“إنه الجبهة الثامنة لدولة إسرائيل. بينما يقاتل الجنود على 7 جبهات، يجب تطهير الجبهة الثامنة. لم يفعل أيمن عودة شيئا لعرب إسرائيل، إنه فقط يدعم أعداءنا (…)”، بهذا الإيجاز افتتح أوفير كاتس عضو الكنيست عن حزب الليكود في 24 يونيو/ حزيران 2025 مداولات لجنة مهمتها إقصاء رئيس تحالف”الجبهة- العربية للتغيير” أيمن عودة على خلفية تغريدة له في يناير/ كانون الثاني الماضي ضد الاحتلال، وخطاب بحيفا متعاطف مع معاناة غزة، واستنادا لقانون يتيح عزل عضو الكنيست على أساسين: “التحريض على العنصرية، ودعم المعارضة المسلحة ضد دولة إسرائيل”.
وبعد أن سجل معدو قانون العزل نجاحهم الأول بإقراره مسودته في 30 يونيو/حزيران الماضي، بأغلبية 14 صوتا مقابل صوتين عربيين معارضين، عاد ليخفق في 14 يوليو/ تموز الماضي بعد تعذر حصوله على الأصوات الـ90 المطلوبة (من أصل 120) في جلسة الكنيست العامة، ليتكرس بعدها المحامي المولود في حيفا، واحدا من رموز فلسطينيي الـ48 في كفاحهم لدعم غزة بأدوات العمل البرلماني.
في سياق محاولة نواب اليمين الإسرائيلي إقصاء عودة من المشهد السياسي، سجلت مواقف لافتة لدعمه أو معاداته، في الخارج وفي الداخل الإسرائيلي على حد سواء. أبرز هذه المواقف أتى من الولايات المتحدة الأميركية بلسان عضو الكونغرس الديمقراطي (اليهودي) المعروف بيرني ساندرز.
ففي 13 يونيو/ حزيران الماضي أعاد عودة نشر تغريدة لساندرز على حسابه على منصة “إكس” قال فيها الأخير: “أنا وزملائي ندين بشدة الجهود الرامية إلى طرد النائب أيمن عودة من الكنيست الإسرائيلي، وهو رد مباشر على دعوات عودة الشجاعة لوقف فوري لإطلاق النار في غزة”. ورد عودة على ساندرز في اليوم التالي قائلا “شكرا لك، صديقي العزيز بيرني، على قيمنا المشتركة”.
على النقيض من موقف ساندرز، فقد شهد التصويت الأول في اللجنة الخاصة المكلفة بإعداد قانون عزل عودة مواقف غير متوقعة من الأحزاب المعارضة لليمين الصهيوني الحاكم، فقد أيد نواب “يوجد مستقبل-لبيد” و”معسكر الدولة-غانتس” و”إسرائيل بيتنا-ليبرمان” قانون العزل.
وفي حديثه للصحفيين بعد تصويت اللجنة، قال ليبرمان، النائب وزعيم “إسرائيل بيتنا”، الذي كان قد صرح قبل نحو 10 سنوات بأنه “لا يوجد أبرياء” في قطاع غزة، إنه يأمل في أن يصوت 90 نائبا لصالح عزل أيمن عودة، وقال: “يمكنه (عودة) أن يجلس في برلمان حماس في غزة أو مع الحوثيين، لكن لا مكان له في الكنيست الإسرائيلي”.
ابن حيفا
مقابل موقف أبرز أحزاب المعارضة الحكومية، وقف البروفيسور دافيد هارئيل، رئيس الأكاديمية الإسرائيلية للعلوم، والمناهض لحكومة الاحتلال مدافعا عن عودة. فقال في مظاهرة احتجاجية في حيفا من أجل وقف الحرب في 30 يونيو/ حزيران الماضي “يجب أن نقول أولا إن أيمن عودة أحد أروع الأبناء الذين أنجبتهم مدينة حيفا الرائعة، عضو كنيست نموذجي”.
وأضاف البروفيسور هارئيل، الحائز على جائزة إسرائيل للعلوم، وهو محاضر لعلم الحاسوب في معهد وايزمان أن “إخراج أيمن عودة خارج إطار القانون الآن، سيقود في النهاية إلى وضع جميع معارضي الحكومة في هذا الحال”.
كما وقع 150 محاضرا جامعيا من كليتي الحقوق والعلوم السياسية في مختلف الجامعات والكليات عريضة موجهة لرؤساء المعارضة ضد إقصاء النائب عودة.
ويفيد مراسل الجزيرة نت بأن الإجراء البرلماني لإقصاء النائب عودة تزامن مع سلسلة قرارات وإجراءات أخرى استهدفت القيادات السياسية لفلسطينيي 48. فقد أصدرت المحكمة الإسرائيلية حكما بإدانة الشيخ كمال الخطيب بتهمة “التحريض على العنف والإرهاب”، كما ثبتت السلطات الاعتقال الإداري بحق رجا إغبارية، القيادي في حركة أبناء البلد، وكذلك محاولات سابقة لإقصاء النائب عن الحزب الشيوعي عوفر كسيف.
