رصدت «الإمارات اليوم» قضايا عدة لسائقين فرّوا من مواقع حوادث مرورية بعد ارتكابها، وحالات لضحايا سلوكيات خاطئة مرتبطة بالهروب، من بينهم سائقة تعرّضت للمساومة من قِبَل شخص كان يقود درّاجة نارية، أبلغ عن عدم وقوفها بعد صدمها درّاجته، وطلب منها مبلغاً كبيراً مقابل التسوية، رغم التزامها قانوناً.

وكشف خبراء في قطاعَي القانون والتأمين أن التعديلات التشريعية الأخيرة تشددت حيال المتورطين في هذا السلوك، إذ تصل العقوبة إلى الحبس سنة والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم لمن لا يتوقف من دون عذر مقبول عند وقوع حادث مروري.

وأفادوا بأن شركات التأمين لها الحق في مطالبة السائق الهارب بالتعويض الذي دفعته للطرف المتضرر، خصوصاً في حال ثُبت ارتكابه أحد الاستثناءات التي تنصّ عليها الوثيقة الموحدة للتأمين، مثل القيادة تحت تأثير المخدرات والمشروبات الكحولية.

وتفصيلاً، أفادت موظفة من جنسية عربية بأنها كانت تقود سيارتها وصدمت درّاجة نارية يقودها شخص آسيوي، ونزلت على الفور للاطمئنان عليه، وتبين بعد نزولها أنه حادث بسيط، ولم يصب الطرف الآخر بأذى أو تتضرر درّاجته أو سيارتها بما يستلزم إصلاح الدرّاجة أو السيارة.

وقالت لـ«الإمارات اليوم» إنها سألته بوضوح عمّا إذا كان يريد الاتصال بالشرطة، كون سيارتها مرخصة ومُؤمَّنة وليس لديها مشكلة قانونية، فأكّد لها أن الأمر لا يستدعي ذلك.

وأضافت أنها فوجئت باتصال من الشرطة في المساء، وطُلِب منها الحضور إلى المركز، وحين وصلت فوجئت بأن سائق الدرّاجة أبلغ عن الواقعة واتهمها بالهروب من الموقع، ولسوء الحظ لم يكن المكان مغطى بالكاميرات، وحين حاولت تسوية الموقف معه، طلب منها 6000 درهم حتى يتنازل عن البلاغ.

وفي واقعة مختلفة، قال ضحية حادث مروري، لـ«الإمارات اليوم»، إن مركبة اصطدمت بسيارته بقوة من الخلف أثناء سيره في طريقه الطبيعي، فشعر بآلام في جسده وخرج بصعوبة من السيارة وجلس على الرصيف، كما نزل سائق المركبة المُتسببة من سيارته وتفقد الأضرار أولاً، ثم توسل إليه بألّا يتصل بالشرطة كونه يقود سيارة منتهية الترخيص، بسبب تراكم المخالفات عليها، كما أنها مسجلة باسم شقيقه، وليس لديه رخصة قيادة، وأضاف السائق المُتضرر أنه أخبر الآخر بأنه اتصل بالشرطة فعلياً، كونه بحاجة إلى فحص سريع، كما أن سيارته يجب أن يتم إصلاحها لدى الوكالة في ظل أن لديه تأميناً شاملاً، وشعر أن السائق المتسبب يتصرف بطريقة مُريبة، ما دفعه إلى تسجيل رقم لوحة مركبة الأخير على سبيل الاحتياط، وحدث ما كان يتوقعه تماماً، إذ غافله ولاذ بالفرار تاركاً إياه في مكان الحادث.

وأشار إلى أنه حرر بلاغاً بالواقعة، وتم استدعاء شقيق السائق الهارب، ثم ضُبِط الأخير وأُحيل إلى النيابة العامة، ومنها إلى المحكمة التي قضت بإدانته ومعاقبته بالغرامة.

إلى ذلك عاقبت محكمة المرور في دبي سائقاً خليجياً بالغرامة، وأوقفت العمل برخصته ثلاثة أشهر بعد إدانته بتهمة عدم الوقوف من دون عذر مقبول في مكان الحادث، حيث لاذ بالفرار بعد أن صدم بسيارته مركبة أخرى تقل امرأة آسيوية ورجلاً خليجياً، ما أدى إلى إصابتهما.

كما دانت محكمة المرور أوروبياً صدم مركبة أخرى بسيارته، ولاذ بالفرار بعد ذلك، وتبين بعد ضبطه والتحقيق معه في الواقعة أنه لم يكن يملك رخصة قيادة، واعترف بجريمته بعد مواجهته بالأدلة التي شملت تصويره بكاميرات المراقبة في موقع الحادث.

وفي واقعة أخرى، ضبطت شرطة دبي سائقاً آسيوياً تسبب في حادث دهس لشخص، ما أدى إلى تعرّضه لإصابات بليغة ونقله إلى المستشفى، لتلقي العلاج، وتم تحديد هوية السائق الهارب والقبض عليه خلال أقل من ثلاث ساعات أثناء محاولته الفرار من الدولة.

