قبل سنوات، كان السفر يبدأ بزيارة مكتب سياحي، أو مكالمة طويلة مع وكالات السفر. اليوم، بات كل شيء يبدأ وينتهي من شاشة هاتفك…
إذا كنت تخطط للسفر أو القيام برحلة سياحية قريبًا، فغالبًا أول ما يتبادر إلى ذهنك هو فتح أحد تطبيقات السفر على هاتفك الذكي، لتبدأ بتصفح عروض الرحلات وتذاكر الطيران، وربما تطّلع على إجراءات التأشيرات، وتراجع تقييمات الفنادق، قبل أن تُتم حجزك خلال دقائق معدودة، سواء كنت في منزلك، أو في طريقك إلى العمل.
فالمسافر اليوم لم يعد مضطرًا للانتظار في مكاتب وكلاء السفر، أو تصفح الكتيبات الورقية، أو حتى الاعتماد على نصائح الأصدقاء لاختيار وجهته، فبضغطة زر واحدة، أصبح بإمكانه تحديد الوجهة، ومقارنة الأسعار، وحجز الفندق، وتخطيط أنشطته الترفيهية أو الدينية؛ حيث تُدار تفاصيل الرحلة كلها من خلال شاشة هاتف واحدة.
تخطيط رقمي وسلوك جديد
هذا التحوّل السريع في سلوك المسافرين غيّر ملامح تجربة السفر بالكامل، وأعاد تشكيل صناعة السياحة عالميًا، لتصبح التطبيقات والمنصات الرقمية لاعبًا رئيسيًا ورفيقًا دائمًا للمسافر، معه في كل خطوة، من التخطيط وحتى العودة.
وتُظهر بيانات منصات الحجز إلى أن غالبية السعوديين باتوا يفضلون الوسائل الرقمية على الطرق التقليدية، لما تقدّمه من حلول شاملة، من بينها: سهولة اختيار الوجهات، وحجز الرحلات، وتحديد الوقت الأمثل للسفر، واستعراض “الوجهات المقترحة” المصممة حسب تفضيلات كل مستخدم وميزانيته.
تجربة الحج.. رقمنة متكاملة
وقد بدا هذا الاعتماد الرقمي أكثر وضوحًا خلال موسم الحج الأخير 2025، إذ تمكّن الحجاج من إدارة رحلاتهم بالكامل من خلال تطبيقات السفر الوطنية مثل “نسك”، إلى جانب منصات الحجز الأخرى المعتمدة، والتي تقدم خدمات متكاملة تشمل السكن، والنقل، والإرشاد، بمحتوى تفاعلي بلغات متعددة.

يقول مأمون حميدان، الرئيس التنفيذي للأعمال في منصة “ويجو”: “شهدنا هذا العام ارتفاعًا كبيرًا في الحجوزات الفردية، وطلبًا متزايدًا على الإقامات الفاخرة، خصوصًا القريبة من الحرم، وهو ما يعكس اعتمادًا متناميًا على التخطيط الذاتي باستخدام أدوات ذكية تسهّل كل شيء، من مقارنة الحجوزات إلى الحجز اللحظي”.
بنية متطورة .. وتنظيم ملايين
ويضيف حميدان: “لقد عملنا على توفير أدوات تسهّل اتخاذ القرار، من مقارنة الفنادق حسب الموقع والقرب من الحرم، إلى تقديم محتوى إرشادي يشمل الأسعار، وتوقيت السفر، والمزايا، كما دعمنا جهود المملكة في تقديم موسم حج عصري ببنية رقمية متطورة”.
وقد ساهمت هذه البنية الرقمية المتقدمة التي وفّرتها الدولة، في تسهيل تجربة الحج عبر أنظمة ذكية لتنظيم الحشود، وتيسير التنقلات، وتقديم محتوى توعوي لحظي، لضمان تجربة رقمية آمنة ومستدامة، تراعي التنوع الثقافي، وتلبّي احتياجات الملايين بكفاءة عالية.

صيف رقمي.. وسياحة داخلية وخارجية
لم يقتصر الاعتماد على التطبيقات الذكية على موسم الحج فحسب، بل امتد أيضًا إلى موسم السفر الصيفي، حيث يستخدم السعوديون هذه التطبيقات لاكتشاف وجهات محلية مختلفة مثل أبها والطائف والباحة، أو لحجز رحلات إلى مدن عالمية شهيرة، أو أماكن جديدة بحثًا عن تجارب ثقافية مميزة، مع ازدياد الاعتماد على الحلول الرقمية، خاصة خلال الإجازات ومواسم الذروة.
ذكاء اصطناعي.. وتوصيات فورية
ومع تعاظم دور التقنيات المتقدمة، بات الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في تجارب السفر الرقمية، حيث طورت منصات الحجز الذكية قدراتها لتقديم توصيات فورية مخصصة، تستند إلى تحليل سلوك المستخدم وميزانيته ووجهاته السابقة.
ويؤكد حميدان: “من أبرز المزايا التي أثرت في تجربة المستخدم كانت إدراج اللغة العربية داخل المنصة والتطبيق، وهو ما عزز من سهولة الاستخدام وفتح الباب أمام شريحة أوسع من المسافرين، كما أصبحت مرونة الرحلة وخصوصيتها من أهم ما يبحث عنه المسافر اليوم”.
رؤية 2030 والرقمنة السياحية
هذا التحوّل في تجربة السفر لا يأتي بمعزل عن التوجهات الاستراتيجية للمملكة؛ ففي إطار رؤية 2030، تتسارع الجهود نحو رقمنة القطاعات الخدمية، بما فيها قطاع السياحة، وتستثمر الدولة في تطوير البنية التحتية الرقمية، إلى جانب تحفيز الشراكات مع القطاع الخاص، لتقديم خدمات سفر متكاملة تلبي الاحتياجات المتغيّرة للسياح المحليين والدوليين
أدوات ذكية لتجربة أفضل
ولتحقيق الاستفادة القصوى من التطبيقات الذكية، ينصح خبراء السفر، المسافرين، بعدد من الخطوات، من بينها: استخدام ميزة “التواريخ المرنة” لتوسيع خيارات الحجز، وتفعيل “تنبيهات الأسعار” لمراقبة التغيّرات والحصول على أفضل العروض، ومراجعة “الوجهات المقترحة”، التي تساعد على اكتشاف أماكن جديدة تتماشى مع اهتمامات المستخدم، فضلًا عن استخدام خاصية المقارنة التلقائية بين خيارات الإقامة والموقع والخدمات.

رحلة بلا مكتب سفر
مع تسارع العالم نحو حلول سفر أكثر مرونة وسهولة، أصبح التطبيق الذكي هو رفيق الرحلة الأول في جميع مراحلها، وبينما تتراجع الحاجة إلى الوكالات التقليدية، تبرز الحلول الرقمية كبديل حديث؛ يمنح المسافر تحكّمًا كاملًا في رحلته، وتجربة ذكية وسلسة تتماشى مع نمط حياته العصري.