وفق قراءات قديمة ترسّخت في ذاكرتي بأن علم النفس خرج من خلال روايات الروائي الفذ دوستويفسكي، إذ كانت شخصيات روايته شخصيات مركبة، وقد أُغرم بها أحد قرائه، فطبق تلك الشخصيات على مرضاه، وقام بتصنيف كل حالات نفسية مرضية وفق الشخصيات الروائية التي قرأها.
وتسجّل كتب السير أن (فيلهلم فونت) هو مؤسس علم النفس الحديث (16 أغسطس 1832 –31 أغسطس 1920)، وهو طبيب وعالم فيزيائي وفيلسوف ألماني، فهل كان فيلهلم فونت هو ذلك المغرم بأدب دوستويفسكي؟
ومن تلك المعلومة التي ترسّخت في ذاكرتي، سُئلت ذات يوم من بعض الأصدقاء: هل تعرف الأمراض النفسية لمن هم في حياتك، أو مروا أو مكثوا في تفاصيل أيامك؟
وكان ردي بالإيجاب، إلا أن الخجل يمنعني من مكاشفتهم بأمراضهم.
وكما هم مرضى فأنا مريض مثلهم، فقط تختلف أنواع أمراضنا النفسية…
والروائي هو الأكثر مقدرة على معرفة النفس البشرية، وأكثر من أي طبيب نفسي، أو دارس لعلم النفس..
ومن يقول إن العالم (فرويد) هو من أنشأ علم النفس أجدني أرتدّ إلى معلومتي بأن علم النفس خرج من روايات الروائي دوستويفسكي، فالعالم (فرويد) درس حالات المهووسين وأصحاب العته، وجمع ملاحظاته وطبقها حالاتٍ نفسيةً مرضيةً على المعتوهين، بينما الروائي يتمكن من الغوص المباشر لنفسية الشخصية المكتوبة، وإجلاء ما علق بها من شوائب وعلل حياتية تظهر نوعية المرض النفسي للشخصية.
وهذه المسألة ليست مؤكدةً تاريخياً، وإنما أميل إليها على يقين أن لكل علم باحثين من أصل الإشكالية التي يبحث فيها الباحث، والنفس البشرية الأقرب إلى اكتشاف نوازعها (الخيرة، والشريرة)، والروائي هو الغواص الذي يقف على تضاريس وأعماق تلك النفسية.
وهذا رأي صائب أو على خطأ لدى الدارسين والباحثين عن تضاريس وعمق علم النفس، وبالتالي، هي دعوة لإعادة قراءة تاريخية النفس البشرية في أمراضها.
أخبار ذات صلة