تعاني إيرلندا الشمالية التوترات والاضطرابات ضد المهاجرين، ويتم استخدام النار فيها لتخويفهم، ونشبت أخيراً توترات جديدة تم خلالها إشعال النيران في عدد من البيوت، ونتج عنها هروب عائلات من منازلها.

وشهدت إيرلندا الشمالية موجة من الأحداث المعادية للمهاجرين على مدار الأسابيع الخمسة الماضية، لكن الصور أعادت إلى الأذهان أيضاً لحظات أكثر قتامة في تاريخ الإقليم، حيث تم استخدام النار طويلاً لترهيب وإجبار من اعتبرهم البعض «غرباء»، على الهرب.

كان هدف هذه الموجة الأحدث من العنف مختلفاً عن تلك الهجمات التي اجتاحت البلاد، خلال فترة الاضطرابات التي استمرت عقوداً عدة، وكانت بين طائفة «البروتستانت» من سكان المنطقة، الذين يعتقدون أن إيرلندا الشمالية يجب أن تظل جزءاً من المملكة المتحدة، و«الكاثوليك» الإيرلنديين الذين أرادوا أن يصبح الإقليم جزءاً من جمهورية إيرلندا، لكن العنف كان مشتركاً في رسالة مفادها: «أنتم غير مرحب بكم هنا، وإذا لم تغادروا سنجبركم على ذلك».

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في «جامعة أولستر» في بلفاست، عاصمة إيرلندا الشمالية، دانكان مورو: «لاتزال النزعة الإقليمية في إيرلندا الشمالية مترسخة، وتتم حراستها من قبل مجموعات مسلحة لاتزال موجودة. كما يجري التصعيد في إيرلندا الشمالية كمجتمع على نحو سريع للغاية، لأن هذا متأصل بالفعل في طريقة تنظيم المجتمع ككل».

أسباب العنف

يطلق على بلدة «باليمينا»، التي تبعد نحو 48 كيلومتراً عن بلفاست، في بعض الأحيان، اسم «مربط» الحزام الإنجيلي البروتستانتي لإيرلندا الشمالية، وقد اندلعت أحدث أعمال العنف هناك، بعد اتهام مراهقَين يافعَين يبلغان من العمر 14 عاماً بمحاولة اغتصاب فتاة محلية، في السابع من يونيو الماضي، وقد نفى المراهقان اللذان ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنهما تحدثا في المحكمة، من خلال مترجم روماني، هذه التهمة.

وفي الليلة التي تلت ظهور المراهقَين في المحكمة، تحولت وقفة احتجاج سلمية في «باليمينا» إلى أعمال شغب، استهدفت أعضاء من المجتمع الروماني المهاجر في منطقة «كلونافون تيراس»، وعلى مدار ست ليالٍ متتالية، اندلع المزيد من أعمال العنف في جميع أنحاء المنطقة.

وقام مثيرو الشغب في «باليمينا» بحرق العديد من المنازل، التي يعود بعضها لعائلات مهاجرة، وقام أفراد العصابات الملثمون، في مدينة «لارنا»، التي تبعد نحو 32 كيلومتراً إلى الشرق من بلفاست، بإشعال النيران في مركز ترفيهي، كان يجري استخدامه مؤقتاً كمأوى للنازحين.

كما اقتحمت حشود غاضبة مساكن المهاجرين في «بورتاداون» بمقاطعة «أرما»، حيث حث أصحاب العقارات السكان على الانتقال إلى أماكن أخرى مؤقتاً إلى حين زوال الخطر.

وانتقل منذ ذلك الحين نحو 21 عائلة إلى أماكن أخرى للبقاء فيها بصورة مؤقتة، من أجل سلامتهم، نتيجة الهجمات، وفق هيئة الإسكان في إيرلندا الشمالية.

وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من سكان إيرلندا الشمالية، يرفضون أعمال العنف، فإن المشاهد المروعة التي شهدها الشهر الماضي، بمثابة تذكير بأن جذوة الشغب والقبلية في المنطقة لاتزال قابلة للاشتعال في أي لحظة، ولأسباب بسيطة للغاية.

