45 دقيقة كانت كافية ليلفظ الطبيبان عبدالعزيز إدريس وزوجته الطبيبة أسماء أحمد، أنفاسهما داخل مركبتهما خلال انتظارهما طلب وجبة طعام أمام أحد مطاعم الرياض. حادثة الطبيب وزوجته، لم تكن الأولى ضمن حوادث الاختناق بأول أكسيد الكربون، إذ سجلت حوادث عدة سابقة في دول مختلفة لم يشعر خلالها المتوفون بتسلل القاتل الصامت إلى أجسادهم، وتسبّبه في انخفاض مستويات الأكسجين وارتفاع ثاني أكسيد الكربون تدريجيّاً ليلفظوا أنفاسهم اختناقاً. وكان الزوجان استغلا وقت فراغهما بين المناوبات لقضاء يوم في العاصمة الرياض، قادمين من شقراء، وأثناء توقفهما بانتظار تجهيز الطلب داخل السيارة، وقعت الحادثة المأساوية التي أودت بحياتهما، وذلك نتيجة تسرّب غاز من مكيف الهواء داخل السيارة، ما أدى إلى تراكم الغازات السامة واختناقهما دون ظهور أعراض إنذار مسبق، الأمر الذي أودى بحياتهما على الفور. ويحذّر خبراء السيارات من تفعيل خاصية تدوير الهواء الداخلي في المركبة لفترة طويلة فهو السبب المباشر للاختناق.

فقدان وعي دون سابق إنذار

خبير السيارات ماجد العدواني أشار لـ«عكاظ»، إلى أن خاصية تدوير الهواء الداخلي للمركبات تمنع دخول الهواء النقي من الخارج، وتعيد تدوير الهواء داخل المقصورة، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات الأكسجين وارتفاع ثاني أكسيد الكربون تدريجيّاً.

وهذه الخاصية تعمل لأكثر من 20 دقيقة، خصوصاً في حالة وجود أكثر من راكب داخل السيارة، إذ ترتفع مستويات ثاني أكسيد الكربون بسرعة وتؤدي إلى فقدان الوعي دون سابق إنذار.

ونبّه العدواني من خطورة التعرض لغاز أول أكسيد الكربون، فهو غاز عديم اللون والرائحة يمكن أن يتسرب من نظام العادم إلى داخل السيارة، خصوصاً عند تشغيل المحرك في أماكن مغلقة أو أثناء النوم داخل المركبة، ومن الممكن أن يؤدي إلى الوفاة خلال أقل من ساعة إذا تم استنشاقه بكميات كبيرة. مشدداً على ضرورة فحص نظام العادم بانتظام وتجنب النوم داخل السيارة مع تشغيل المحرك والمكيف والنوافذ مغلقة وفي أماكن مغلقة، وإذا لم تكن الوظائف الميكانيكية للسيارة على المستوى المطلوب، فإن احتمالية تسرُّب عادم السيارة إلى داخل السيارة أثناء النوم يمكن أن تزيد من خطر الاختناق لأنه سيقلل من مستوى الأكسجين في السيارة.

لا لون.. لا رائحة.. لا طعم

استشاري وأستاذ أمراض القلب وقسطرة الشرايين الدكتور خالد النمر، يرى أن السبب الأول للوفاة داخل المركبة لشخصين معاً هو التسمم بغاز أول أكسيد الكربون؛ الذي يدخل من الشقوق بسبب صدأ أو تآكل في نظام تصريف عادم السيارة مع فتحات التكييف خصوصاً السيارات القديمة، والمشكلة الكبرى أن هذا الغاز لا لون له ولا طعم ولا رائحه ولا يمكن الانتباه له.

