عاطف رمضان

في الثاني من أغسطس، لا تعبر الكويت فقط محطة في التاريخ، بل تمر بلحظة وعي وطنية متجددة، تنقب فيها الذاكرة عن الجراح لا لتبكيها، بل لتستخلص منها دروسا تصنع الغد. بعد 35 عاما من الغزو العراقي الغاشم، مازال الكويتيون يروون حكاية وطن قاوم، شعب توحد، وكرامة لم تنكسر. لم تكن المأساة مجرد احتلال للأرض، بل محاولة لكسر الهوية، لكن الرد جاء من قلوب تنبض بالإصرار، ومن أجيال حملت الشعلة دون أن تخمدها السنون. في هذا الملف، نستعرض شهادات شخصيات بارزة، تستحضر الحدث لا كذكرى عابرة، بل كمحطة للصدق، للمسؤولية، وللبناء الذي لا يتوقف، وفيما يلي التفاصيل:

في البداية، قال وكيل وزارة الأشغال العامة بالتكليف عيد الرشيدي إن ذكرى الغزو العراقي الغاشم في الثاني من أغسطس لا تعد مجرد استحضار لمأساة، بل هي محطة وطنية تجدد فيها الدولة التزامها نحو البناء، والعطاء، والوفاء لمن قدموا أرواحهم فداء للكويت.

وأكد الرشيدي أنه من الضروري ان نستلهم من تلك الذكرى معاني الإصرار، والمسؤولية، والمثابرة، ونسعى لأن نكون جزءا من منظومة ترد الجميل للوطن لا بالأقوال، بل بالإنجاز والعمل الملموس.

بدوره، أكد مدير عام الهيئة العامة للطرق والنقل البري بالتكليف، م.خالد العصيمي لـ «الأنباء» أن ذكرى الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس تمثل لحظة فارقة في تاريخ الوطن، مشددا على أن الدروس التي خرجنا بها من تلك المحنة لا تزال صالحة حتى اليوم، وعلى رأسها أن قوة الكويت في تماسك شعبها وثقة المواطن بدولته.

وأضاف العصيمي أن الرسالة الأهم التي نحملها كل عام في ذكرى الغزو هي أن الاستقرار ليس أمرا مفروغا منه، بل مسؤولية جماعية نحرص عليها كل يوم. الأمن لا يتحقق فقط بالقوانين أو المؤسسات، بل بالوعي والانتماء والتكافل بين أبناء المجتمع.

واسترجع العصيمي مشهدا محفورا في ذاكرته من تلك الفترة، قائلا: «كنا نرى صور الاحتلال ماثلة في الشوارع، لكن ما لا ينسى أبدا هو تعاون الكويتيين في أبسط التفاصيل (تقاسم الطعام، فتح البيوت، وإخفاء من كان مطاردا)، ذلك التلاحم الشعبي الحقيقي هو ما حول المحنة إلى منبع للقوة.

وعن أبرز الدروس التي حملتها تلك المرحلة، قال العصيمي: «الغزو علمنا أن بناء الدولة لا يقتصر على مشاريع أو خطط، بل يجب أن يترافق مع تعزيز الانتماء والهوية، فكما نبني الطرق، نحتاج لأن نبني الثقة بين المواطن والدولة، وهي البنية الوطنية التي يجب أن تبقى دائما أولويتنا».

الجبهة الداخلية

وفي السياق ذاته، قال عميد كلية التجارة والاقتصاد والعلوم السياسية السابق د.صادق البسام إن الرسالة الأهم التي يجب أن نحملها في كل ذكرى للغزو، هي تعزيز الجبهة الداخلية، فهي صمام الأمان في الكربات والأزمات والكوارث، مشيرا إلى أن تماسك الجبهة الداخلية قد أثبت أن الغازي لم يجد كويتيا واحدا يقف معه ضد وطنه، كما أن هذا التماسك أكد للقاصي والداني تمسك الشعب الكويتي بالشرعية الدستورية.

وأضاف د.البسام أن المشهد أو الحدث الذي لا يغيب عن ذاكرته من تلك المرحلة هو السلوك الوحشي والبربري الذي تعامل به الغازي مع شعب آمن ومطمئن، وقتله للأبرياء الذين كان ذنبهم الوحيد هو تمسكهم بأرضهم وشرعيتهم، إلى جانب تعمد الغزاة حرق الأخضر واليابس، وهو ما ينم عن حقد وكراهية تجاه جار مسالم لطالما هب لنجدته في أزماته، ومد له يد الأخوة والمحبة، فجاء الرد بالكره والبغضاء.

