وفق التحليل الذي أجرته «مؤسسة المناخ والمجتمع الأميركية»، ستؤدي الزيادات الأخيرة في إنفاق وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وحدها إلى إنتاج نحو 26 مليون طن من الغازات التي تعمل على رفع حرارة العالم، وهو ما يعادل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون السنوية الصادرة عن 68 محطة طاقة تعمل بالغاز أو المنبعثة عن دولة كرواتيا بأكملها.

وبالنظر إلى أن ميزانية «البنتاغون» سترتفع إلى نحو تريليون دولار، أي بزيادة بنسبة 17% أو 150 مليار دولار عما كانت عليه في عام 2023، سيزداد إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة الصادرة عنها إلى رقم كبير جداً يبلغ 178 مليون طن من غازات ثاني أكسيد الكربون، الأمر الذي سيجعل الجيش الأميركي وأجهزته الصناعية في المرتبة الـ38، من حيث أكبر مصدر للانبعاثات الغازية في العالم.

وسيؤدي ذلك إلى أضرار اقتصادية تقدر قيمتها بـ47 مليار دولار، بما فيها الآثار المترتبة على الزراعة، والصحة البشرية، والممتلكات نتيجة الطقس المتطرف في تحولاته، وفق التكلفة الاجتماعية الصادرة عن وكالة حماية البيئة الأميركية.

لكن التأثيرات الحقيقية لـ«البنتاغون» ستكون بالتأكيد أشد سوءاً من تقديرات مؤسسة المجتمع والمناخ الأميركية، نظراً إلى أن الحسابات لا تتضمن الانبعاثات الناتجة عن التمويل العسكري الأميركي التكميلي المنفصل، مثل نقل الأسلحة إلى إسرائيل وأوكرانيا في السنوات الأخيرة. كما أنه لا يشمل الانبعاثات الناجمة عن النزاعات المسلحة، والتي تكون كبيرة عند حدوثها.

وتغطي دراسة مؤسسة المجتمع والمناخ الأميركية، نفقات الجيش الأميركي فقط، كما يشهد الإنفاق العسكري في دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأوروبية ارتفاعاً حاداً. وتعهدت الدول الأعضاء الـ32 في «الناتو» في قمة لاهاي في يونيو الماضي، بزيادة إنفاقها العسكري والأمني من 2% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035.

وبناء عليه، قد يرتفع الإنفاق العسكري لحلف «الناتو» في أوروبا وكندا من نحو 500 مليار دولار، اليوم، إلى 1.1 تريليون دولار في عام 2035، عندما تساوي ميزانيات الدفاع المجتمعة للدول الحليفة الـ32 الأخرى تقريباً ميزانية «البنتاغون».

وينطوي كل دولار أو يورو من هذا الإنفاق العسكري، استعداداً لحلف «الناتو» لخوض حروب افتراضية مع الصين أو روسيا أو أي طرف آخر، على تكلفة مناخية وفرصة بديلة.

وفي غضون ذلك، يرغب القادة العسكريون الأميركيون في إنفاق المزيد، وهو ما يبرر إلى حد كبير تضخم التهديدات. وعلى سبيل المثال، خلال اجتماع عقد أخيراً لقادة الصناعات العسكرية في «فيسبادن» بألمانيا، أعاد الجنرال الأميركي، ألكسوس ج. غرينكويش، القائد الأعلى المعين حديثاً لقوات «الناتو»، التأكيد على الحجة الخطأ لزيادة الإنفاق العسكري.

ودعا الدول الأعضاء إلى الاستعداد لاحتمالية شن روسيا والصين حروباً في أوروبا والمحيط الهادي في آن واحد، مشيراً إلى أن عام 2027 يمثل نقطة اشتعال محتملة، وإن كانت مثيرة للتكهنات.

ويعتقد الجنرال غرينكويش، الذي يترأس القيادة الأميركية في أوروبا، أن الوضع الحالي يعني أن الحلفاء لديهم وقت محدود للاستعداد. وقال: «سنحتاج إلى كل ما نستطيع من معدات وعتاد وذخائر للتغلب على ذلك».

وجاءت تصريحات غرينكويش، خلال ندوة «لاند يورو» التي استضافها الجيش الأميركي في أوروبا وإفريقيا، والتي كان المقصود منها تشجيع القادة العسكريين والصناعيين على إيجاد سبل زيادة إنتاج الأسلحة بشكل كبير، خصوصاً في أوروبا.

وكما هي الحال دائماً في مثل هذه الفعاليات، كان البرنامج الذي استمر يومين يمثل فرصة للشركات لعرض أنظمة أسلحة متنوعة فيما يسمى «ركن المحاربين» في الندوة.

وكرر غرينكويش، نقاشه الأساسي الذي تم استخدامه من قادة «الناتو» لتبرير الإنفاق العسكري الذي كان مفاده: هو تزايد التعاون بين الأعداء. وأضاف: «لا يمكن رؤية كل هذه التهديدات الماثلة هناك، وفق تقديراتي، باعتبارها تحديات منفصلة.. علينا التفكير في كيفية ترابطها جميعاً».

