مراسلو الجزيرة نت
Published On 8/9/2025
|
آخر تحديث: 14:12 (توقيت مكة)
نابلس- “دخلت باسم الإنسانية وسوف أخرج باسم الإنسانية”، بهذه الكلمات اختصر الطبيب حسام أبو صفية رسالته إلى العالم وهو يصف معاناة الأسرى الفلسطينيين، وخاصة أسرى غزة، من انتهاكات إنسانية وحقوقية متواصلة، خلال الزيارة الأخيرة التي قامت بها محاميته غيد قاسم، في سجن عوفر حيث يقبع.
أبو صفية، الذي وضع حياته على المحك وواصل علاج الجرحى حتى اللحظة الأخيرة قبل اعتقاله، يعيش اليوم تجربة قاسية من الإهمال الطبي داخل السجون، فقد خسر أكثر من 30 كيلوغراما من وزنه منذ لحظة اعتقاله، ويعاني من ارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى إصابة سابقة بشظايا ما زالت مستقرة في فخذه حتى اليوم.
محاميته غيد قاسم تؤكد للجزيرة نت أن وضعه الصحي تدهور بشكل ملحوظ بعد الاعتقال، إذ يعاني من اضطرابات في القلب وعدم انتظام في دقاته نتيجة للضرب المبرح الذي تسبب في كسر 4 عضلات، خلال التحقيق القاسي الذي خضع له في معتقل “سديه تيمان” -قاعدة عسكرية بصحراء النقب، حيث يحتجز الجيش الإسرائيلي أسرى من قطاع غزة منذ بداية الحرب- ولا يزال حتى اللحظة يتعرض لاعتداءات متكررة داخل السجن.
وتشير قاسم أيضا إلى أن مرض الجرب (الإسكابيس) تفشى مؤخرا في سجن عوفر، ولم يسلم منه الدكتور أبو صفية. وتقول “وضع د. أبو صفية صعب، والحقيقة أن كل الأسرى أوضاعهم الصحية متدهورة، فلا يوجد أسير يعيش وضعا طبيعيا داخل السجون، لكن معاناة أسرى غزة أشد قسوة وخطورة”.
ضغوط متواصلة
ورغم كل ما يعانيه، يُحرم الدكتور أبو صفية من إجراء الفحوصات الطبية اللازمة أو تلقي العلاج المناسب. وتوضح محاميته أن الظروف القاسية داخل السجن، مثل الحرمان من التعرض لأشعة الشمس، وسوء التغذية، والعزل المتكرر، إضافة إلى تقييد اليدين منذ لحظة الاعتقال وما يرافقه من حرمان نفسي ومعنوي، جميعها تفاقم من خطورة حالته الصحية، لاسيما مع تقدمه في العمر، إذ يبلغ 52 عاما.
في الأسابيع الأخيرة، أُفرغت زنزانة أبو صفية في سجن عوفر من جميع الأسرى، وأدخل معه 5 معتقلين آخرين، بينهم معتقل يحمل الجنسية اللبنانية وجميعهم مصابون بالشلل النصفي، القسم الذي يقبع فيه حاليا يضم معتقلين جلبوا من سوريا ولبنان، ولا يعرف أبو صفية سوى 4 منهم.
وتوضح المحامية غيد قاسم أن “الغرفة صنفت على أنها مخصصة للمرضى، الأمر الذي جعل المعاملة أهون قليلا من ناحية الضرب، لكن هذا يبقى مؤقتا، ففي أي لحظة قد يتغير الوضع”.
وتلفت قاسم إلى الضغوط التي تتعرض لها بسبب متابعتها لقضية الطبيب أبو صفية فإدارة السجون تراقب كل ما يقال بين المحامي والأسير، كما يُمارس ضغط على الدكتور حسام بسبب تصريحات محاميته: “ليش محاميتك حكت هيك؟ خليها تهدى”.
لذلك تضطر قاسم أحيانا لتخفيف لهجتها الإعلامية حتى لا يتعرض لمشاكل إضافية داخل السجن، بالإضافة إلى أنها تتعرض لمضايقات وتهديدات أثناء الزيارات.
من أشكال الإبادة
وبدورها، أكدت أماني سراحنة، مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني، أن وضع الطبيب حسام أبو صفية يجسد بصورة واضحة أوضاع معتقلي غزة بشكل عام، قائلة “الظروف التي يمر بها، هي ذاتها الظروف التي يعيشها أي أسير من غزة.”
وأوضحت سراحنة للجزيرة نت أن استهداف الاحتلال لأبو صفية مضاعف، لكونه طبيبا وصاحب دور بارز في مواجهة الاحتلال، سواء من خلال عمله الطبي في متابعة المصابين والجرحى قبل اعتقاله، أو عبر صموده أثناء القصف والحرب في غزة.
وأضافت “اعتقال الأطباء الفلسطينيين هو شكل من أشكال الإبادة، فالاحتلال اعتقل عددا كبيرا من الأطباء والطواقم الطبية من غزة، بهدف ضرب المنظومة الصحية الفلسطينية وحرمان المجتمع من الكفاءات الطبية في ذروة الكارثة الإنسانية”.
وشددت المتحدثة على أن المؤسسات الحقوقية لم تعد قادرة على حصر أعداد الأسرى المرضى داخل سجون الاحتلال، موضحة “نحن نتحدث عن آلاف الأسرى المرضى، سواء ممن دخلوا السجن وهم يعانون أصلا من أمراض سابقة، أو ممن أصيبوا داخل السجن نتيجة الإهمال وظروف الاحتجاز القاسية، مثل آلاف الأسرى الذين أصيبوا بمرض الجرب، فضلا عن آثار التعذيب والضرب المستمر”.
وأضافت أن ما لا يقل عن 46 أسيرا من غزة استشهدوا منذ بداية الحرب، وهو الرقم المعلن رسميا فقط، بينما يرجح أن يكون العدد الفعلي أكبر بكثير.
احتلال فوق القانون
كما أشارت سراحنة إلى أن التعديلات الأخيرة على قانون “المقاتل غير الشرعي” جعلت أوضاع أسرى غزة أكثر تعقيدا وخطورة، إذ يحرمون بموجب هذا القانون من الحقوق التي يتمتع بها باقي الأسرى. فملفاتهم ترفع إلى المحكمة المركزية في بئر السبع، حيث تعقد جلسات شكلية لا يحضرها المعتقلون ولا يطلع محاموهم على الملفات، بينما يجري التمديد تلقائيا.
ووفقا لمحامية أبو صفية، صدر أمر اعتبار أبو صفية “مقاتلا غير شرعي” بتاريخ 13 مارس/آذار الماضي وكانت له جلسة في 23 من نفس الشهر وينتهي مفعولها في 12 سبتمبر/أيلول أي بعد أيام قليلة، فيما يبقى مصيره معلقا بقرار الاحتلال بشأن التمديد أو الإفراج.
من جانبها، بينت سراحنة أن ما يجري داخل السجون ليس معزولا عما يحدث في غزة من إبادة جماعية، بل هو امتداد لها، معتبرة أن ذلك يشكل اختبارا حقيقيا للمنظومة الحقوقية الدولية التي أثبتت حتى الآن فشلها وعجزها الممنهج، إذ يواصل الاحتلال التصرف وكأنه فوق القانون ودون أي محاسبة جدية.
وختمت بالقول إن دور المؤسسات الدولية لا يزال يقتصر على إصدار بيانات عامة أو جمع المعلومات، دون امتلاك أدوات فعلية لوقف الجرائم أو فرض تدخل يضمن حقوق الأسرى وحياتهم.