في قرية العباس بمنطقة الباحة وُلد عبدالله بن محمد حجر ليكبر حاملاً في قلبه وصية جده «إذا حضرت فانفع»، فكانت نبراسًا يضيء دربه منذ الطفولة وحتى ما بعد التقاعد. رجلٌ اختار أن يجعل من وجوده على هذه الأرض الطاهرة قصة ملهمة في الوفاء والمسؤولية، فامتدت خطواته من أرامكو إلى ميدان العمل الاجتماعي والتنموي دون أن تتوقف.

ومنذ نعومة أظفاره، تشكّلت شخصيته على يد والده الذي آمن أن التربية لا تصاغ بالكلمات فقط بل بالمواقف والدروس الحياتية. ففي كل صيف لم يكن يسمح له بالبقاء في المنزل دون عمل بل كان والده -رحمه الله- يحرص على إشراكه في أي فرصة عمل متاحة سواء في المخبز العائلي أو المحال التجارية أو حتى في الزراعة ورعي الغنم في القرية. لم تكن تلك مجرد أعمال موسمية بل كانت دروسًا تربوية في المسؤولية والانضباط والاعتماد على النفس تركت أثرًا عميقًا في تكوين وعيه وملامح شخصيته وعلمته أن الإنسان يقاس بما يقدمه لا بما يملكه، وأن الكرامة تبدأ من بذل الجهد بإخلاص.

التحق عبدالله حجر بشركة أرامكو عام 1404هـ، وتدرج في مسيرته المهنية حتى أصبح رئيس نوبة، ثم مدربًا معتمدًا في مجالات الإنعاش القلبي، الإسعافات الأولية، والسلامة العامة. شارك في مؤتمرات دولية، ومثّل عمال المملكة في ندوات وفعاليات داخلية وخارجية، وكان من أوائل من جمعوا بين العمل المهني والعمل التطوعي باحترافية واقتدار.

لكنه لم يكتفِ بذلك، فخلال عمله شارك في عشرات المبادرات الخيرية، وقدم أكثر من 500 ورشة تدريبية استفاد منها نحو 10 آلاف شخص، مؤمنًا بأن نقل المعرفة عبادة لا تقل شرفًا عن أي عمل آخر. ومع تقدم السنوات، جاء قراره الصعب في عام 1439هـ بالتقاعد المبكر، لا بحثًا عن الراحة، بل للتفرغ لرعاية والدته، ولتكريس وقته للعمل التطوعي والخيري الذي ازداد تألقًا بعد التقاعد.

ترأس عبدالله مجلس الجمعيات الأهلية بمنطقة الباحة، وواصل انخراطه في عدد من الجمعيات الخيرية والزراعية ومنها جمعية البر بالباحة، وجمعية الزيتون، وكان رئيسًا لمجلس إدارة جمعية بني ظبيان الخيرية، ومشرفًا على برامج اجتماعية وصحية وتعليمية أثرت واقع المنطقة.

ولأن الشباب هم عماد المستقبل آمن عبدالله حجر بضرورة تمكينهم فساهم في إنشاء مقرات رياضية في قريته ودعم بطولات كرة القدم والطائرة وحرص على استثمار طاقاتهم في مبادرات ثقافية وتوعوية فكان وجوده بينهم ليس فقط كداعم بل كملهم وصديق وأخ كبير.

وتقديراً لهذا العطاء اللامحدود، كُرّم عبدالله حجر من عدد كبير من أمراء المناطق، ومسؤولي الدولة، والجهات المجتمعية المختلفة، إشادة بجهوده في خدمة الوطن والمجتمع، وتأكيدًا على أن بصمته تجاوزت حدود المكان لتصل إلى قلوب الناس ومساحات الوطن الواسعة.

عبدالله حجر هو النموذج الصادق لرجل لم يخذل وطنه ولم ينسَ الأرض التي نشأ عليها بل سعى ليترك فيها أثرًا لا يُمحى وغرسًا لا يذبل.

رجلٌ آمن أن التقاعد ليس نهاية الطريق بل لحظة بداية لأجمل فصول الحكاية.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.
Exit mobile version