لكن الأدلة على هذا التوجه بين ما يسمى «محور الاضطرابات»، غير المتجانسة في أحسن الأحوال، وهي ثنائية في المقام الأول، وليست تحالفاً رباعياً متكاملاً. ويعزى هذا التعاون أيضاً إلى الإحباطات المشتركة تجاه النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، والرغبة في مواجهة الهيمنة الغربية.

ويشكل هدم دونالد ترامب المنهجي لـ«النظام الدولي القائم على القواعد»، والخطاب المتواصل المناهض للصين، عوامل هذا التعاون، ويخاطر بتحويله إلى نبوءة ذاتية التحقق.

وخلال الندوة ذاتها، قال الجنرال الأميركي، كريستوفر دوناهو، قائد القوات الأميركية في أوروبا وإفريقيا، إن «جيش الولايات المتحدة وحلف (الناتو) شنا مبادرة عسكرية جديدة يطلق عليها (خط الردع الشرقي)، والذي يهدف إلى تعزيز القدرات العسكرية البرية للحلف، وتعزيز التوافق العسكري الصناعي عبر دول الحلف».

وحذر دوناهو من أن قوات «الناتو» قد تسيطر على منطقة «كالينينغراد» الروسية شديدة التحصين «في إطار زمني غير مسبوق»، إذا لزم الأمر.

وهنا يكمن تناقض آخر، فمن جهة، يدعي «الناتو» قلة موارده، ومن جهة أخرى، يتباهى بقدرته على وقف «مشكلة الكتلة والزخم» الروسية ومهاجمة الأراضي الروسية والاستيلاء عليها.

وينبغي أن نتذكر أن الولايات المتحدة تشغل الآن نحو 870 قاعدة ومنشأة عسكرية فيما وراء البحار، وهو ما يعادل ضعفي ونصف ما تمتلكه دول العالم قاطبة من هذه القواعد. وتبلغ نفقات دول حلف الناتو العسكرية مجتمعة 55% من نفقات العالم العسكرية.

لكن الخلل الرئيس في «فيسبادن»، هو عدم مراعاة العلاقة بين النفقات العسكرية والانبعاثات المناخية. ولم تكن هناك «زاوية خضراء» تذكر جنرالات حلف الناتو بأن أزمة المناخ تمثل تهديداً وجودياً على كوكب الأرض، ما يعني أنه يشكل خطراً للوجود الأساسي للبشرية والكوكب برمته. ويأتي أسلوب إغماض العينيين عن هذا الخطر المحدق بكوكبنا من أعلى قمة القيادة.

وخلال شهر مارس من العام الجاري، كتب وزير الدفاع في إدارة ترامب، بيت هيغسيث، في تدوينة على «إكس» قال فيها: «إن وزارة الدفاع لا تكترث لترهات تغير المناخ. ونحن نريد التدرب على الحرب».

وسينطوي هذا التدريب وخوض الحروب على عواقب كارثية على المناخ، بما فيها تناقص المياه على كوكب الأرض، وارتفاع منسوب البحار، وتصحر مناطق واسعة من العالم. وبالتالي سيؤدي ذلك بالتأكيد إلى انعدام الاستقرار السياسي، ومزيد من الهجرة القسرية.

ولا يمكن تجاهل إسهامات حلف الناتو في تدهور أزمة المناخ. ويجب أن يكون الحلف والدول المشاركة فيه تتسم بالشفافية فيما يتعلق بكمية الانبعاثات الغازية التي تطلقها، ويجب أن تلتزم على نحو جدي تقليص بصمة الكربون.

وبدلاً من إثارة التوترات مع الخصوم، ينبغي على كبار قادة حلف الناتو أن يدعوا القادة السياسيين إلى الاستثمار في إيجاد حلول دبلوماسية غير عسكرية، للأزمات السياسية في عصرنا.

وكما يقول محللو مؤسسة المناخ والمجتمع، يمكن إعادة توجيه هذه الزيادة في النفقات العسكرية نحو تدابير منزوعة السلاح لمواجهة تغير المناخ، مثل النقل العام، والطاقة المتجددة، أو الإسكان الاجتماعي الأخضر الجديد، وهو استثمار حقيقي في الأمن البشري. عن «رسبنسبل ستيتكرافت»

. «البنتاغون» تنتج نحو 26 مليون طن من الغازات، وهو ما يعادل الانبعاثات الصادرة عن 68 محطة طاقة تعمل بالغاز أو المنبعثة عن دولة كرواتيا بأكملها.

. الانبعاثات ستؤدي إلى أضرار اقتصادية تقدر قيمتها بـ47 مليار دولار، بما فيها الآثار المترتبة على الزراعة، والصحة البشرية، والممتلكات.

شاركها.
Exit mobile version