«العتاب» في جوهره لغة خفية لا تقال إلا لمن يسكن القلب، ولا يوجه إلا لمن يترك في الروح أثراً لا يمحى.. هو ليس نزاعاً على كلمة أو موقف عابر، بل محاولة لترجمة مشاعر تتزاحم في القلب ولا تجد منفذاً إلا عبر البوح.. إنه (اي العتاب) كالمطر، يبدأ غيماً مُثقلاً، ثم ينهمر ليغسل شوارع النفس المزدحمة بالتراكمات. حين أعاتبك، فأنا في الحقيقة أصرخ بصوتٍ لا يُسمع: «لا أريد أن أخسرك، أرجوك افهمني قبل أن يخذلني الصمت»؟.
في لحظة العتاب، يصبح القلب هو المتحدث الأوحد، وتختفي الأقنعة التي نرتديها أمام العالم.. يظهر الإنسان بضعفه وحنانه، بشوقه وخوفه، وبكل ما يخفيه خلف كبريائه.. إنه إعلان غير مباشر بأنك ما زلت تسكنني رغم كل الخيبات والظروف والصعوبات.
أحياناً، يكون العتاب شبيهاً بمحاولة إعادة بناء جسر تصدّع.. الكلمات فيه ليست مرتّبة، والمشاعر قد تكون ملخبطة، لكن خلف ذلك الارتباك شوقٌ دفين لإعادة الوصل.. هو ليس ندماً على وجودك، بل خوف من غيابك.. إنه القلق الخفيّ من أن تتلاشى العلاقة شيئاً فشيئاً، وأن تُطفئ المسافات نار المودة التي بيننا.
هو دعوة صامتة للصراحة.. نافذة نطلّ منها على أعماق بعضنا البعض بلا حواجز، حتى نسمح لتلك المشاعر الصادقة أن تُرمّم ما هدمه سوء الفهم.. قد يكون مؤلماً، لكنه يحمل بين طياته بذور النجاة؛ هو الطريق الذي قد يقود علاقاتنا المتعبة إلى برّ الأمان.
لا تهرب من العتاب، ولا تُسيء فهمه.. استمع إليه كمن يصغي إلى قلب يخشى أن يفقدك.. لغة قلب مخلص يحاول بكل ما فيه من صدق أن يترجم نبضاته إلى كلمات.
وأنا أكتب لك الآن، لست أعاتبك لأجل الماضي، بل لأني أريد أن يبقى المستقبل بيننا أجمل. أعاتبك لأنك ما زلت أغلى ما أملك، ولأن صمتي عنك سيكون وجعاً أكبر من أي كلمة قد أقولها لك. فلا تجعل من عتابي سبباً للبعد، بل اجعله دليلاً على أني ما زلت هنا، أتمسّك بك، وأنتظرك أن تفهمني قبل أن يخذلني الصمت.
أخبار ذات صلة