من جهته، قال المحكم والمستشار القانوني، محمد نجيب، إن الهروب من مكان الحادث، سلوك غير أخلاقي ولا إنساني، ويتشدد قانون السير في معاقبة مرتكبه، كما يمكن مقاضاته جزائياً ومدنياً إذا ثبت أن تصرفه أدى إلى وقوع أذى مضاعف للحادث، كأن يتأكد أنه كان بالإمكان إنقاذ الضحية أو الحد من خطورة الإصابة لو وقف السائق الهارب وقدّم للمصاب المساعدة أو أبلغ عن الحادث في توقيت مناسب وأسهم في وصول الإسعاف بشكل أسرع.

وأضاف نجيب أن المرسوم بقانون رقم 14 لسنة 2024 يتضمن مواد ذات صلة مباشرة بسلوكيات السائقين، فالمادة تحت عنوان «التزامات سائقي المركبات» تشمل في الفقرة «ب» تقديم الإسعافات الأولية للمصاب عند وقوع حادث منه أو عليه، إذا كانت لديه المعرفة الطبية اللازمة، فيما تنصّ الفقرة (ج) على أنه يتحتم على السائق إبلاغ الشرطة أو الجهة التي تعتمدها سلطة الضبط المروري عن الحادث الذي وقع له خلال مدة لا تزيد على ثلاث ساعات ما لم يكن للتأخر في الإبلاغ عذر مقبول تقدره سلطة الضبط المروري.

وأوضح نجيب أن هناك حالات لا يمكن التسامح فيها قانونياً مع السائق الهارب، كأن يدهس شخصاً ليلاً في منطقة لا يوجد فيها مارة، ويتركه مصاباً من دون تقديم الإسعافات والمساعدة أو إبلاغ الشرطة وجهات الإنقاذ، ففي هذه الحالة يصعب تفهم انتظاره حتى للمهلة الزمنية المسموح بها، وهي ثلاث ساعات.

وتابع أن المادة 38 من القانون ذاته، تتضمن عقوبات الهروب من موقع الحادث، وعدم تقديم معلومات، إذ تنصّ على أنه يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم ولا تزيد على 100 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب أفعالاً، منها عدم الوقوف دون عذر مقبول عند وقوع حادث مروري منه أو عليه نتجت عنه إصابات في الأشخاص.

وفي حال امتناع مالك سيارة تسببت في وقوع جريمة أو حادث، عن تقديم معلومات يترتب عليها الكشف عن ظروف الجريمة أو الحادث أو الشخص المُتسبب، والهروب من أفراد الشرطة عند محاولة إيقافه أو التسبب في حدوث مطاردة على الطريق، أكّد نجيب أن القانون يُلزم الشخص الذي يشاهد حادثاً مرورياً بالإبلاغ عنه، وتقديم المساعدة للضحايا حتى لو لم يكن طرفاً فيه، لأنه واجب إنساني ومجتمعي، لذا يتشدد مع المخالف، خصوصاً لو كان متسبباً في الحادث، مشيراً إلى أنه لا مبرر إطلاقاً لهذا السلوك، لأن مرتكبه قد يكون ارتكب خطأ مرورياً في البداية، لكن بهروبه يتورط في جريمة لا يمكن التهاون معها، أو قد يتعرّض للمساومة لاحقاً على غرار واقعة حادث الدرّاجة النارية.

بدوره، قال الاستشاري وخبير التأمين بمحاكم دبي، محمد موسى الشواهين، إنه من واقع حالات عدة تعامل معها فإن معظم المتورطين في هذا السلوك هم من المراهقين الذين يقودون سيارات ذويهم أو أقاربهم دون علمهم، ويرتبكون حين يتسببون في حادث مروري، ويلوذون بالفرار مُعرّضين سلامتهم وحياة غيرهم للخطر، فضلاً عن المساءلة القانونية لهم ولذويهم.

وأضاف أن الفئة الثانية الأكثر تورطاً تتمثّل في السائقين الذي يقودون تحت تأثير المشروبات الكحولية والمخدرات، فهؤلاء يخشون من تبعات الوقوف سواء مجتمعياً بفضح سلوكهم لدى معارفهم والمقربين منه، أو قانونياً بما قد يواجههم نتيجة ذلك.

كما أن هناك فئة من الهاربين لا تكون لديهم رخصة سارية أو أن المركبة منتهية الترخيص والتأمين، مؤكداً أنه سلوك غير مبرر في جميع الأحوال، ولا يتم التهاون معه من قبل الجهات المتخصصة.

وحول موقف شركات التأمين من هذه الحالات، أوضح الشواهين أن شركة التأمين المُؤمِّنة للطرف المُتضرر يحق لها مطالبة شركة التأمين المُؤمِّنة للسائق المُتسبب الهارب أو الأخير، بسداد ما التزمت به تجاه الضحية، سواء تمثّل ذلك في إصلاح السيارة أو مصروفات العلاج أو في حال نتج عن الحادث وفاة.