مقاربة تاريخية

يقع الموقع السابق لمدرسة ابتدائية كاثوليكية على مقربة من واجهات المنازل المتفحمة في «باليمينا»، والتي تم إضرام النار فيها خلال هجوم جرى في عام 2005 وصفته الشرطة بالطائفي، وبالقرب منه، تقع كنيسة «سيدتنا هارفيللي» الكاثوليكية التي تهدمت منذ ذلك الحين، وقد تعرضتا لهجمات حرق متعمد، قبل وبعد اتفاقية «الجمعة العظيمة للسلام» التي تمت عام 1998، والتي أنهت الاضطرابات إلى حد كبير.

وأصبح عدد قليل نسبياً من المهاجرين خلال السنوات الأخيرة موضع عداء في كل من جمهورية إيرلندا، وإيرلندا الشمالية التي لاتزال أقل مناطق المملكة المتحدة تنوعاً بهامش كبير، وكان التحول الديمغرافي واضحاً للغاية، ولطالما كانت تعرف لقرون بالهجرة الخارجية، لاسيما في المجتمعات الفقيرة من الطبقة العاملة، حيث تستقر العديد من العائلات المهاجرة.

ويقول البروفيسور، دومينيك بريان، من «جامعة كونيز» في بلفاست، الذي كان متخصصاً في الصراعات: «جغرافية النزاع الحالي شبيهة بما كان عليه الحال في عام 1969، عندما كان هناك كاثوليك متفرقون يعيشون في الشوارع».

وفي أغسطس من عام 1969، هاجمت حشود من الموالين منازل الكاثوليك في بلفاست وديري، وقامت بحرقها، وأجبرت الآلاف من العائلات على الهرب، ويضيف بريان: «في هذه الأيام، من الواضح أن عائلات المهاجرين هي الأهداف الواضحة كأقلية في شوارع الشمال، التي كانت في السابق متجانسة إلى حد كبير»، ويتابع: «لقد أصبحوا مكشوفين تماماً».

عناصر إجرامية

وفاقم من توتر الوضع وجود عناصر إجرامية وشبه عسكرية مختلفة، في وقت لاتزال فيه «باليمينا» معقلاً للجماعات شبه العسكرية المنشقة، التي أعاد بعضها تنظيم صفوفه كعصابات إجرامية، وتشير قضايا المحاكم إلى أن الشرطة تعتقد أن المدينة تم استخدامها أيضاً كقاعدة لعصابة جريمة منظمة رومانية، تتاجر في المخدرات.

ولطالما اتهمت الشرطة المجموعات شبه العسكرية بتفجير الاضطرابات، إذ ألقى المسؤولون في إيرلندا الشمالية والجمهوريون، في الصيف الماضي، باللوم على تلك الجهات لتسهيل أعمال العنف ضد المهاجرين في دبلن، إضافة إلى بلفاست وأجزاء أخرى من إيرلندا الشمالية، ولم يلق المسؤولون على عصابات الموالين، وهم مؤيدون للبروتستانت، مسؤولية إثارة الهجمات والحرق العمد، لكنهم قالوا إنهم يبحثون الآن ويدققون للعثور على إمكانية أن يكون لها دور في تلك الأعمال.

ويقول الخبراء إن الكثير من الاضطرابات الأخيرة تم تنظيمها عبر الإنترنت، حيث تبنت بعض الفصائل الموالية لغة يمينية متطرفة ومعادية للمهاجرين في السنوات الأخيرة.

عن «نيويورك تايمز» و«إيريش نيوز»


«أوقفوا القوارب»

ظهرت يوم الخميس الماضي أيديولوجيات متداخلة في تمثال قارب المهاجرين الذي تم إشعال النار فيه، خلال احتفالية بمناسبة الـ12 من يوليو، وهو احتفال سنوي يحييه «الاتحاديون» لذكرى انتصار عسكري لملك بروتستانتي على ملك كاثوليكي. وكانت الكتابة الموجودة على اللافتات المرفوعة فوق النار تقول: «أوقفوا القوارب»، و«المحاربون القدامى قبل اللاجئين»، ولطالما وجد هذا النوع الفطري من الشعور القومي، تاريخياً، أرضاً خصبة في «باليمينا»، وهي موطن واعظ بروتستانتي متعصب يعد مؤسس السياسة المتشددة المعاصرة، وهي الحركة التي ظلت جزءاً من المملكة المتحدة.