وحول تقييمه لتفاعل الجيل الجديد مع ذكرى الغزو، قال البسام: «لا شك أن الجيل الجديد لم يعايش الأيام السوداء والحالكة التي مرت بها الكويت، فهو لا يدري ماذا جرى وكيف تعامل الغزاة مع الكويتيين، يسمع عن الشهداء والأسرى، وعن 700 بئر تم إشعالها، وعن المقاومة الكويتية الشرسة، وعن تحرير الكويت عبر الشرعية الدولية، لكنه لم يعش التجربة».

وأضاف: «يجب على الجيل الحالي أن يعرف ما قام به أقرانه خلال الغزو، من مقاومة، وعمل في الجمعيات والمخابز وغيرها من المهام التي قد ينفر منها الجيل اليوم، وهنا يأتي دور الدولة في خلق بيئة مناسبة لتعريف الشباب بما قدمه أقرانهم أثناء الغزو، وفتح آفاقهم للنهوض بالدولة، ومقارنتها بالدول الأخرى في مجالات الابتكار، والرقمنة، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من ركائز التنمية». واختتم د.البسام تصريحه برسالة إلى الكويتيين قال فيها: «استمروا في فعل الخير، وأكثروا من المساعدات والصدقات للمحتاجين، ودعم العمل الإنساني، فهذا كله ساهم في تحرير الكويت، والتفاف العالم حول قضيتها».

أما المحامي والأكاديمي د.بدر المطيري، فقد أكد أن الغزو العراقي للكويت في

2 أغسطس 1990 لم يكن مجرد اعتداء على دولة ذات سيادة، بل انتهاك صريح لكل المبادئ القانونية الدولية، مشددا على أن القانون الدولي لم يكن غائبا عن المعركة، بل كان حاضرا كأداة رئيسية في تحقيق التحرير.

وقال المطيري إن التحرك الكويتي آنذاك بقيادة الأمير المغفور له بإذن الله تعالى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد وبدعم دولي واسع مثل نموذجا يحتذى في كيفية استخدام القانون الدولي لإدانة العدوان واستعادة الشرعية، مضيفا: «اللجوء إلى المؤسسات القانونية والديبلوماسية الدولية مثل مجلس الأمن كان قرارا إستراتيجيا حكيما أثبت أن احترام القانون هو الطريق الأطول لكنه الأضمن لتحقيق العدالة».

واختتم تصريحه قائلا: «في ذكرى الغزو علينا أن نعلم الأجيال أن الحق لا يسقط مع الزمن، وأن القانون ليس خيارا تكتيكيا بل مسار إستراتيجي لحماية الدول الصغيرة والمتوسطة من سطوة القوة».

من جانبه، قال المحامي علي الدويخ إن الغزو الغاشم على الكويت غير مفهوم الوطنية لدى الكويتيين، وأثبت أن حب الوطن لا يقاس بالكلام، بل بالمواقف الصلبة وقت المحن، مضيفا: «شاهدنا في تلك الأيام رجالا ونساء، صغارا وكبارا، يضحون براحتهم وبحياتهم فقط ليحافظوا على معنى الكويت». وأوضح أن الجبهة الداخلية، رغم الانهيار الأمني آنذاك بقيت صلبة بفضل وعي الشعب، مؤكدا أن هذا الوعي يجب ألا ينسى مع تعاقب الأجيال.

بدوره، أكد المحامي علي دحيم أن الغزو العراقي للكويت كان لحظة اختبار تاريخي للشعب الكويتي، أثبت فيها معدنا نادرا من التكاتف والصبر، مشيرا إلى أن المعتدي ظن أن الكويتيين سينهارون، لكنه فوجئ بأمة وقفت بكل الوسائل الممكنة لتقول «لن نهزم، ولن ننسى».

وقال المحامي بندر نايف إن ذكرى الغزو العراقي للكويت مناسبة للتفكر، لا للحزن فقط، مؤكدا أن الاحتلال العسكري انتهى، لكن تحديات السيادة الوطنية لا تنتهي، لأن العدوان قد يتكرر بأشكال أخرى، انقسام داخلي، ضعف مؤسسات، أو تراجع قيم الانتماء.

في الإطار ذاته، أوضح المحامي عبدالله الهوياني، أن الغزو العراقي رغم قسوته الجغرافية والعسكرية كان لحظة نادرة في تشكيل الوعي الوطني الكويتي، قائلا: «ما حدث في 1990 أعاد بناء علاقة الشعب بالدولة، ليس فقط من حيث الدفاع عنها، بل في تقدير وجودها كمفهوم قانوني وسياسي واجتماعي.

شاركها.