في الأيام الماضية كنت أتابع بعض الأخبار اللافتة على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وأحاول فهمها وتحليل أبعادها.
الدولار الأمريكي يواصل هبوطه، ولا تزال قيمته تتدنى باستمرار، فقد الدولار الأمريكي أكثر من 11% من قيمته في فترة الأشهر الستة الماضية، وهذا يتوافق تماماً مع سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، تخفيض العملة الأمريكية مطلب إستراتيجي لها لتحفيز الصناعة وخفض التكلفة ورفع قدرات التصدير، وبالتالي ردم هوة العجز التجاري بين أمريكا والصين.
وعلى الجانب الآخر هناك ارتفاع هائل في عملة البيتكوين الرقمية تجاوز 60% خلال فترة ثلاثة أشهر. أنه مشهد مهم جدّاً.
من الواضح أننا أمام تغيّر مثير، فالمسألة تتجاوز وبكثير مجرد أخبار الصعود والهبوط، إننا كما يبدو ظاهراً وجليّاً أمام نظام مالي جديد يتشكّل. فقد العالم ثقته في العملات التقليدية مع طباعة العملات بكميات مهولة ونثرها في الأسواق وخروج معدلات التضخم عن حدود السيطرة.
الحكومات حول العالم تتسابق لإنشاء نسخ رقمية من عملتها الوطنية، وكبرى الشركات تعتمد قبول الكريبتو كعملة سداد، والمستثمر الذكي بدأ يتجه نحو العقارات المرمزة رقمياً لاعتمادها.
الحديث لم يعد عن أدوات استثمار جديدة، بل عن لغة مالية مختلفة تماماً من لا يتقنها اليوم سيقصى عنها غداً.
وليس هذا هو المشهد الوحيد المثير للاهتمام، فهناك التهديد الصريح الذي صدر من مبعوث الإدارة الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط توم باراك بحق لبنان، الذي قال فيه: «إن لبنان عليه أن يتحرّك وإلا أصبح جزءاً من بلاد الشام»، وقد أثار هذا التصريح الكثير من اللغط والجدل المتوقع، لكنه قد يصب تماماً في توجّه عام سبق أن صُرح به عن طريق بيان رسمي صادر من السفارة الأمريكية في سوريا ينتقد فيه وبعنف اتفاقية سايكس بيكو والضرر الذي سبّبته على المنطقة في تلميح صريح أنها انتهت ويجب صنع واقع آخر مغاير.
وإذا كان تصريح دونالد ترمب الشهير بحق إسرائيل أنها دولة صغيرة، وأن حدودها يجب أن تكبر لا يزال في الذاكرة فيجب ربطه مع الأحداث الحاصلة على الأرض لأنها هي الأساس.
نسترجع مع الذاكرة الخريطة، التي قدمتها المنظمة الصهيونية العالمية لمؤتمر الصلح في باريس عام 1919، وتُظهِر حدود الدولة الصهيونية بأنها تضم مصادر المياه في لبنان وسوريا. أي من نهر الأولى شمال صيدا وحتى شمال قرية القرعون في البقاع وصولاً إلى جبل الشيخ الذي تنوي إسرائيل ضمه إلى جانب مصادر مياه في سوريا أيضاً. ويلاحظ أن الخريطة وقتها ضمت حوض الأردن بضفتيه.
فإذا حصل ما يذكره مراراً السفير الأمريكي إلى تركيا توماس براك عن تغيير خرائط سايكس بيكو – وهو أيضاً مبعوث الرئيس الأمريكي لأزمة سوريا. فإن تكرار تهديده بإعادة النظر في سايكس بيكو قد يشمل لبنان وليس سوريا فقط مع احتمال تقسيم لبنان إلى أربع مناطق:
قسم جنوبي لإسرائيل يمتد من نهر الأولى شمال صيدا ويشمل حوض الليطاني من النقطة حيث يعمق وتغزر مياهه في القرعون حيث السد، وليس فقط الضفة الجنوبية لليطاني. أي أن صيدا وصور وباقي المدن تصبح في القسم الذي تطمع به إسرائيل من لبنان.
قسم شمالي يشمل ما تبقى من سهل البقاع وعكار وطرابلس، ويضم إلى سوريا الحالية.
قسم على الساحل والجبل بحدود إمارة لبنان الصغيرة، تكون عاصمته بيروت.
قسم رابع يفصل بين ما تنوي إسرائيل احتلاله جنوباً وبين لبنان الصغير المذكور أعلاه، لإقامة دويلة بأغلبية درزية تبدأ جنوب بيروت وتمتد من ساحل الشوف عبر وادي التيم وتصل إلى السويداء جنوب دمشق.
علامات صغيرة ومشاهد دقيقة مطلوب التنبه إليها والتمعن فيها؛ لأن هذه التفاصيل هي ذاتها تكوّن وتصمم الصورة الختامية.
أخبار ذات صلة