التشكك في الغرباء

تمثال وُضع فوقه نموذج لزورق وكتب عليه «أوقفوا زوارق المهاجرين ». من المصدر

كان التجول في شوارع «كلونافون تيراس» بمدينة «باليمينا» في إيرلندا الشمالية، الشهر الماضي، وهي نقطة التقاء بين المناطق البروتستانتية والكاثوليكية التقليدية في المدينة، بمثابة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وكانت أعلام المملكة المتحدة وأعلام «أولستر» الحمراء والبيضاء (وهي أعلام قديمة لإيرلندا الشمالية) منتشرة في كل مكان، وملصقة على الأبواب، ومرفوعة على النوافذ، أو كزينة للحدائق.

وتوقف أحد المصورين إلى جانبه زميل له خارج أحد المنازل المزينة بالأعلام، في وقت أطل شخص من النافذة وسألهما عن هويتهما ومن يكونان، وما الذي يفعلانه هنا؟ ولماذا؟ وعندما غادرا المكان ووصلا إلى آخر الشارع، كان الرجل خلفهما يتابعهما بنظرة سريعة، ثم دخل الرجل إلى حديقته، وتابع مراقبتهما بصمت حتى دخلا في شارع آخر وغابا عن ناظره.

كان التشكك إزاء الغرباء ملموساً وواضحاً بالنظر إلى أعمال الشغب في «باليمينا» في الـ11 من يونيو الماضي.

وفي اليوم التالي في منطقة «بورتاداون»، طالب المتظاهرون ببطاقات هوية الصحافيين، وواجهوا غرباء بشأن توجهاتهم السياسية، وتفرق احتجاج سلمي ببطء في المنطقة، لكن المتفرجين انتظروا بفارغ الصبر، متوقعين اندلاع أعمال عنف، وبالفعل بدأت مجموعات صغيرة من الشباب الملثمين بإلقاء حجارة على ضباط الشرطة الموجودين في الموقع.

وفي وقت سابق، كان رجل يرتدي قميصاً مكوياً بعناية ومعطفاً داكناً يراقب الحشد، وقال الرجل، وهو جوناثان باكلي، عضو الجمعية عن الحزب الاتحادي الديمقراطي من «بورتاداون»: «هناك مخاوف جدية بشأن الهجرة غير المنضبطة، بل والهجرة غير الشرعية»، لكنه أضاف: «العنف لا يطاق على الإطلاق».

وكانت إحدى المجموعات من السكان في «باليمينا»، الشهر الماضي، تتحدث مع بعضها عن الأحداث التي يشاهدونها في الشوارع، كما لو كانوا يشاهدون مسرحية شاهدوها من قبل.


سلوك عبثي وتدمير ذاتي

 

متفرجون يراقبون تدخل الشرطة في أحد أعمال الحرائق. من المصدر

حدث آخر أعمال الحرائق من قبل مثيري الشغب بشارع «كولين رود» في مدينة بلفاست، ما أدى إلى تخريب أحد أبراج البث لشركة هواتف محمولة، في وقت سارعت سيارات الإطفاء إلى إخماده.

وطالب عضو البرلمان عن غرب مدينة بلفاست، بول ماسكي، بوضع حد لهذا النوع من الهجمات، وقال: «هذه الهجمات مجرد تدمير ذاتي، وفي النهاية ستؤدي إلى هزيمة ذاتية، وترقى إلى الهجوم على المجتمع برمته، فهي تؤدي إلى أعمال تدمير خطرة، وتعرّض حياة الكثيرين للخطر، ويجب أن يتوقف هذا السلوك العبثي فوراً».

وأضاف: «سأواصل التواصل مع الشرطة، لضمان بذلها قصارى جهدها لتحديد المسؤولين ومحاسبتهم».

بدورها، طالبت شركات تشغيل الهواتف المحمولة بإحراز تقدم في خطة عمل، للمساعدة في «توعية المواطنين» بالمخاطر الصحية المحتملة لأبراج اتصالات الجيل الخامس.

شاركها.
Exit mobile version