تحريض وتحطيم
أما الساعون لإقصاء عودة فقد تحدث وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو نيابة عنهم بتغريدة على “إكس” قال فيها: “حتى لو لم ننجح اليوم في إزاحة الإرهابي الذي يرتدي بدلة، فإننا ما زلنا نتقدم نحو النصر”، وفق تعبيره. وما لبثت أصداء هذا الموقف أن ظهرت على الأرض بصورة ممارسات عنصرية طالت عودة ذاته.
ففي 19 يوليو/ تموز الماضي دعي عودة لإلقاء كلمة في تجمع مناهض للحرب في بلدة نس تسيونا. لكن سيارته تعرضت للهجوم وهو بداخلها من قبل مجموعة من المستوطنين بعد إلقاء كلمته.
وقال في تغريدة بعد الهجوم: “الشرطة تواطأت كليا مع الفاشيين الذين لاحقوه بالعصي والحجارة”، مضيفا أن إن ما حدث اليوم، إضافة الى قضية الإقصاء سوف توسع الشراكة العريضة ضد الفاشية. والنصر لأصحاب الحق”.
أيمن عادل عودة، من مواليد الأول من يناير/كانون الثاني 1975 في حيفا، هو محام وسياسي فلسطيني، ونائب في الكنيست عن تحالف “الجبهة-العربية للتغيير”. نشأ في حي الكبابير بحيفا، في أسرة مسلمة ودرس في مدرسة مسيحية، ويؤكد دائما تجاوزه الانقسامات الدينية والعرقية. تأثر منذ صغره بحرب لبنان والانتفاضة الأولى، وبثقافة صحيفة “الاتحاد” وتربية وطنية من والديه.
برز نشاطه منذ المدرسة الثانوية، وانتُخب رئيسا لمجلس الطلاب، وتعرض مبكرا لملاحقات أمنية. شغل عضوية بلدية حيفا (1998-2003) حيث دافع عن حقوق العرب والطبقات الفقيرة، واعتُقل عدة مرات خلال نشاطه الميداني. تولى أمانة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (اليسارية) (2006-2015)، ثم ترأس القائمة المشتركة (2015-2022)، وهو نائب في الكنيست منذ 2015.
بركة وطه
لم يغب الدعم الحقوقي والسياسي لعودة من طرف فلسطينيي 48. وأكد المدير العام لمركز “عدالة” حسن جبارين، الذي يمثل عودة، للجزيرة نت أن تصريحاته لا تشكل مخالفة قانونية ولا أساسا جنائيا، مشددا على أن ما جرى يعكس حملة عنصرية تهدف إلى نزع الشرعية عن التمثيل السياسي للفلسطينيين في إسرائيل.
وقبل تصويت الكنيست النهائي على مشروع قانون إقصاء عودة بيوم واحد نظم ناشطون عرب ويهود تظاهرة قبالة الكنيست تحدث فيها محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، قائلا “إن هذه الملاحقة السياسية، وفصل نائب من الكنيست بسبب التعبير عن مواقفه السياسية ضد الاحتلال والحرب، ومن أجل السلام، هو لائحة اتهام ضد هذه الحكومة ومن يدعمها”.
وقال أيضا” إننا هنا نطلق صرختنا ضد معاناة الشعب الفلسطيني والقتل والتجويع المبرمج، فدولة حكومتها ترتكب هذه الجرائم، وائتلاف يعطي شرعية علنية لهذه الجرائم، هي حكومة خارج كل القيم الإنسانية”.
ووجه الكاتب المعروف محمد علي طه رسالة لعودة عبر وسائل التواصل قال فيها “أعذرني يا أبا الطيب لأنني لا أقول لهؤلاء النواب المحترمين إنهم أغبياء وفاشيون لأنني يجب أن أكون حذرا. وأعذرني أيضا لأنني لا أقول لهؤلاء المحترمين إن عواءهم لا يخيفنا والعواء كما تعلم هو صوت الذئب”.
أما عودة نفسه فقال في يوم إخفاق التصويت على عزله “بفخر كبير، يمكنني أن أقول: الفاشيون فشلوا. لقد فشلوا لسبب واحد: أنتم، الشعب. حاولوا إسكاتنا، لكن أصواتنا كانت أعلى”.
وأضاف في بيان لوسائل الإعلام تلقت الجزيرة نت نسخة منه: “لا خيار أمامنا سوى الثبات على مواقفنا. هكذا فقط نحمي حقا انتزعه شعبنا بنضال طويل: توسيع مساحة حرية التعبير. مواقفنا وطنية وإنسانية، أما مواقفهم فعنصرية وفاشية”.