في أحد الأيام ذهبت إلى مدرسة ابني وكان المدير جالسا على كرسيه فسلمت عليه فمد يده وهو ما زال جالسا وقال: أهلا تفضل وش أقدر أخدمك فيه.

كان يتحدث معي على أنني ولي أمر لديه مشكلة ولم يعرفني شخصيا فقلت له أنا عندي بعض الملاحظات..رفع رأسه بسرعة ونظر إلي وقال تفضل؛ فقلت له “عندك المعلم فلان وفلان، جئت اشكرهم على جهودهم وحرصهم على تعليم الأبناء وجمال أسلوبهم” .. ثم أضفت كذلك “جئت أيضا أشكر الإدارة لأن المدرسة أصبحت أفضل بكثير من السابق وحتى الأبناء شعروا بالفرق واستمررت أثني على العمل والترتيب والاهتمام.

وفجأة قام من كرسيه وقال “تفضل” – كررها ثلاثا – ثم قال: أنت أول ولي أمر يجي ويشكرنا ويشكر المعلمين ثم قال “نحن اعتدنا أن الناس تأتي تشتكي فقط”، ثم بدأ يتحدث بحماس عن التطوير الذي أجروه من كاميرات المراقبة والمتابعة والتنظيم الذي أنجزوه هذا العام، وكأن كلمة الشكر أزالت عنه تعب سنة كاملة.

لماذا أصبح الشكر غريبا في زماننا؟.. الناس اليوم يتوقعون الشكوى قبل الشكر والانتقاد قبل الإشادة، وذلك لأن عدة أسباب تتداخل وتصنع هذا المشهد ومنها:

أولا: ضعف ثقافة الامتنان

تعودنا أن نرى النقص قبل التحسن ونلاحظ الخطأ قبل الجهد؛ فالعين صارت مدربة على البحث عن العيوب أكثر من تقدير الإنجازات والنفس أصبحت أسرع في التذمر منها في الثناء.

ثانيا: الانشغال وضغط الحياة

الإنسان اليوم يمر سريعا ولا يتوقف ليقول كلمة طيبة رغم أنها لا تستغرق شيئا فالجميع منشغل بهمومه ومشاغله وكأن الوقت لا يتسع إلا للضروريات وكأن الشكر ليس من الضروريات.

ثالثا: نشأة الأطفال على التصحيح دون التقدير

الطفل يسمع عبارة “ليش سويت كذا” أكثر مما يسمع عبارة “ممتاز أحسنت”؛ فيكبر وهو يعرف اللوم بسرعة ولا يعرف الثناء إلا نادرًا، وهذه التربية تصنع جيلا يجيد النقد ولا يحسن التقدير.

رابعا: الخوف من سوء الفهم

يتردد البعض عن قول كلمة بسيطة خشية أن يفهم الشكر على أنه مصلحة أو مجاملة زائفة فيبخل بالثناء بسبب ظنون لا قيمة لها.

خامسا: الحسد والغيرة

وهذا من أقبح الأسباب؛ لأن بعض النفوس تبخل بالثناء كأنه ينتقص من قدرها، أو كأن نجاح الآخرين ينقص من قيمتها الشخصية.

سادسا: التجارب السلبية المتراكمة

المعلمون والإداريون يسمعون الشكاوى باستمرار حتى صار الشكر بالنسبة لهم شيئا نادرا بل مستغربا، فقد اعتادوا على مواجهة الغضب أكثر من الامتنان حتى أصبح أي تقدير مفاجأة سارة.

الشكر خلق يرفع الإنسان ويحيي العلاقات

يبقى الشكر خلقا يرفع الإنسان ويحيي العلاقة بين الناس، فعندما نعترف بجهد المتميز نفتح بابا للخير ونقوي روح العمل ونبعث في النفوس حافزا للمزيد من العطاء.

يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – «من لا يشكر الناس لا يشكر الله»، ومعناه أن الامتنان للناس جزء من الامتنان لله وأن الجحود يُفسد النية ويُضعف أثر العمل.

شاركها.