وبين الدكتور النمر أن غازات التبريد المستخدمة في تكييف السيارات مثل R134a أو R1234yf لا تُعتبر، عادةً، سامة بدرجة كافية لتسبب الوفاة في الظروف العادية، وهي مصممة لتكون آمنة نسبياً عند استخدامها في أنظمة التكييف المغلقة حتى لو كان مع إعادة تدوير الهواء إلا إذا كان مصحوباً باحتراق وذلك الاحتمال مستبعد في هذه الحالة.

وقدّم النمر تعليمات سلامة وأمان بعدم تشغيل المحرك في مكان مغلق (حتى لو دقيقة)، وإذا توقف السائق لفترة طويلة والمكيف يعمل عليه فتح النوافذ قليلاً، وعليه فحص نظام العادم سنوياً، خصوصاً في السيارات القديمة، وعدم النوم داخل السيارة والمحرك يعمل، ومن النصائح تركيب كاشف غاز أول أكسيد الكربون صغير يعمل بالبطارية داخل السيارة، مشدداً أنه في حال الشعور بالدوار أو الغثيان أو الصداع أثناء الجلوس في السيارة يجب الخروج فوراً الى الهواء الطلق.

وأضاف النمر: تسمم غاز أول أكسيد الكربون من الممكن أن يسبب الوفاة في شخص أو أشخاص (مستيقظين) داخل سيارة أو غرفة لأسباب عدة؛ أولاً كونه ليس له لون ولا طعم ولا رائحة، وكونه يرتبط مع الدم بسرعه أسرع من الأكسجين بـ200 إلى 400 مرة فلا وجه للمقارنة بينهما، وقال: أخطر شيء فيه أنه (مخادع)؛ لأن أعراضه قد تكون خفيفة تعب قليل أو «إرهاق عادي» يمكن يحدث من حرارة الصيف، والضربة القاضية فيه أنه يتوجه للدماغ مباشرةً فيؤثر على قدرة الضحية في اتخاذ القرار السليم؛ إذ لا يعلم أنه مسمم ولا يستطيع اتخاذ القرار بالهروب من الموقع ولا تنفيذ ذلك القرار ويستسلم للموت.

45 دقيقة تكفي للوفاة اختناقاً

طبيب الطوارئ الدكتور عبدالله عمسيب قال: إن غلق السيارة في مساحات مغلقة ولفترات طويلة، قد يؤدي إلى تعرض من بداخلها لنسب غازات بجرعات عالية، موضحاً أن أول أكسيد الكربون من الغازات عديمة الرائحة واللون ويصعب اكتشافها.

وخلال 45- 60 دقيقة يشعر الشخص داخل السيارة بأعراض الاختناق، موضحاً أن الأعراض تبدأ بصداع وإعياء. وحذّر من الجلوس داخل السيارات المغلقة مع تشغيل التكييف لفترات طويلة تتخطى 45- 60 دقيقة.

وأوضح أن علامات وأعراض التسمم بأول أكسيد الكربون تشمل الصداع، والغثيان، والدوار، والتقيؤ، وألم الصدر، وصعوبة التنفس، والارتباك، والنوبات، والغيبوبة، مضيفاً أنه كلما تم استنشاق الغاز لفترة أطول، كانت الأعراض أكثر شدة، وقد يحدث فقدان للوعي لفترة وجيزة إذا كان هناك الكثير من أول أكسيد الكربون في الهواء.

ليست في السيارات وحدها

كشف خبير الأدلة الجنائية العميد متقاعد صالح بن زويد الغامدي، أن الاختناق بالغازات السامة، وفي مقدمتها أول أوكسيد الكربون، من حالات الاختناق الشائعة، التي تحدث بسبب جهل الأفراد بخطورة تلك الغازات عديمة الرائحة واللون، وهو ما يستدعي معرفة السلوكيات السليمة، وتجنب بعض العادات الخطيرة، التي ينجم عنها حوادث مؤسفة تصل لحد الوفاة، مضيفاً أن حالات الاختناق الشائعة لا تقتصر فقط على المركبات، بل تتعداها إلى البيوت من استخدام الفحم والحطب للتدفئة.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.