وأشار إلى أن شركة التأمين المُؤمِّنة لسيارة السائق المُتسبب الهارب، ملزمة بتعويض الطرف المتضرر، لكن يحق لها أيضاً الرجوع على عميلها المُتسبب بقيمة ما أدته نيابة عنه من تعويض، إذا ثُبت أنه تنطبق عليه حالات منها، أن سائق المركبة سواء كان المُؤمَّن له أو شخصاً آخر ارتكب الحادث وهو في غير حالته الطبيعية، بسبب وقوعه تحت تأثير المخدرات أو تناول المشروبات الكحولية المؤثرة على قدرته في السيطرة على المركبة، أو تناول العقاقير التي لا يسمح طبياً بالقيادة بعد تناولها.

بدوره، قال الخبير ومؤسس منصة إي سند للتأمين، أنس مستريحي، إن هناك خسائر كبيرة تقع على الشخص المتضرر جرّاء هروب السائق المُتسبب من مكان الحادث، فمن الممكن أن يتعرّض لإصابات أو مضاعفات خطرة نتيجة التأخر في الإبلاغ أو عدم تقديم المساعدة.

وفي الحوادث التي لا توجد فيها إصابات، يضطر إلى سداد قيمة تقرير الشرطة أو سلطة التعامل مع الحوادث، ويدفع نسبة تحمل إلى شركة التأمين، فضلاً عن تضرر ملفه التأميني بشكل عام، ما يؤدي إلى رفع القيمة عليه حال رغبته في تجديد التأمين، لافتاً إلى أن هذا الأذى الكبير الذي يقع على الضحية يتحمله شخص غير مسؤول لم يلتزم بالوقوف في مكان الحادث الذي تسبب فيه.

وتابع أنه في المقابل يضطر الشخص المتسبب الهارب للجوء إلى ورش مخالفة تقبل بإصلاح سيارته من دون تقرير شرطة، فيدفع فاتورة أعلى، ويُعرّض نفسه للمساءلة القانونية، في ظل تشديد الجهات المتخصصة على جميع مراكز التصليح بعدم قبول سيارة دون تقرير من جهات تخطيط الحوادث.

وأوضح مستريحي أن السائق الذي يجنح إلى الهروب، يحاول تفادي ضبطه في أوضاع غير قانونية أخرى، مثل القيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات، أو ارتكب مخالفات عدة قد تضعه تحت المساءلة، مثل عدم حيازة رخصة قيادة أو استخدامه مركبة منتهية الترخيص.

وأشار إلى أن شركات التأمين لا تترك حقوقها في مثل هذه المواقف، فتعود على السائق المُتسبب الهارب سواء كانت مُؤمِّنة له أو للشخص المُتضرر، وتُلزم الأول بسداد كُلفة الإصلاح، لافتاً إلى أن وثيقة التأمين تعطيها حق الرجوع على الشخص المُتسبب في الحادث، وقد تصل فترة المطالبة لسنوات، وربما تلجأ إلى مقاضاته حتى تسترد حقوقها.

وأكّد مستريحي أن هذا السلوك يرقى إلى درجة الجريمة، لأنه ربما في ثوانٍ قليلة قد يسهم في إنقاذ حياة إنسان، أو تقليل مضاعفات إصاباته من إعاقة أو شلل إلى إصابات أقل خطورة، ومن ثم فإن التأخر في الإبلاغ نتيجة هروب السائق هو سلوك غير أخلاقي يستحق الردع والعقوبة.

إلزام سائق هارب بسداد 57 ألف درهم لشركة تأمين

قضت المحكمة المدنية في دبي بإلزام سائق مركبة تسبب في حادث مروري، وهو في حالة غير طبيعية، وهرب من المكان، بردّ مبلغ 57 ألف درهم لشركة التأمين، سددته بالنيابة عنه كتعويض للشخص المصاب جرّاء الحادث، والشركة المُؤمِّنة للسيارة المُتضررة، فضلاً عن رسوم خدمات الإسعاف.

وأوضحت المحكمة في حيثياتها أنه بحسب الفصل الخامس من وثيقة التأمين الموحدة، يحق لشركة التأمين الرجوع على المُؤمَن له أو قائد المركبة أو المسؤول عن الحادث، بقيمة ما أدته نيابة عنه من تعويض في حالات، منها إذا ثبت أن سائق المركبة سواء كان المُؤمَّن له أو شخصاً آخر ارتكب الحادث وهو في غير حالته الطبيعية، بسبب وقوعه تحت تأثير المخدرات أو تناول المشروبات الكحولية المؤثرة على قدرته في السيطرة على المركبة.

• امرأة تتعرّض للمساومة من سائق درّاجة لعدم إبلاغها عن الحادث.

• آسيوي يدهس آخر ويهرب من المكان، ويحاول الفرار من الدولة.

شاركها.
Exit mobile version