سنرى».

وتيرة التجنيد

وبدأت تحديات الجيش الأميركي تتصدر عناوين الصحف بعد أن فشل في تحقيق هدفه في التجنيد بنحو 25% في السنة المالية 2022. ومع هدفه المتمثل في 60 ألف جندي جديد، لم يتمكن من تجنيد سوى 45 ألف جندي.

وأشار المحللون إلى أن أحد العوامل كان قواعد العزل التي فرضتها الجائحة، والتي أوقفت خلالها القوات العسكرية الأميركية مؤقتاً جهود التدريب الأساسي، كما أُغلقت العديد من المدارس والكليات خلال هذه الفترة أمام الطلاب والمجندين العسكريين.

وقالت كبيرة مسؤولي التجنيد في البنتاغون، كاتي هيلاند، في نقاش مع الصحافيين في أكتوبر الماضي: «اضطررنا إلى الانسحاب من المجتمعات المحلية لما يقرب من عامين. ويستغرق الأمر وقتاً للعودة إلى تلك المجتمعات وبناء تلك العلاقات من جديد».

وفي أعقاب الإغلاق الناجم عن الوباء، انخفضت درجات المتقدمين للتجنيد في اختبارات القبول العسكري، وارتفعت معدلات السمنة وتشخيصات الصحة النفسية.

وأفاد مسؤولو الدفاع، أخيراً، بأن أكثر من ثلاثة أرباع الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و24 عاماً لا يمكنهم التأهل للخدمة العسكرية دون استثناء يسمح لهم بالخدمة رغم وجود عوامل استبعاد.

كما انخفض ميل الشباب للانضمام إلى القوات المسلحة، ففي استطلاع أجرته وزارة الدفاع ونُشر في مارس من هذا العام، قال نحو 87% ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و21 عاماً إنهم ربما، أو بالتأكيد، لا يخططون للخدمة في الجيش.

وأعرب اثنان من كل ثلاثة عن قلقهما بشأن التأثير العاطفي أو النفسي للحرب، وأعرب ثلاثة من كل أربعة عن مخاوفهم بشأن احتمال التعرض لإصابة جسدية أو وفاة.

ولأول مرة منذ أن بدأ البنتاغون في تتبع هذا المقياس، فإن غالبية الشباب، كما قال أحد المسؤولين: «لم يفكروا قط في الخدمة العسكرية كخيار». وفي الوقت نفسه، أدت معدلات البطالة المنخفضة تاريخياً بين الشباب إلى منافسة شرسة في القطاع الخاص على الكفاءات.

البدء في التعافي

وأشار وزير الدفاع، بيت هيغسيث، ومسؤولون آخرون إلى أن انتخاب ترامب كان له الفضل في ضخ المزيد من المجندين في المؤسسة العسكرية. وقال الوزير، خلال زيارة إلى نورماندي في فرنسا، في يونيو، للاحتفال بالذكرى الـ81 ليوم النصر: «إنهم يرون قيادة تقول: نريدكم أن تكونوا محاربين. لم نعد نمارس هذا الهراء السياسي. نحن نخوض حرباً».

وفي الواقع، تُظهر أرقام البنتاغون أن التجنيد العسكري بدأ في التعافي بين أكتوبر 2023 وسبتمبر 2024، قبل انتخاب ترامب، حيث ارتفع بنحو 12.5%.

وابتداءً من عام 2023، أقر الكونغرس ثلاث زيادات متتالية في رواتب الجنود الأساسية، تراوحت نسبتها بين 4.5% و5.2% سنوياً. ودخلت زيادة أخرى بنسبة 10% في رواتب المجندين الجدد، أي أولئك الذين يشغلون أدنى رتب الخدمة، حيز التنفيذ في أبريل الماضي، ما أضاف ما بين 3 و6 آلاف دولار سنوياً إلى رواتب كل جندي جديد.

وتُعد هذه الزيادات أكبر زيادة في الرواتب الأساسية للجنود منذ عقدين. وارتفعت الرواتب الأساسية السنوية للجنود الجدد من نحو 22000 دولار في عام 2022 إلى ما يقرب من 28000 دولار في عام 2025.

وللمساعدة جزئياً في معالجة تأثير العزلة خلال الجائحة، أنشأ الجيش أيضاً دورات تحضيرية بدءاً من عام 2022 لإعداد المجندين للتدريب الأساسي. وتبعتها البحرية لاحقاً. ويمثل خريجو هذه الدورات الآن نحو ربع جميع المجندين في الجيش. وفي ذلك تقول كبيرة الاقتصاديين المتخصصين في شؤون التوظيف العسكري في مركز «راند» للأبحاث، بيث آش: «لقد أولت القوات المسلحة والكونغرس اهتماماً بالغاً لمختلف السياسات والإصلاحات، وقد شهدنا تحسناً ملحوظاً».

تخصصات جديدة

مع انخفاض أهداف التجنيد في العام الماضي، أصبح لدى الجيش الأميركي الآن فائض يبلغ نحو 11 ألف متقدم ينتظرون التدريب الأساسي، أي ما يقرب من ضعف العدد المسجل في العام السابق. كما يُعد الفائض في القوات الجوية الأعلى منذ 10 سنوات.

ويتطلع المحللون إلى ما إذا كان تجنيد النساء والأقليات والاحتفاظ بهم سيتأثر بتحرك إدارة ترامب بعيداً عن تدابير التنوع والمساواة والشمول. وتشكل النساء ما يقرب من 18% من القوات العاملة، بينما يشكل السود واللاتينيون نحو 20% و18% من القوة على التوالي.

كما ابتكر قادة البحرية تخصصات مهنية جديدة، مثل مجال الروبوتات، والذي يقولون إنه جذاب للشباب. كما تحاول القوات البحرية، أيضاً، تحسين جودة حياة البحارة من خلال مبادرات تشمل كل شيء، من الوصول إلى الصالات الرياضية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، إلى مواقف سيارات أفضل. عن «كريستيان ساينس مونيتور»


أدوات تجريبية

أطلقت وزارة الدفاع «البنتاغون» حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، تستهدف الآباء والمعلمين وغيرهم من المؤثرين البالغين ذوي الصلة لتعزيز الدعوة للخدمة العسكرية. كما يُطور أدوات تجريبية تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة المجندين. ويجمع فريق عمل التوظيف الجديد التابع للبنتاغون بين محللي البيانات والمحامين والعاملين في هذا المجال.

ابتداءً من عام 2023، أقر الكونغرس 3 زيادات متتالية في رواتب الجنود الأساسية، تراوحت نسبتها بين 4.5% و5.2% سنوياً.

شاركها.
Exit mobile version