تعد الزراعة لمواجهة الزحف الاستيطاني من الأساليب المتنوعة للتشبث بالأرض والوطن، يتبعها الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة من أجل المحافظة على أراضيهم وحمايتها من اعتداءات جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين.

9 فلسطينيات يؤدين مهمة عظيمة في بلدة بيت أمّر شمالي مدينة الخليل جنوبي الضفة، للحفاظ على الأرض أمام التوسع الاستيطاني الزاحف بتسارع كبير.

وفاء أبو مريم هي واحدة من تلك النساء اللواتي يشتركن معا في مشروع زراعي منذ عدة سنوات، لكنه تحول إلى مشروع مقاوم يقف صلبا في وجه التوسع الإسرائيلي الاستيطاني.

وتزرع السيدات نحو 5 دونمات (الدونم يعادل ألف متر مربع) بالخضار والعنب وغيرها، وإلى جوار المزرعة يجثم تجمع مستوطنات غوش عتصيون الإسرائيلي.

وتبدو وفاء شغوفة، وتحب ما تقوم به، وتقول إنها ترتبط بالأرض وتعمل فيها منذ 25 عاما، وتتعلق بها منذ طفولتها.

فلسطينية خلال موسم سابق لقطف الزيتون بالقرب من مدينة الطيبة بالضفة الغربية (الفرنسية)

حب الأرض

ولوفاء عائلة وأطفال، وفي هذا السياق تقول: جميع أفراد العائلة يساعدون في الأرض، وهكذا تتم زراعة حب الأرض في نفوسنا، إلى جانب زراعة الأرض بالخضروات والأشجار.

حيث تؤكد أن الأرض مصدر دخل رئيسي للعائلة منذ سنوات، ومع اشتداد الأزمة المالية منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، “باتت الأرض مصدر الدخل الوحيد الذي تعتاش منه عائلتي، وعائلات الشريكات”.

وتسوّق السيدات الخمس المنتجات في الأسواق المحلية، وغالبا ما يتم بيعها بشكل مباشر للمستهلكين، لكنهن يشتكين من تردي الأسعار في السوق مقارنة مع مستلزمات الزراعة والإنتاج.

إلا أن تلك المعضلة تبدو نقطة في بحر أمام اعتداءات المستوطنين، حيث تؤكد وفاء أن أكبر التحديات تتمثل بالتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية على حساب الأرض الفلسطينية.

وتشير إلى أن مستوطنة غوش عتصيون اقتطعت جزءا كبيرا من أراضي الفلسطينيين.

وبشأن قرار إسرائيل ضم الضفة الغربية، تقول السيدة الفلسطينية: نعيش المجهول، كل يوم نرى الضم يتحقق على الأرض عبر التوسع الاستيطاني.

ومعبرة عن تمسكها بالأرض رغم التحديات، تتابع وفاء: “رغم ذلك لن نغادر أرضنا وسنبقى فيها، ولا مكان لنا غير هذه الأرض، نحن نقاوم اليوم بالزراعة وبالبقاء، هذه المزرعة ستبقى سدا في وجه الاستيطان”.

وتؤكد على ذلك بالقول: هذه الأرض والهواء والمياه لنا فقط.

ونهاية أغسطس/آب الماضي، أفاد موقع والا العبري، نقلا عن مصادر خاصة لم يسمّها، بأن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أبلغ نظيره الأميركي ماركو روبيو أن تل أبيب تتحضر لإعلان فرض سيادتها على الضفة الغربية خلال الأشهر المقبلة.

والأربعاء، أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش اعتزام تل أبيب ضم 82% من مساحة الضفة الغربية المحتلة للسيادة الإسرائيلية، وشدد على ضرورة منع قيام دولة فلسطينية.

وتمهيدا لضم الضفة الغربية المحتلة، تكثف إسرائيل منذ بدئها حرب الإبادة على غزة من ارتكاب جرائم بالضفة، بينها هدم منازل وتهجير مواطنين فلسطينيين ومصادرة أراضيهم وتوسيع وتسريع البناء الاستيطاني.

مهمة عظيمة

وإلى جوار المزرعة تقع بئر مياه قديمة، حيث يأتي إليها المستوطنون بشكل مستمر، مدعين أنها إرث يهودي، ويضيقون على المزارعين الفلسطينيين، وفق وفاء وغيرها من المواطنين.

بدورها، تقول أمل صليبي، بينما تواصل العمل في مزرعتهن، إنها تنتمي للأرض وتحبها، ومشروعها وإن كان اقتصاديا، فإنه محاط بحب وانتماء للأرض.

وفيما يتعلق بالدور الذي تقوم به، تتابع: “نحن في مهمة عظيمة لحماية الأرض، نحميها بوجودنا المتواصل فيها، وبزراعتها واستثمارها”.

وترى صليبي أن الاقتصاد والزراعة عمودان للثبات في الأرض في ظل مواصلة إسرائيل العمل على تفريغ الأرض من أصحابها، وطردهم واستحواذ المستوطنين على أوسع مساحة منها.

وتضيف: “نزرع الفاصولياء والعنب والبندورة ومزروعات أخرى ونعيل أسرنا”.

ولا يقتصر عمل السيدات على إنتاج الخضروات، بل يتعدى إلى إنتاج مأكولات تقليدية أخرى منها رب البندورة والمخللات وغيرها.

أكبر التحديات لأصحاب الأرض تتمثل بالتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية (الفرنسية)

توسع استيطاني

ويتسارع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن إسرائيل تذهب إلى تنفيذ مخطط لضم الضفة لسيادتها، إلى جانب مخطط آخر لفصل الخليل.

وأواخر أغسطس/آب الماضي، قالت قناة إسرائيل 24 إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- سيناقش مخطط فصل مدينة الخليل عن منطقة نفوذ السلطة الوطنية الفلسطينية واستبدال قادة المنطقة بعشائر محلية وإنشاء إمارة منفصلة، وذلك ردا على نية عدد من الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطين.

وأضافت القناة: من المتوقع أن يعترف هذا الكيان (الخليل بعد فصلها المزعوم) بإسرائيل كدولة يهودية وينضم إلى اتفاقيات أبراهام للتطبيع بين دول عربية وإسرائيل.

وبموازاة الإبادة في غزة قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون بالضفة، بما فيها القدس المحتلة، ما لا يقل عن 1017 فلسطينيا، وأصابوا نحو 7 آلاف آخرين، إضافة لاعتقال أكثر من 18 ألفا و500، وفق معطيات فلسطينية.

وبدعم أميركي، يرتكب الاحتلال الإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، أدت إلى نحو 65 ألف شهيد وجرح قرابة 163 ألفا آخرين من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 393 فلسطينيا، بينهم 140 طفلا.

شاركها.
Exit mobile version