تجاوزت حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين أكثر من ستمائة يوم، ومن المؤكد أنه من الصعب جدًا أن أعيد سرد الجرائم التي ارتكبتها –ولا تزال ترتكبها- إسرائيل ضد شعب بأكمله في هذا الحيّز المحدود من السطور، وعلى ما يبدو أن شهية إسرائيل للقتل لا تقف عند أي حدود، وأن عملية السابع من أكتوبر وفّرت لها فرصة ذهبية لها لشن حرب ضد سوريا ولبنان وفلسطين وإيران مما ينذر بخطورة اتساع نطاق هذه الحرب.

عندما شنّت إسرائيل حربها ضد حماس دعمتها الولايات المتحدة والكثير من الدول الأوروبية، وسارع زعماء تلك الدول بزيارة إسرائيل مبدين استعدادهم لتقديم المساعدات لها في حربها في غزة والضفة الغربية، وشن حرب ضد حماس بدعوى استعادة الأسرى الإسرائيليين، وهو الأمر الذي طرح سؤالاً لطالما أثاره بعض المحللين عبر منصات الأخبار العالمية، وهو: هل تهتم حكومة نتنياهو بالفعل باستعادة الأسرى؟ فتصريحاته وذرائعه تصب جميعها في أن استعادة الأسرى هو الهدف الرئيسي من تلك الحرب، غير أن الواقع يدل على أن الأمور تسير فعلياً على نحو مختلف تماماً.

من الواضح تماماً أن حكومة نتنياهو لا تهتم فعلياً باستعادة الأسرى، بل تستغل هذه الورقة من أجل تحقيق مجموعة أخرى من الأهداف التي طالما طمحت لتحقيقها، فعملية 7 أكتوبر قدّمت لحكومة نتنياهو الفرصة على طبق من ذهب لتحويل قطاع غزة إلى جحيم، لدفع سكانه للهرب منه وإفراغه تمهيداً لاستيطانه، فإن لم يتم ذلك فستلجأ حينئذٍ لقتل أكبر عدد ممكن من سكان القطاع للتخلص منهم، فجوهر خطة إسرائيل التخلص من سكان قطاع غزة وإخلاؤه بأي طريقة سواء بالقتل أو بالتهجير.

منذ أن بدأت الحرب انعقدت العديد من جولات المفاوضات بين الطرفين لتبادل الأسرى، وفي كل جولة مفاوضات كان الأمل يحدو المجتمع الدولي في إنهاء الصراع ووقف القتال، وهو الأمر الذي كان على ما يبدو يقلق رئيس الوزراء الإسرائيلي على وجه الخصوص، فوقف القتال يعني إنهاء جهوده في إخلاء القطاع وفشل خططه، ولذلك فهو يسعى لوضع العراقيل واحدة تلو الأخرى لإفشال المفاوضات وإطالة أمدها إلى ما لا نهاية، ثم يخرج مصرّحاً بأن حماس تتعنت في المفاوضات لأنها ضد السلام!.

غير أنه مع اشتداد وتيرة الحرب وطول أمدها وتعدد المجازر الإسرائيلية بحق سكان غزة من المدنيين والعزل ووصول الأوضاع لحافة الانهيار بدأ بعض قادة العالم الغربي بالتضجر والتململ من استمرار الحرب ووقوع ضحايا بالمئات بشكل يومي، ومع اندلاع العديد من المظاهرات العارمة داخل تلك الدول ذاتها، ولاسيما بعد تناقل وكالات الأخبار العالمية لصور الجثث والمقابر الجماعية، وتناولها لسياسات التجويع ومنع المساعدات الإنسانية من الوصول لسكان غزة المحاصرين من كل الجهات، مع القصف المستمر حتى للمستشفيات وتوقف جميع أشكال الحياة داخل القطاع، بدأ الكثير من قادة العالم -ممن دعموا إسرائيل في السابق- في التنديد بما يحدث داخل القطاع من جرائم، غير أن هذا الأسف والتنديد والتألم الظاهري يطرح سؤالاً جوهرياً، ألا وهو هل التنديد بتلك الجرائم الدموية ينم عن اعتقاد حقيقي بمدى خطورة ووحشية تلك الجرائم الإسرائيلية، أم أن هدفها مجرد امتصاص الغضب الشعبي في تلك الدول؟

غير أنه من الواضح أن إسرائيل لم تعد تبالي بأي نقد، إنها حتى لا تبالي بأية إدانات أو قرارات دولية، أما قرار المحكمة الدولية بضرورة محاكمة نتنياهو لارتكابه جرائم حرب فإنه لم يجد أي صدى في إسرائيل، غير أنه قوبل برفض وسخط من بعض الدول المؤيدة لإسرائيل والتي تندد الآن بالجرائم الإسرائيلية، وهو الأمر الذي يُظهر تناقضًا واضحًا بين التصريحات الإعلامية الجوفاء وبين الواقع على الأرض.

الدموع التي تذرفها الآن بعض الدول الغربية لا تجد لها آذاناً صاغيةً في إسرائيل، غير أنها لن تغيّر سيرورة الحرب الظالمة ضد شعب بأكمله، فهي إن لم تقترن بقرارات حاسمة كوقف تصدير شحنات الأسلحة لها وفرض عقوبات اقتصادية ضدها فإن الحرب ستستمر إلى مدى لا يعلمه سوى الله، ووقتها لن يجدي الندم ولن يفيد الأسف، فالأسف وحده لا يكفي بل يجب اتخاذ خطوات جادة لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.