في سياق النشاط الفني وتزايد المعارض الفنية، ووجود وفرة في الإنتاج الفني بتعدد مستوياته وأبعاده يقابله وجود عدة فئات من المتلقين والذي يكشف تبايناً جلياً في عملية التذوق الفني. فهناك فئة من المتلقين تميل إلى طابع التعبير الظاهري الذي يخلو نسبياً من التأمل متلبساً النظرة الخاطفة وقد يكون قياساً سريعاً لمستوى الاتقان الواقعي، وربما لا يتم تناول أي من معايير التذوق الفني الفعلي لجماليات العمل الفني، وهناك فئات تتفاعل مع العمل الفني ببعض المحاولات لاستنباط دلالات يمكن قراءتها. وهنا داهمت بعض التساؤلات مساحة العقل حول آلية التذوق التي تتم باختلاف البشر وثقافاتهم والعامل المحرك لإصدار الحكم على عمل ما.

وتظهر عدة مستويات للمتلقين مما قد يرصد فجوة بين الفن والمجتمع والتي لا بد من العمل على تقليصها وتقريب المسافة بينهما، والانتقال بالمتلقي من الحيز البصري البسيط إلى قراءة أكثر عمقاً للأبعاد اللونية والشكلية والرمزية واستيعاب مساحة جديدة من التفاعل تمكنه من تفعيل أدوات أخرى للتذوق كالمشاعر والحس والذاكرة والثقافة يتفاعل بها مع عناصر العمل الفني. وربما يصل إلى البعد الفلسفي في بعض الأعمال بالنسبة والتناسب مع عمق العمل الفني ومراحله، وبذلك يتم تكوين معرفة حسية فنية متصلة بالانعكاس الفني للعمل، وتعزز علاقة الفن بالمجتمع وتتكامل عملية الاتصال من مرسل ورسالة ومستقبل يعزز توظيف الفن اجتماعياً وجمالياً.

وهذا ما يستدعي وضع معايير جديدة أيضاً لعرض اللوحات وزيارة المعارض بالتزامن مع نشر ثقافة التذوق والتلقي وإعطاء مساحة للمتلقي بأن يختار أن يكون مشاهداً أو قارئاً للعمل الفني، وما إذا كان ما سيتعامل مع العمل الفني كأشكال وألوان أو رموز ودلالات بغض النظر عن تطابقها مع مقصد الفنان وإلى أي مدى يمكن أن ينشأ حوار بين المتلقي والعمل الفني، أو ربما بين المتلقي والفنان وتولد مستويات لاستنباط القيم الجمالية من العمل الفني. وتباين الأذواق مشابه إلى حد ما للتفاعل مع الجمال المكاني، فهناك من يستمتع بجمال البحر أو الصحراء ومنهم من يفضل جمال الغابات أو ربما السهول أو بشكل آخر الجبال، وإن اختلفت في السياق إلا أنها تشترك بشكل ما بعمليات التذوق بالفني الجمالي. الله سبحانه وتعالى أبدع في خلق الجمال مما يشكل بيئة جاهزة لنشوء علاقات بين الإنسان والجمال، تترابط وتفترق، تتشابه وتختلف، مكونة مستويات عدة من التذوق الفني، وبالتالي إلى إنتاج الفن كأحد نتائج هذا العلاقات، وإنتاج الفن يتبعه تلقي بمستويات متعددة، تدخل بشكل أو بآخر ضمن معايير اختيار الحيز المكاني الذي يمكن أن تعرض فيه الأعمال الفنية.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
Exit mobile version