تعدّ المتاحف جزءًا مهمًا من التراث الحضاري، وتعكس تاريخ المملكة الغني وتراثها المتنوع، وتلعب دورًا حيويًا في إثراء المشهد الثقافي وتعزيز التفاعل المجتمعي من خلال الأنشطة التعليمية والترفيهية، إلى جانب أنها وجهة سياحية مهمة تجذب الزوار، وتسهم في التنمية الاقتصادية.

ومن بين المتاحف المتميزة في محافظة جدة متحف “الشفاء” الذي يعد أول متحف يرصد إسهامات العلماء المسلمين في نهضة الطب والجراحة والصيدلة واكتشاف الأمراض وتشخيصها وسبل علاجها والترجمة والتأليف، ويحتوي على 1000 قطعة فنية من أقطار العالم الإسلامي.

ويفرد المتحف أجنحة خاصة بإسهامات أربعة من أشهر علماء الحضارة الإسلامية وهم: أبو بكر الرازي، ابن سينا، أبو القاسم الزهراوي، وابن النفيس، الذين أحدثوا طفرة كبيرة ومتقدمة في جميع مجالات العلوم الطبية في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية.

وشكلت تلك الاكتشافات والنظريات والمؤلفات حجر الأساس اعتمدت في مناهج التعليم والعلاج في كبرى الجامعات والمستشفيات حول العالم لقرون عديدة مضت وحتى عصرنا الحاضر.

ويضم المتحف كتبًا مطبوعة مثل: الطبعة العربية الأولى لكتاب القانون في الطب، والتي طبعت عام 1001هـ، والطبعة اللاتينية الأولى من كتاب الجدري والحصبة للرازي، وطبعة هندية هامة من كتاب “التصريف” لأبي القاسم الزهراوي.

ويعرف المتحف الزوار بإسهامات قدماء العلماء المسلمين وإنجازاتهم في إرساء قواعد العلوم الطبية، والتي شكلت اللبنة الأساس لما وصل إليه الطب من اكتشافات، وتقدم وتطور في أساليب العلاج في عصرنا الحاضر، وينقسم المتحف إلى تسعة أقسام رئيسية هي: الطب النبوي، الترجمة والتأليف، العدوى والوباء، براعة التشخيص، طب العيون “الكحالة”، وكذلك التشريح وعلم وظائف الأعضاء، طب النساء والولادة، الصيدلة، والجراحة، ويتناول كل قسم في المتحف أحد جوانب العلوم الطبية التي أسهم العلماء والأطباء المسلمون في نهضتها، مستعرضًا العشرات من مخطوطاتهم الأصلية النادرة وكتبهم المطبوعة، وأدواتهم الطبية والجراحية والصيدلانية.

ويسلط المتحف الضوء على عدد من رواد الطب المسلمين المعاصرين أيضًا، الذي تركوا بصمات وإنجازات تكتب بماء الذهب في خدمة الإنسانية والممارسة المهنية، ويعرض عددًا من مخطوطاتهم ومقتنياتهم الطبية، منها مخطوطة من كتاب “إصلاح الأدوية” لحبيش الأعسم، ويعود تاريخها للقرن الثالث الهجري، ومخطوطة وحيدة في العالم بعنوان “حياة النفس” لأبي إسحاق المتطبب، إضافة إلى نسخة هامة من كتاب “الموجز في الطب” لابن النفيس، مؤرخة عام 879هـ، ونسخة يعود تاريخها للقرن العاشر الهجري من كتاب “الحاوي” أشهر كتب أبو الرازي، ونسخة مخطوطة مبكرة من تذكرة داود الأنطاكي، وعدد من المخطوطات النادرة المزودة برسومات لتشريح جسم الإنسان.

وتبرز المتاحف في محافظة جدة بصفتها أحد دعائم التنمية الثقافية في الحفاظ على التراث الوطني بمكوناته المادية وغير المادية، وتعزيز الهوية الوطنية، وإثراء المشهد الثقافي، وتعزيز الروابط الاجتماعية، إضافة إلى كونها فضاءات جاذبة تعزز من التفاعل، وتعمل على استحداث تجارب تعليمية وتثقيفية وترفيهية تستهدف جميع فئات المجتمع.

شاركها.
Exit mobile version